الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمّد بن آمنة، رسول الشّياطين: وحي إلهي أم شيطاني؟

مالك بارودي

2014 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محمّد بن آمنة، رسول الشّياطين: وحي إلهي أم شيطاني؟

في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، لعلي بن سلطان محمد القاري (كتاب الجهاد، باب آداب السفر)، نقرأ الأحاديث التّالية وشروحها: "3894 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحبّ الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس". رواه مسلم. 3894 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تصحب الملائكة): أي: ملائكة الرحمة لا الحفظة (رفقة): بضم أوله وفي نسخة بكسرها--;-- أي جماعة ترافقوا وهي مثلثة الرّاء على ما في القاموس، وقال النووي بكسر الرّاء وضمها (فيها كلب): أي: لغير الصيد والحراسة (ولا جرس): بزيادة لا للتأكيد. قال الطيبي: جاز عنه على قوله فيها كلب، وإن كان مثبتا--;-- لأنه في سياق النفي. في المغرب: الجرس بفتحتين ما يعلق بعنق الدابة وغيره فيصوب. قال النووي: وسبب الحكمة في عدم مصاحبة الملائكة مع الجرس أنه شبيه بالنواقيس، أو--;-- لأنه من المعاليق المنهي عنها لكراهة صوتها، ويؤيده قوله--;-- أي: الآتي مزامير الشيطان، وهو مذهبنا، ومذهب مالك وهي كراهة تنزيه، وقال جماعة من متقدمي علماء الشام: يكره الجرس الكبير دون الصغير اهـ. وقال بعض العلماء: جرس الدواب منهي عنه إذا اتخذ للهو، وأما إذا كان فيه منفعة فلا بأس. وفي شرح السنة: روي أن جارية دخلت على عائشة، وفي رجلها جلاجل فقالت عائشة: أخرجوا عني مفرقة الملائكة، وروي أن عمر رضي الله عنه قطع أجراسا في رجل الزبير، وقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن مع كل جرس شيطانا. (رواه مسلم): وكذا أحمد، وأبو داود والترمذي. 3895 - وعنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجرس مزامير الشيطان". رواه مسلم. 3895 - (وعنه): أي: أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الجرس مزامير الشيطان): قال الطيبي: أخبر عن المفرد بالجمع إما لإرادة الجنس، أو لأن صوتها لا ينقطع كلما تحرك المعلق به، لاسيما في السفر بخلاف المزامير المتعارفة كقول الشاعر: معى جياعا وصف المفرد بالجمع ليشعر بأن كل جزء من أجزاء المعى بمثابته لشدة الجوع، وأضاف إلى الشيطان--;-- لأن صوته لم يزل يشغل الإنسان من الذكر والفكر، والله أعلم. (رواه مسلم): وكذا أحمد، وأبو داود."

وفي "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي)، نقرأ: "2 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".

وفي معرض شرحه للحديث يقول إبن حجر العسقلاني: "وروى ابن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه علي كما يلقي الرجل على الرجل، فذاك ينفلت مني. ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي، فذاك الذي لا ينفلت مني". وهذا مرسل مع ثقة رجاله". ثمّ يقول: "قوله: (مثل صلصلة الجرس) في رواية مسلم "في مثل صلصلة الجرس" والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة: في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين، وقيل: هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة، والجرس الجلجل الذي يعلق في رءوس الدواب، واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحس، وقال الكرماني: الجرس ناقوس صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا على البعير، فإذا تحرك تحركت النحاسة فأصابت السطل فحصلت الصلصلة ا هـ. وهو تطويل للتعريف بما لا طائل تحته."

وقد تفطّن إبن حجر العسقلاني للورطة التي يمثّلها هذا الحديث، في تعارضه مع الأحاديث السّابقة الواردة في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" وفي "صحيح مسلم" والتي تجعل من الجرس مزامير الشيطان، فحاول الهروب من الورطة بقوله: "وقوله قطعة نحاس معترض لا يختص به وكذا البعير وكذا قوله منكوسا--;-- لأن تعليقه على تلك الصورة هو وضعه المستقيم له. فإن قيل: المحمود لا يشبه بالمذموم، إذ حقيقة التشبيه إلحاق ناقص بكامل، والمشبه الوحي وهو محمود، والمشبه به صوت الجرس وهو مذموم لصحة النهي عنه والتنفير من مرافقة ما هو معلق فيه والإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما، فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟ والجواب أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخص وصف له، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، فالمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوة وجهة طنين، فمن حيث القوة وقع التشبيه به، ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار الشيطان، ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر. قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي، قال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد، وقيل: بل هو صوت حفيف أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره، ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا متداركة وقع التشبيه به دون غيره من الآلات، وسيأتي كلام ابن بطال في هذا المقام في الكلام على حديث ابن عباس "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها" الحديث عند تفسير قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم في تفسير سورة سبأ إن شاء الله تعالى".

الرّغبة في إيجاد مخرج واضحة وضوح الشمس في تبريرات إبن حجر التي أوردها والتي تظهر للقارئ كأنّها عمليّة ترقيع. والواضح أيضا أنّه لم يكن متيقّنا من الخروج من الورطة فعمد إلى الإسهاب في الكلام لعلّ القارئ ينسى الأمر ويتجاوزه.

أراد إبن حجر تنزيه الوحي من تشبيهه بصلصلة الجرس (مزامير الشيطان)، لكنّ كلّ جهده ذاهب هباء، فرسوله صاحب الوحي المزعوم هو نفسه الذي يشبّهه بصلصلة الجرس... فهل إبن حجر أعلم من رسوله بما كان يسمعه؟ ثمّ إفترض أنّ "المقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم"... فهل إنعدمت السّبل وجفّ بئر البلاغة عند الذي "لا ينطق عن الهوى" حتّى لم يجد إلاّ هذا التّشبيه؟ بطبيعة الحال، كان بإمكانه أن يستعمل مفردات أخرى تؤدّي نفس المعنى كـ"الغمغمة" أو"الضّجيج" أو "الجلبة" أو "الضّوضاء" أو "الصّفير"، إلخ، هذا لو كان ذلك الصّوت الذي كان يسمعه محمّد لا يشبه فعلا صوت صلصلة الجرس... وسقط إبن حجر أكثر فأكثر حين إدّعى أنّ للتّشبيه جهتين: "جهة قوة وجهة طنين" فأخذ جهة القوة وإستبعد جهة الطّنين بتعلّة أنّه "من حيث الطرب وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار الشيطان"... تخبّط مفضوح يزداد وضوحا عندما يحاول إبن حجر إيجاد مخرج آخر بقوله: "ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر"... حسنا، إفتراض معقول، لكن هل هناك شيء يُثبت أنّ حديث كيفية إتيان الوحي لمحمّد كان قبل حديث النّهي عن إستعمال الجرس؟ بالطّبع لا. وإبن حجر يعرف ذلك جيّدا، ولكنّها الطّريقة التي حاول إتّباعها لتعويم الموضوع. ثمّ قال: "قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي"، ولكنّه لم يذكر حتّى من الذي قال ذلك، وهذا دليل آخر على أنّها لا تعدو أن تكون إلاّ مجرّد أكاذيب يحاول من خلالها تشتيت عقل القارئ... فهل هناك حديث يقول أنّ صوت جبريل يشبه الصّلصلة أو حتّى الغمغمة؟ الجواب: لا. وحتّى القول الذي نسبه إلى الخطّابي لا يجزم بأنّ محمّدا بن آمنة لم يكن يسمع صلصلة جرس فعلا. وفي سياق التّلفيق والتّرقيع الذي عهدناه في كتب التراث الإسلامي، بداية من تفاسير القرآن نفسه، يواصل إبن حجر رحلته مع الفبركة والتلفيق، فبعد أن إدّعى أنّ أحدهم قال أنّ الصلصلة المذكورة هي صوت جبريل، زعم أنّ أحدهم (مجهول أيضا) قال أنها "صوت حفيف أجنحة الملك"... فأين ذُكرت الملائكة أصلا في الحديث؟ إنّما المذكور في الحديث ملاك واحد، وهناك فرق بين الملاك والملائكة. ثمّ أنّ الحديث عن الملاك المذكور أتى في معرض الحديث عن الطّريقة الثّانية وهذا يعني أنّه غير موجود أصلا في الطريقة الأولى. ويتمادى إبن حجر في إستبلاه القارئ بزعم أنّ هناك "حكمة في تقدّمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره"... وهل قال محمّد بن آمنة في الحديث أنّ أوّل شيء يسمعه هو الصلصلة ثمّ ينقطع صوت الصلصلة فيدخل جبريل على ركح المسرح لعرض آياته؟ أم أنّ الشيئين منفصلين في الحديث؟ وهل "النّبي" محتاج لتحضير نفسي ولتفريغ ذهنه ممّا يشغله ليتلقّى الوحي؟ وما الذي يمكن أن يشغل ذهنه عن الوحي؟ وهل الوحي لا يُلقى إلاّ مرّة واحدة ونهائيّة لا يحتمل الإعادة؟

لكن، لنتجاوز أكاذيب إبن حجر العسقلاني (فهو ليس الوحيد الذي حاول ترقيع الثّغرات المفضوحة التي يعجّ بها القرآن وتملأ كتب الأحاديث والسّيرة بالكذب والتّدليس والتلفيق والخطابات الإنشائيّة الفارغة) ولنحاول تلخيص الموضوع. لدينا هنا شخص يدّعي أنّه رسول ونبيّ، ويدّعي أنّه يوحى إليه من عند إلهه. يحرّم هذا الشّخص إستعمال الأجراس والنّواقيس زاعما أنّ مع كل جرس شيطانا وأنّ صلصلة الجرس هي مزامير الشيطان. ولكن هذا الشّخص نفسه يقول أنّ الوحي يأتيه "مثل صلصلة الجرس"... يأتيه "مثل صلصلة الجرس"، أي مثل صلصلة مزامير الشيطان... فهل هذا الوحي إلهيّ أم شيطاني؟ فإذا كان إلهيّ المصدر فكيف يأتي كصلصلة مزامير الشيطان؟ وإن كان شيطانيّا، فكيف يكون هذا الشّخص أصلا رسولا ونبيّا من عند إله؟ أم أنّ إلهه والشّيطان شيء واحد؟

--------------------------------
الهوامش:
1.. "خرافات إسلاميّة: علاقة محمد بن آمنة بالشيطان بدأت عند ولادته":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413390
2.. "محمّد بن آمنة، رسول الشّياطين: شيطان محمّد الذي أسلم – ج1":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413611
3.. "محمّد بن آمنة، رسول الشّياطين: شيطان محمّد الذي أسلم – ج2":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413609
4.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّنته:
http://utopia-666.over-blog.com
5.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
http://www.4shared.com/office/fvyAVlu1ba/__online.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا أحاديث ولا قصص
linguist ( 2014 / 5 / 22 - 08:38 )
لا يوجد كتاب للإسلام سوى القرآن، وأي شيء آخر مثل الأحاديث المزعومة والفقة والتفاسير والتاريخ المزعوم للرسول ومن عاشوا معه وباقي ركام التراث عمل بشري مائة بالمائة، فالتاريخ والروايات والقصص ليست دينا على الإطلاق
www.ahl-alquran.com


2 - الوحي يأتي مثل صلصلة الدرس أي يشبهها
عبد الله اغونان ( 2014 / 5 / 22 - 19:24 )

الوحي ليس صوت جرس بل يشيهه

لو قنا زيد أسد كتشبيه قهل زيد الانسان هو بالفعل أسد كحيوان

مالكم كيف تحكمون؟


3 - صوت الجرس..هرج مرج!!
سلام صادق ( 2014 / 5 / 24 - 04:40 )
اليعفور اغونان واخر ذكاء...(الوحي ليس صوت جرس بل يشيهه)...هل تقصد بوق السياره وليس جرس المدرسه ام ماذا!!وما علاقة صوت الجرس بقولنا اغونان يعفور...ما لكم كيف تحكمون؟..فلو قلت مثلا صوته كزئير الاسد ..كان بها باب وجواب...اصحى يا عمو!!!

اخر الافلام

.. 164-An-Nisa


.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ




.. بالحبر الجديد | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإ


.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا




.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج