الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاشيء سيحدث خارج أسوار القُشلة!

شاكر الناصري

2014 / 5 / 18
المجتمع المدني


مَن يزور شارع المتنبي- شارع الثقافة كما يحلو لثلّة من العراقيين أن يسموه- بعد سنوات طويلة من الغياب سيكتشف حجم التغيرات التي طرأت على هذا الشارع، إن كان في مبانيه والاهتمام الواضح بهذا الشارع والمناطق المحيطة به أم من ناحية تحوله الى قبلة تعج بالآلاف من العراقيين كل يوم جمعة وكذلك ما تحتويه المكتبات والبسطات من كتب بإعداد كبيرة، فقد تحول العراق ومنذ سقوط نظام الحكم السابق الى سوق كبير للكتب فلا ممنوعات ولا مصادرات ولا تقارير تكتب عن محتويات هذا الكتاب او ذاك. لكن شبح كاتم الصوت او المفخخة الناسفة لم يغب عن مخيلة العديد من الكتاب والمثقفين والاعلاميين.

كان الصديق الذي يرافقني يتحدث عن الشارع وعن الناس الذين يأتون كل أسبوع، فالشارع تحول الى نقطة جذب كبيرة هامة وأصبح متنفسا للمَدنية والمدنيين وقبلتهم فهذه المنطقة هي الحصن الأخير لمَدنية بغداد واهلها على حد قوله مثلما هي حصن الثقافة العراقية ورمزها. في كل جمعة يأتي الآلاف الى هذا الشارع أوالى المركز الثقافي ومبنى القشلة حيث يجدون فعاليات كثيرة ومختلفة، سياسية وثقافية وفنية ونقابية ونسوية ومناظرات في السياسة والوضع العراقي ومآزق السلطة وفسادها وهيمنة القوى الإسلامية عليها ومظاهرات لنشطاء المجتمع المدني والمنظمات النسوية.... الخ.

في هذا المكان فإن الجميع يقول ما يريد، بغضب أو بهدوء، بلافتات أو بدونها، لكن الجميع سينفض ما علق بثيابه من غبار ويغادر في لحظة معينة وكأنهم قد اتفقوا على موعد ثابت للمغادرة وإن ما تحدثوا به وآثار حماسة عدد منهم، يبقى ساري المفعول حتى وقت محدد وسيعاودون الكرة في الاسبوع أوالأسابيع القادمة.

من الواضح ان الاهتمام الذي تبديه السلطات العراقية بشارع المتنبي والمناطق المجاورة له لا يأتي من فراغ وان كل خطواتها مدروسة بعناية بدءا من زيارات الوزراء والمسؤولين مرورا بالسيطرات ومفارز التفتيش التي تنتشرعند مدخل شارع المتنبي و بوابات المركز الثقافي وبناية القشلة او من خلال التغطية الإعلامية الاسبوعية المكثفة لوقائع شارع المتنبي من قبل القناة الحكومية الرسمية او القنوات الفضائية الاخرى التي وجدت في شارع المتنبي مادة أسبوعية دسمة يترقبها المشاهد البعيد وتؤدي الى ارتفاع نسب المشاهدة لهذه القنوات. ما يتم بثه في التغطيات التلفزيونية يدفع ببعض من العراقيين للتوجه الى هناك لأكتشاف معالم مدينتهم الثقافية ولذلك تجد ان هذا الشارع والاماكن المجاورة باتت لا تستوعب الاعداد المتزايدة التي تأتي كل اسبوع.

من المعلوم أن السلطات الحاكمة في العراق سعت والى أوقات قريبة جداً للقضاء على مظاهر الاحتجاج والتظاهرات في شوارع بغداد والتي عادة ما تتم مواجهتها بقوة وقسوة كبيرة لا تخلو من التشهير بنشطاء المظاهرات ومنظميها وبمطالبهم، على الرغم من تكرارها المتواصل لإسطوانة تأييد المطالب المرفوعة واقرارها بشرعية الكثير منها. نجحت السلطة في العراق في فرض التراجع على ابسط التظاهرات ونجحت في إيجاد المكان المناسب الذي لا يسبب لها الحرج ولا الصداع ولا يدفعها لحشد الآلاف من قوات مكافحة الشغب، هناك في القشلة سيذهب المتذمرون منها ومن أفعالها وفسادها وطائفيتها لكي يهتفوا ويتناقشوا ويقرأوا القصائد والخطب التحليلية، سيقولون كل شيء حتى يُطفئوا نار غضبهم لكن شريطة ان لا تعبر أصواتهم وهتافاتهم وخطبهم أسوار القشلة.

الأصوات الحقيقية والداعية للتغيير والتي ترسم ملامحه بوعي ومعرفة مختلفة يجب ان تغادر أسوار القشلة لتكون في مواجهة حقيقية مع الفساد والطائفية وظلامية احزاب السلطة. على المثقفين العراقيين ونشطاء المجتمع المدني ان ينتبهوا الى ممارسات السلطة التي أحكمت قبضتها على شارع المتنبي وما يحيط به وجعلته المكان الأمثل لإطفاء جذوة الاحتجاج وبما يتناغم مع ما تريد: لاشيء يحدث خارج أسوار القشلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الدقهلية يشاركون في قافلة لإغاثة أهالي فلسطين


.. يوم حرية الصحافة العالمي: قتل في غزة، قيود في إيران وسجن في




.. طلاب جامعة مكسيكية يتظاهرون تضامنا مع فلسطين


.. طلاب في كندا يتظاهرون تضامنا مع غزة




.. اجتياح رفح قد يكون مذبحة وضربة هائلة لعملية الإغاثة في قطاع