الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتحي المسكيني الفيلسوف والمترجم:

الصادق عبدلي

2014 / 5 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفيلسوف فتحي المسكيني المترجم لأمهات الكتب الفلسفية من اللغة الألمانية إلى لغة الضاد :
Martin Heidegger, Sein und Zeit, Friedrich Nietzsche, Zur Genealogie der Moral, Immanuel Kant , Die Religion innerhalb der Grenzen der bloß-;-en Vernunft,1793.
وهي: مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، درا الكتاب الجديد المتحدة، 2013، وفريدريتش نيتشه، في جينيالوجيا الأخلاق، دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة، 2010. وإمانويل كانط، الدين في حدود مجرد العقل، دار جداول. فلا مشّاحة في القول أنّ الترجمة لأمهات النصوص الفلسفيّة هي فنّ لا يتجشمه إلاّ من ركب شوارد الإبل بلغة العرب القدامى، ولا يمتطي صهوتها إلاّ من بلغ الشأو في لغة الضاد، فهي صعبة المراس كما يقول أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة،[1]: " فإنّ الكلام صلف تياه لا يستجيب لكلّ إنسان ولا يصحب كل لسان وخطره كثير، ومتعاطيه مغرور ، وله أرن كأرن المهر، وإياء كإباء الحرون(...) مادّته من العقل ( والعقل) سريع الحؤول خفي الخداع.."، وهكذا هي الترجمة بما هي تحويل ونقل المعاني الفلسفية من لغة إلى أخرى، وهي صناعة لا يتقنها إلاّ من فقه اللغة المنقولة وتدرب على معانيها وخبر مخابئها الدفينة، وجاب في أوديتها، وكما يقول هيدغر : " قل لي ما رأيك في الترجمة وأنا أقول لك من تكون"، وذلك يحسب على المترجم الذي ينقل العبارة دون تحريف لسياقها أو تدغيم لمعانيها أو تعسف على دلالتها، كبعض المترجمين في عصرنا الحالي يحرّفون النصوص الفلسفية عن سياقها، كالمترجم المغربي محمد الناجي في ترجمة هكذا تكلم زرادشت، الذي ترجمه من اللغة الفرنسية إلى العربية، ولكنه لم يحط بالنص الألماني وابتعد عن مقاصد النص الأصلي ويذكر علي مصباح في تقديمه لكتاب هكذا تكلم زرادشت ترجمة للنص الألماني، بأن محمد الناجي أضاع عقال النص، وكذلك ترجم محمد الناجي جينيالوجيا الأخلاق لنيتشه من اللغة الفرنسية، لكنه شذ عن بعض المعاني الفلسفية وبقي عند سطح النص أحيانا لإقتدائه بالنص الفرنسي دون الرجوع إلى لغته الأمّ ولم يستطع تأويل الدلالات الملغزة لنيتشه، لأن نيتشه كما يقول عبد الرحمان بدوي المتمرس بلغة نيتشه بأنه حذق في سن مبكرة الأناجيل، ممّا جعل هكذا حدث زرادشت إنجيلا فلسفيا جديدا يمتزج فيه الشعر بالفلسفة ومزالقه كثيرة حتى بالنسبة للنابغين في اللغة الألمانية، وهو ما دفع الفيلسوف فتحي المسكيني لإعادة ترجمته من اللغة الألمانية إلى لغة الضاد، لأن الترجمات الفرنسية لم تبلغ الشأو في تأدية معانيه، فغفلت عن بعض جمله وحادت عن مقاصده، مثال ذلك في نقل كتاب Der Wille Zur Macht [2]، بـVolonté de puissance و Volonté de pouvoir وترجمها محمد الناجي بـ"إرادة القوة"، وهي تسقط لفظة Zur التي تعني إتجاه/نحو/في/إلى، هذا التغافل عن دلالة الألفاظ، والنقط والفواصل وعلامات الإستفهام يخلّ من النص ويجعل معانيه مخرومة، أما المترجم فتحي المسكيني يخيّر ترجمة العنوان بـ"إرادة الإقتدار" كما أشار أيضا المترجم موسى وهبة في تقديمه لكتاب نيتشه، ما وراء الخير والشر، ترجمة من اللغة الألمانية Jenseits von Gut und Bose, إلى لغة الضاد جيزيلا فالور حجّار، دار الفارابي، الطبعة الأولى، 2003. بلا معاندة فلسفية أن المترجم يتخيّر الألفاظ ويحيط بها علما حتى لا يسقط في كركرة المعاني، ولا مستراب في القول إذا أخذنا المترجم فتحي المسكيني في نقله للنص الألماني Zur Genealogie der Moral, إلى لغة الضاد بإضافة حرف الجر الذي سقط من التراجم الفرنسية فأصبح العنوان "في جينيالوجيا الأخلاق"، فنتبيّن أن المترجم فتحي المسكيني كان متفطنا إلى ما غفلت عنه الترجمة الفرنسية في نسخها المتعددة وكذلك إلى ما لم تستطعه التراجم إلى لغة الضاد، بإعتبارها قد أخلت بجملة من المعاني وخاصة العنوان الذي غفل عن لفظة « Zur »، وهو ما يدل على أن فتحي المسكيني تجشم هذه الصعوبة وجعل لغة الضاد قادرة على أن تنوء بكلكل الترجمة، لأن الترجمة عمل شاق يتطلب الجلد والصبر في تأدية المعنى المطلوب، وهي عمل تأويلي كما يقول هيدغر، ومغامرة كما يقول الفيلسوف فتحي المسكيني، هي إبداع وخلق يجعل المترجم يهذّ عليك نصّا يغرفك غرفا وتسافر معه إلى مخابئ اللغة التي ينقلها، ولأن النص حسب بارط هو إغراء وهو مقاومة بعبارة فوكو، وهو حسب جاك دريدا "يحمل جملة من الأعمار" على المترجم أن يكون متبصرا بكل ذلك. ذلك ما نتمعنه في المترجم فتحي المسكيني إذ هو يقلب العبارة على وجوهها المحتملة والممكنة بما يناسب تأدية المعنى المقصود ويبيّن في الهوامش المطبّات والأغاليط التي وقع فيها المترجمون وخاصة في ترجمة هيدغر الكينونة والزمان إذ وقع المترجمان الفرنسيان مارتنو وفيزان بعض الأحيان في عدم القدرة على تأدية المعنى المطلوب والمناسب للعبارة. فإذا كان ذلك كذلك، أليست الترجمة شبيهة بعمل الرسل في نقل المعاني بدقة، وهي تحافظ على لذة النص، وجمالية العبارة، لأن من البيان لسحرا، لذلك كان هيدغر مصيبا حينما قال بأن "اللغة هي سكنى الوجود". فلا مستراب في القول أن الفيلسوف والمترجم فتحي المسكيني قام بترجمة مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، Sein und Zeit، إلى لغة الضاد وهو من أعسر الكتب فهما، حيث يقول أحد شراح هيدغر: "مارتن هيدغر يمتلك أسلوب كتابة خاص به من شأنه هو، أسلوب كتابة غريب و جدُّ تقنيّ".[3] وأصعبها تأويلا، بما يعنيه جون غرايش: "من أين المهمّة التي يناط بعهدتها اليّوم المؤوّلون هي بجدّ إعادة تأسيس للمتخفيّ والصاعد المتكشف في سؤال الكينونة في الفكر الهيدغري. إنّي مقتنع بأنّ جملة "نصوص هيدغر لم تكن فكر هيدغر"".[4] وجون غرايش وغروندان هما من أكبر شراح هيدغر، ونلفت الإنتباه صعوبة ترجمة العنوان وخاصة Sein/ être-là/être-le-là، بـالكينونة وهي مشتقة من لفظة "الكَيْوَنُونَةُ" في معجم لسان العرب لإبن منظور وهي الأقرب إلى تأدية المعنى كما يشير إلى ذلك المفكر المغربي طه عبد الرحمان في كتابه "فقه الترجمة"، وقد إجتهد من قبله عبد الرحمان بدوي فترجمها بـ"الموجود" عودة إلى التراث الصوفي وبـ"المَوْجِدُ" لمحمد محجوب في كتابه "هيدغر ومشكل الميتافيزيقا"، وكلها محاولات سعيدة لجعل اللغة العربية قادرة على الدخول في حوار مع اللغات الأخرى، فالترجمة هي فقه لا يضطلع به إلاّ جهابذة الفكر وأساطينها. وبلا ريب أن الفيلسوف فتحي المسكيني واحد من عمالقة الفكر في عصرنا الحالي. أليست الترجمة كما يقول الفيلسوف فتحي المسكيني في مقدمة لكتاب"الكينونة والزمان" :"من أجل ذلك ليست الترجمة تقنية آلية لنقل المعاني، بل هي مطيّة من خلالها يفسر النصّ الأصلي نفسه، فإن النص الأصلي لا يتكلم في لغته الخاصة فحسب، بل يتكلم أيضا عبر الترجمة، لهذا المعنى فإن الترجمات ضرورية للنص الأصلي، بل هي تنتمي إليه، إنها بعده الكوني، فأي نص يصبح كونيا حقا، أي يتكلم لجميع البشر في كل العصور، بقدر ما يكون مترجما في اللغات العديدة ". فالترجمة بالمعنى المشار إليه هي نقل المعاني المستقرة والمصطلحات والدلالات الفلسفية إلى رتبة الكونية حتى تكون قادرة على إحتواء الآخر المختلف عنا، و"هي وراثة المعاني من الداخل ولكن في لغة أخرى" بعبارة الفيلسوف فتحي المسكيني.

[1]- أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة، طبعة أحمد أمين، المقدمة، صص10،9،8.
[2]-Nietzsche, La volonté de puissance, édition Librairie Générale Française, 1991, p.5.
[3] -« Martin Heidegger a un style d’écriture qui lui est propre, un style d’écriture étrange, très technique».
[4] - Jean Greisch, Ontologie et Temporalité, Esquisse d’une interprétation intégrale de Sein und Zeit, Presses Universitaires de France, 1994.p.2 : «D’où la tâche qui attend aujourd’hui les interprètes : reconstruire laborieusement la lente et progressive émergence de la question de l’être dans la pensée heideggerienne. Persuadé que les « textes de Heidegger ne sont pas la pensée de Heidegger » ».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة