الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل الطفولة في العراق

صابرين فالح

2014 / 5 / 20
المجتمع المدني


تكمن ثروة الشعوب الحقيقية في الجيل الصاعد من ابنائها، في اولى مراحل أعمارهم الغضة، او ما يسمى بمرحلة الطفولة، وكيفما تعتني بهم، وبما من شأنه توفير كافة المستلزمات لبناء عقولهم وتنميتها، ستحصل مقابل ذلك على جيل قادر على بناء مجتمع متقدم حر وسليم. فكيف هو واقع الطفولة في العراق، وكيف يتعامل مجتمعنا مع ابنائه في سنين حياتهم الأولى، هذا ماسنحاول ان نلقي الضوء عليه لما لهذا الموضوع من أهمية عظيمة على مجتمعنا في حاضره ومستقبله.
إن مشكلة الطفولة في العراق قديمة، لان النظرة إلى الطفل تتسم بأنه غير واع ومدرك لما حوله، وإدراكه يبدأ عند البلوغ، لذا فهو يتعرض إلى انتهاكات أخلاقية متعددة ومختلفة. ويساعد على ذلك عدم وعي الآباء والأمهات، بأهمية الطفولة في المجتمع وتأثيرها المستقبلي، وكثير من العوائل تترك الطفل للزمن، فهو كفيل بوجوده وديمومته وتوجيهه. وفي وقتٍ متأخر بدأ الاهتمام بالطفولة، لكنه تزامن مع الحروب والحصار الاقتصادي الذي شهده العراق قبل 2003، ثم العنف الطائفي الذي عصف بالعراق دون رحمة في الاعوام التي تلت التغيير، مما جعل الفرد العراقي، يكون ضحية الحرب والإرهاب، ودفع الطفل ثمناً غالياً في هذه الظروف. ويتعرض الأطفال خلال التفجيرات بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة إلى القتل او بتر أعضاء من اجسادهم وهذا يجعلهم غير قادر على ممارسة حياتهم، أو فقدان احدى حواسهم كالسمع والبصر.
وبسب الظروف الاقتصادية التي تعيشها العوائل العراقية ينخرط الاطفال بالعمل مبكراً، ويشكل العمل المرهق نوع أخر من العنف الجسدي، فكثير ما يطلب من الطفل أن يقوم بأعمال تفوق قدراته الجسدية، أو العمل تحت أشعة شمس الحارقة وقضاء ساعات طويلة في العمل، مما يسبب له التعب والإرهاق، وقد يتعرض الطفل للشتم والإهانة والإذلال، كذلك يتعرض الطفل إلى العنف النفسي، بحرمانه من كل وسائل الترفيه، ليكتفي بالجلوس لساعات طوال أمام التلفزيون ليشاهد وقائع الحرب المرعبة، ويقدر له أن يشاهد بأم عينه الانفجارات والجثث، مما جعل الطفل لا يميل الى الألعاب السلمية، وإنما يفضل أن يلعب ادوار العنف أو يرسم صور تمثل الحرب والدمار والقتل، بعد أن كان يرسم شجرة وعصفور ونخلة.
وبذلك بات الطفل العراقي، ضحية المجتمع الذي يتجاهل حقوقه، ويدافع عنها، ففي إحصائية
لمنظمة اليونيسيف قدرت في عام 2008 نسبة العمالة بين الأطفال إلى 11% من الأيدي العاملة". وهذه النسبة زادت بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت على الشعب العراقي بعد ذلك التاريخ وظروف الحرب الطائفية والعنف. ان الاعمال الشاقة التي يقوم بها الأطفال قد تسبب لهم العوق بسبب التعامل مع الآلات الحادة الجارحة وظروف العمل التي لاتناسب هذه الشريحة.
وتشير احصاءات وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، الى ان عدد الاطفال الأيتام في العراق بلغ نحو اربعة ملايين ونصف المليون طفل بينهم 500 الف طفل مشرد في الشوارع
كما تستغل المليشيات الأطفال وتسخرهم لإعمالها العدوانية كالقتل وزرع العبوات الناسفه وتفخيخ السيارات، ونشر النعرات الطائفية، لتترك تأثير سلبيا على نفوسهم الغضة الطرية ويصابون بأمراض نفسية، نتيجة الخوف والرعب الذي يتعرضون له، وفي دراسة لمنظمة الصحة العالمية عام 2006 لشريحة من 1090 طفل أكدت إن 30% من الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية و 47% يعانون من كوابيس واكتئاب وقلق، نتيجة صدمة كبيرة، كما إن حرمانهم من الدراسة ومن ذويهم وأصدقائهم، يجعلهم يعيشون في إحباط شديد، وهولاء الأطفال يفتقدون للرعاية للتغلب على الصدمة التي تصيبهم جراء فقدانهم أهاليهم وجيرانهم وبيوتهم.
الطفولة في العراق تعاني من أمراض كثيرة، لابد من إيجاد العلاج الناجع لها، قبل فوات الأوان، من اليتم وفقدان الحنان الأبوي، والرعاية الامومية، ومن شحة في القدرات، على تلبية الحاجات الأساسية، ومن حرمان شبه كامل، من الأصدقاء ومن الهوايات، ومن تدهور الصحة النفسية، والجسدية نظرا لمعاناة طويلة، وحرمان من مصادر الدخل والأمان النفسي.
فماذا يمكننا ان نفعل لإيقاف ذلك التدهور، الذي يعيشه مجتمعنا، وينعكس بالدرجة الاولى على الحياة الآمنة لأطفالنا؟ وكيف يمكننا إنقاذ مجتمعنا، مما يراد له، من يتم وتدهور، وحرمان من الحب والحنان والأمان، أليس من واجبنا أن نفكر، بإنقاذ طفولتنا البائسة، من واقع شديد التعاسة ؟ ونفكر ان نصنع المستقبل، عله يكون أكثر إشراقا، من ماض تعيس مظلم، على مفكرينا وكتابنا، ان يجدوا الطرق في إنقاذ طفولتنا، من سياسة التنكيل والحرمان، وان يعيدوا لأطفال العراق حياتهم الآمنة، وأسرهم المتعاونة المتآلفة، التي توفر كل حاجات الإنسان السوي، من حب وحنان، وتعليم اقتصاد وترفيه، ومن تعزيز الثقة بالنفس، التي سلبت، ومن نظرة مطمئنة الى المستقبل، الذي يجب ان يكون أكثر إشراقا، من الحاضر التعس، والأمس المظلم، لنفكر في إيجاد الطرق الناجعة، التي تعيد الحياة لأطفال العراق اجتماعيا، وسياسيا واقتصاديا، وثقافيا ونفسيا، وكل من هذه الميادين، تتطلب تضافر الجهود وإمعان الفكر، والرغبة الجادة.
تعتني الأسرة بحياة الطفل، وتوفر له ما يحتاج له من أساسيات، وتغرس فيه حب النفس، واحترامها وتقدير الآخرين، وحب التعلم والوطن والرغبة في العمل والإحسان فيه، وان يدرب منذ الصغر على احترام الرأي الآخر، ليس نظريا فحسب، وإنما عمليا أيضا، بان يجد نفسه في بيئة تحترم اختلاف الآراء، وان نعود إلى ماضي تعليمنا العراقي، حين كانت هناك مكتبات عامة، في كل مدرسة، وكل منطقة سكنية، وان كان هذا الأمر مقصورا على العاصمة بغداد، فانه يجب ان يعمم، على كل العراق، لتكون الثقافة عامل بناء، ويتعلم الطفل العراقي كيف يقرأ الكتاب، ويطلّع على كل ماهو جديد، في حدود عمره، وامكاناته العقلية، وان تحترم المدارس عقلية الطفل ومداركه، وان تخلو الكتب المدرسية، من أفكار التعصب والتطرف والتشجيع على العداء للرأي الآخر، وتغليب القوة الجسدية، على القوى الروحية والعقلية والنفسية، كما يجب الاهتمام بالأنشطة اللاصفية، وان يقبل عليها الطفل طواعية، دون فرض او إكراه، وعلى المربين ان يشجعوا الإبداع بكل ألوانه، الأدب : شعرا ونثرا ،والفن، رسما وموسيقى ومسرح، الذي يجب ان يأخذ العناية الواجبة، من المسئولين عن تربية الطفل ،والقائمين عليها في العراق، وان تخصص المبالغ المناسبة، لتشجيع القدرات الإبداعية ونشر الجيد منها، وإعفاء الأطفال من التكاليف المالية، كما يجب الاهتمام بغرس المبادئ الجميلة التي تحترم الحياة وتدعو الى النضال، من اجل تحسين ظروفها، وان نبتعد قدر الإمكان عن ثقافة الموت والدمار او تشجيع سياسة العنف وإلغاء الآخر.ماديا ومعنويا، وقد ننجح وليس من المحاولة الأولى بأن نساهم قليلا في إنقاذ الطفولة العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •


.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ




.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع


.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس




.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد