الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الوحي والتاريخ (10)

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 5 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- تأليه التاريخ

إذا كان التاريخ الطبيعي هو الحركة في الزمان والمكان يكون التاريخ الديني، وتحديداً الإسلامي موضوع هذا الكلام، هو المحاولة الدائمة لتجريد الزمان والمكان من عنصر الحركة. الدين ينشد ويتصور الخلود، الذي يعني الزمان والمكان لكن بلا حركة - دون القدرة على التغير والتبدل والتجدد الحاصل بالضرورة عن شرط الدوران. لذلك كانت ولا تزال النزعة الدينية في صراع دائم مع حركة الدوران الطبيعية للكون في محاولة لتوقيفها وتثبيتها – تخليدها - عند نقطة أو حقبة ما بالذات من اختيارها. لكن بالنظر إلى استحالة تحقق ذلك في الكون الطبيعي الدائم الحركة والتغير، قد اختار العقل الديني بدلاً منه حيزاً آخر يمكن أن يتحقق فيه هذا الثبات والخلود الكوني في التصور النظري إذا لم يكن ممكناً في الواقع العملي- النص الديني.

داخل النص الديني قد أعاد العقل الديني بناء الكون الطبيعي، لكن هذه المرة في الصورة التي يريد وليس في صورته الطبيعية الدوارة المستعصية على التثبيت والتخليد. هنا - بالكلام وعلى الورق - استطاع أن يشكل الكون كما يشاء وبما يخدم أغراضه الدينية تحديداً، مثل أن ينزع من الكون المعاد تشكيله بطريقة مصطنعة عنصر الحركة ويضيف إليه عناصر أخرى غير طبيعية فيه. في المحصلة تشكل كون مصطنع في صورة محرفة ومشوهة للكون الطبيعي الحقيقي، لكنه مع ذلك يخدم أغراض الدين أفضل بكثير من هذا الأخير المستعصي على الانصياع للغاية الدينية الساعية إلى الخلود. ولذلك ينزع العقل الديني دائماً إلى العيش في عالمه النصي المصطنع الذي يلبي غايته في التثبيت والتخليد بينما يتغافل متعمداً وجود العالم الطبيعي الحقيقي المناقض بطبيعته لهذه الغايات والمحطم لها على صخرة حركته المستمرة.

من ناحية أخرى، وبالنظر إلى كون العقل الديني يعيش بالفعل داخل حركة الزمان والمكان ولا يستطيع أن يوجد أصلاً في أو من فراغ، كان يستحيل عليه أن يفلت كلياً من أثر قبضة قوانين التاريخ الطبيعي. ومن ثم لم يجد مفراً من استخدم حقبة معينة من التاريخ - التسلسل الحدثي نتيجة الحركة عبر الزمان والمكان - ليقتل بها التاريخ ذاته، بعد نزع روحه المتمثلة في حركة الأحداث وتفاعلها وتجددها المستمر. بالتالي يكون المقدس الديني ذاته هو في الأصل حركة مسلسلة من الأحداث الحية عبر أزمنة وأمكنة معينة، لكن الذي جعلها تخرج من نطاق قوانين التاريخ الطبيعي لتسكن أساطير التاريخ الديني هو إضفاء صفات الثبات والخلود وعدم الخضوع لقوانين الحركة والتغير الطبيعية على هذه الأحداث التاريخية الدينية بالذات دون غيرها. بهذه الطريقة يستطيع العقل الديني أن يخلد حدثاً تاريخياً طبيعياً مثل السيد المسيح في شكل آخر مصطنع لا يفنى مثل روح القدس أو كلمة الله، مثلما يستطيع تخليد النبي محمد في شكل آيات الله الخالدة في القرآن أو السنة النبوية الصالحة التقليد في مكان وزمان، أي المنعدمة الحركة.

هكذا يستطيع العقل الديني أن يصنع من حدثين طبيعيين، عيسى ومحمد، متغيرين بالضرورة بحكم حركة الزمان والمكان وبدليل تجاوز الزمان والمكان لكليهما بالفعل سواء بالموت أو الرفع إلى السماء أو خلافه، حدثين دينيين غير خاضعين لقوانين الزمان والمكان ومن ثم موجودان في كل زمان ومكان وصالحان له، إن لم يكن بجسديهما كما في العالم الطبيعي الحقيقي فبروحيهما كما تنقلها وتجسدها كلماتهما وسننهما المقدسة في العالم الديني، النصي؛ أو، في جملة أخرى، عندما يعجز الحدث التاريخي الديني عن هزيمة قوى الزمان والمكان في ميدان الكون الطبيعي ويستسلم لها بالموت أو خلافه في نهاية الأمر، كان لا يزال باستطاعة العقل الديني تحويل الهزيمة على أرض الواقع الطبيعي إلى نصر لكن في ميدان آخر - على متن النص الديني المصطنع. وفي هذا الميدان الذي هو في الأصل من صنع العقل الديني بمفرده وعلى مقاسه، لا وجود لقوة أخرى غيره حتى تتحداه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة