الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتاوى خلوية

سامر خير احمد

2005 / 7 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من العبارات التي تحث المصلين على إغلاق هواتفهم الخلوية في المساجد، إلى فتوى الشيخ علي جمعة (مفتي "الديار!" المصرية) بحرمة استخدام الآيات القرآنية بدل الرنات الموسيقية في الأجهزة "المحمولة"، ثمة ما يوحي بأن العقل الباطن لرجال الدين يعتبر الهواتف الخلوية بدعة، لأنها أجهزة عصرية لم تكن موجودة في تاريخ المسلمين، الذي هو –عندهم- المرجعية التي يقيسون عليها حرمة الأشياء من حلها.
هذا العقل الباطن، الذي يسيطر على هؤلاء الرجال دون أن يعلموا، يود لو يعلن على الملأ كراهية استعمال الاختراعات الجديدة الوافدة من الغرب، ففي العبارات التي تتناول الأجهزة الخلوية، مثلاً، على أبواب المساجد وجدرانها، ثمة استهزاء خفي بتلك الهواتف دون "ذنب" اقترفته: بعضها يقول "دخلت المسجد لتنال الأجر فلا تجعل الجوال يحملك الوزر"، وبعضها "أغلق هاتفك الخلوي وابق على اتصال مع الله".. الخ. حيث يلاحظ أن تلك العبارات تعقد مقارنة غير موضوعية بين الهاتف الخلوي من جهة والطاعة والأجر والقرب من الله من جهة ثانية! بلا ذنب حقيقي فعله "الخلوي" المسكين سوى أنه اختراع لم يكن موجوداً في عصور السلف!
لو كان الهم الحقيقي لتلك العبارات ضمان عدم التشويش على المصلين بسبب رنات الهواتف الخلوية، لكان ممكناً لها أن تقول مثلاً "أغلق هاتفك الخلوي حتى لا تشوش على إخوانك المصلين" أو "الرجاء إغلاق الهواتف الخلوية حفاظاً على الهدوء في المسجد" أو أية عبارة شبيهة لا تعقد مقارنات تجمع تلك الهواتف مع المعاصي في خانة واحدة. لكن تلك العبارات تصر أن تتجاوز مجرد وعظ الناس على الحفاظ على هدوء المسجد، أي مراعاة المصلحة العامة، إلى التدخل في ضمير كل فرد على حدة والتعرض لشؤونه الخاصة إشعاراً له بأن ثمة خطيئة خفية في استعمال هذا الاختراع (ابق على اتصال مع الله).. أي أن المسألة تعنيك أنت نفسك ولا تتعلق بالجو العام داخل المسجد وحسب!
أما فتوى الشيخ جمعة، التي قالت بحرمة أن يطلق الهاتف الخلوي صوت مقرئ ما يقرأ آية من كتاب الله إذا تلقى ذلك الهاتف اتصالاً من هاتف آخر، فهي ليست بعيدة عن ذلك الجو المشحون ضد الأجهزة الجديدة، فالشيخ الجليل كأنما يقول أن الهاتف الخلوي هو أحد أبواب المعصية فكيف يسمح له أن ينطق بآيات من كتاب الله؟ أما إذا نظرنا للموضوع بشيء من المنطق، فما حرمة أن يذكرك هاتفك الخلوي بآية تحمل معنى مهماً لك كلما تلقيت اتصالاً؟ كاتب هذه السطور مثلاً لو كان يحمل جهازاً خلوياً فيه خاصية الرنة الصوتية، لاختار آية "لا إكراه في الدين" لتذكره كلما جاءه اتصال بتلك القاعدة القرآنية الذهبية المعنية بالحريات في الحياة، أو آية "واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ..الآية" ليتذكر على مدار اليوم تلك القاعدة الذهبية المعنية بالاشتراطات لما بعد الحياة. ترى ما الحرمة في هكذا تذكرة؟ ولماذا أسرع الشيخ جمعة للقطع بحرمة هكذا تقنية دون عقد مفاضلة متأنية بين حسناتها وسيئاتها؟ أليس ذلك مما يؤشر على إضمار تحريم كل جديد دونما قليل من التفكير؟
حين نقول أن أكثر المسلمين يعيشون في التاريخ لا في الحاضر فإننا لا ننطلق من فراغ، وإنما من هكذا مشاهدات وملاحظات، تشي بأن الأمر لا يتوقف عند حدود تعاملهم مع الواقع، بل تمتد –وهنا المشكلة- إلى نظرتهم للمستقبل وإلى طموحاتهم التي هي إعادة هيكلة مجتمعات المسلمين لتبتعد أكثر ما يمكن عن الحياة الغربية وتقترب أكثر ما يمكن من حياة المسلمين في العصور الوسطى. فيما ليس في برنامجهم إنتاج مجتمعات مسلمين معاصرة متميزة عن كل من الغرب وماضي المسلمين، تنطلق من فهم لكتاب الله يوظف العقلية المعاصرة، باعتباره مرجعاً صالحاً لكل زمان.
هكذا فإن هؤلاء المسلمين الذين يشكلون غالبيتنا العظمى، لا يطمحون لإبداع حالة متميزة تكون عليها أمة المسلمين، على المنهج الذي أبدع فيه المسلمون الأوائل حالة متميزة وفقاً للظروف التي عاشوا فيها، وإنما يركزون جل همهم على تقليد هؤلاء المسلمين الأوائل في كل حركة وسكنة، وكأن ما فعلوه قبل ألف عام مثلاً يظل قابلاً للحدوث من جديد كما هو في أيامنا!.. ولا تغرنكم الأحاديث عن جمع الأصالة والمعاصرة والقول أن المسلم المعاصر عليه أن يختار من تاريخه ومن الحياة المعاصرة ما ينفعه فلا يأخذ أحدهما كاملاً ويترك الآخر برمته، فتلك أحاديث تبرر ذلك الشعور الخفي (في العقل الباطن) بحلاوة تقليد المسلمين السابقين، بل وتبرر فكرة التقليد نفسها التي تتجاوز الأزمنة والأمكنة، وتعفي أصحابها من فضيلة إبداع الجديد التي يستخدم فيها الإنسان ما ميزه الله به: عقله!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يدمر كنائس المسيحيين في السودان ويعتدي عليهم؟ | الأخبار


.. عظة الأحد - القس تواضروس بديع: رسالة لأولادنا وبناتنا قرب من




.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم