الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يقول الحقيقة إلا الخيال

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 5 / 19
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


كنت نائمة أو على وشك النوم، فى اللحظات الساقطة بين الوعى واللاوعى، بين اليقظة والحلم، هى أجمل لحظات العمر، وأكثرها تحليقا فى الخيال الذى تخفيه الحقيقة، وأعظمها قدرة على اقتحام الممنوع (علنا) والمباح سرا، المحظور على النساء فقط والفقراء، المسكوت عنه فى صخب الكلام والخطب، المهدر حقوقه فى الظلمة والصمت.


تسللت الموسيقى خافتة ناعمة، من خلال الجدار بينى وبين جيران لا أعرفهم، أصبحت من الكائنات المكتفية بذاتها دون البشر أجمعين، لا أذكر من قال الآخرون هم الجحيم، لم أعد فى حاجة لشهادة بحسن السير والسلوك، أو لجائزة فى العلم أو الأدب، أو لصورة مع حاكم جديد أو قديم.

لا يكشف حقيقة الشهادات والجوائز إلا التاريخ، ولا يحتاج لختم الدولة أو بصمة المأذون من يعيشون بعد الموت، نجح الجدار فى امتصاص كلمات الأغنية، لم يتسرب إلى أذنى إلا اللحن الموسيقى كرائحة الياسمين، تذكرنى بالحب وأنا تلميذة صغيرة بريئة، متأهبة للموت من أجل الوطن والحب، كيف ارتبط حب الوطن بذاك الحب؟ ربما هى أغنية سمعتها فى الطفولة، أو نشيد وطنى يربط بين الثلاثى المقدس «الله. الملك. الوطن» كنا نرددها كل صباح بالمدرسة، حتى سقط الملك متهما بالفساد، وأصبحت الإذاعات تغنى «الله. الزعيم. الوطن» حتى مات الزعيم مهزوما بأعدائه المستعمرين، وجاء الرئيس المؤمن يغنى له الجميع، حتى قتل بأتباعه المؤمنين، ثم جاء حاكم جديد يغنون له كبطل النصر، حتى سقط متهما بالفساد والاستبداد، ثم جاء الرئيس الإسلامى ونال من الغناء أكثر من السابقين حتى سقط وراء القضبان، واليوم يغنون للحاكم الجديد. كلمات الأغنية امتصها الجدار، لكن اللحن الموسيقى كرائحة الياسمين ذكرتنى بحب الوطن، والحب الثانى المرتبط بالأول، كاد يدمرنى الحلم الثنائى المزدوج، لولا أبى وأمى وحبهما الكبير، لا يأتى الشفاء التام من البراءة والجهل إلا بدراسة التاريخ، لا شىء يكشف فساد الحاضر إلا فساد الماضى، ولا حب حقيقيا بعد موت الأم والأب.


تحتاج الدول (الطبقية الأبوية) إلى شعب ساذج (جاهل) يحبها لوجه الله (دون مقابل) ويموت من أجلها، وإن اكتسب الشعب بعض الوعى فإنه يقوم بثورة ضدها، لكن الدولة قادرة دائما على إجهاض الثورة تحت اسم الثورة، والقبض على السلطة والثروة تحت اسم الدولة، ويحتاج الرجل إلى فتاة ساذجة (جاهلة) تحبه لوجه الله، دون مقابل، وتضحى بحياتها من أجله، وإن اكتسبت الفتاة بعض الوعى، بعد دراسة التاريخ، فهى قادرة على التمرد واكتساب بعض الحقوق، لكن الدولة قادرة على سلبها حقوقها وإعادتها لنقطة الصفر، تحت اسم القانون والشرع.


وتسألنى الصديقة، ألا يوجد فرق بين الدول الرأسمالية والاشتراكية؟ اليمين واليسار؟ أو بين الرجل العلمانى والرجل الدينى؟ قلت، كلها تحكمها القوة وليس العدل، ويقوم الحب الناجح على السلطة والثروة، وأرخص أنواع الحب لوجه الله (بلا مقابل) للمرأة والوطن، ضحكت صديقتى وقالت، الوجوه التى أحاطت بناصر والسادات ومبارك ومرسى، هى نفسها أراها اليوم تحيط بالسيسى، ربما هم أو أولادهم، فالملامح هى نفسها، ونبرة الصوت، والضغط على مخارج الألفاظ بطريقة مدهشة، وسألتنى، ومتى يكون الحب غير رخيص؟ قلت، حين يكون صادقا، ومتى يكون الحب صادقا؟ قلت، حين تكون الدولة صادقة، ومتى تكون الدولة صادقة؟ حين تكون القوانين عادلة فى الحياة العامة والخاصة، فى البيت والعمل والشارع، ولا تفرق بين أفراد الشعب على أساس الطبقة أو الدين أو الجنس أو......،


وقاطعتنى:

تتكلمين وأنت نائمة؟ هل هذا خيال أم حقيقة؟

قلت، لا يقول الحقيقة إلا الخيال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يقول الحقيقة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 5 / 19 - 15:55 )
عندما كنا صغارا كانت لنا أحلام غسلت وجهي بأحلام أبو القاسم الشابي وتشبعت بخيال السينما المصرية وكانت حقبة جمال عبد الناصر العظيم والذي كانت صورته تتزين بها جدران كل البيوت العربية كان فجر الإستقلال بالمغرب ينيره ملك طيب جاء من المنفى ليدير شؤون شعبه الذي كان يحبه ويراه في وجه القمر كانت لنا ديمقراطية غير مكتملة الملامح لكنها كانت ديمقراطية حقيقية كانت تتيح لنا كل شيء كان العمل والتوظيف بوفرة فلمجرد أن تكون لك شهادة علمية صغيرة أو كبيرة كنت تجد مكانك في وطنك كنا أطفالا آنذاك يملأنا الخيال وكنا نتمتع بعفوية وبتلقائية جعلتنا نشعر بالسعادة لمجرد قميص جديد نلبسه يوم عيد لم تكن الهموم قد ولجت قلوبنا الصغيرة لم يكن هناك مسؤولين لصوص لم يكن لدينا ظالمون أو خارقو القوانين
وما أن وصلنا سن الرشد حتى بدأت سماء الوطن تتلبد بالسحب وبدأت تتوالد العوائق تباعا ومات عبد الناصر وتوفي الملك الطيب محمد الخامس


2 - لا يقول
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 5 / 19 - 16:06 )
وماتت أحلامنا وبدأت تتشكل أحلاف الغدر والخيانة ودخلت بلادنا في صراعات خفية وعلنية وأصبحت السياسة توازي الليل والظلمة والعذاب
واختفت الديمقراطية التي كانت لا زالت فتية واخترقتنا عوالم مختلفة نبهتنا إلى أننا لسنا وحدنا على هذا الكوكب وأن هناك رؤى متنوعة ومختلفة وسافرنا إليها ولما عدنا كنا نمسك ببعض نجومها فوجدنا الألم في انتظارنا لكننا كنا ننشد كالأطيار ونطير في البخار غير عابئين بمواسم الصيد التي كانت لنا بالمرصاد ولم نمت بل إنبعثنا من الرماد كطائر العنقاء وتفلسفنا وتمردنا وثرنا أيام كانت الثورة حكما بالموت وسافرنا مع جموع العصافير الدافئة نغني ونبكي ونثور ونبيد مصالحنا بماء البحر المالح - يتبع


3 - لا يقول الحقيقة إلا الخيال
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 5 / 19 - 16:18 )
لا زلنا أحياء ولكن بشكل آخر
لا زلنا شبابا ونحن شيوخ
لا زلنا نعبيء الريح لصالحنا
ولا زلنا نغني لكن هذه المرة بالقلم وليس بالوتر
قصت أجنحتنا لكننا لا زلنا نطير ونبكي من شدة الفرح الحزين
لا زلنا ملائكة يظن الأجلاف أنهم لا زالوا يعاقبوننا
ولا زالت مصر حاضرة بيننا من خلال طه حسين
ومن خلال الأدباء المصريين العظماء الذين تعلمنا الشيء الكثير على
صفحات كتبهم البراقة ولا زلنا نحب خليل جبران وغابته منزلا دون القصور
ولا زالت نوال السعداوي العظيمة تحرك أحلامنا وخيالنا فنبدع بكل عفوية وتلقائية ونمرح في سماء الحلم بالثورة

اخر الافلام

.. المغرب.. الملك يطلب فتوى من المجلس العلمي حول تعديلات مدونة


.. احتجاج لسيدات برازيليات أمام الكونغرس ضد مشروع قانون يقيّد ح




.. الدكتور دلندة الشلي أخصائية بأمراض النساء والتوليد والرضع


.. الدكتورة سميرة كربول أخصائية في أمراض النساء




.. إحالة طارق رمضان حفيد مؤسس تنظيم الإخوان للمحاكمة فى دعاوى ا