الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحكم الاختيارات السياسية في الإصلاح التربوي

الزبير مهداد

2014 / 5 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن القيادة السياسية في البلاد العربية لم تكن ترغب في إصلاح تربوي حقيقي ومؤثر في بنية المجتمع العربي، لذلك فقد كانت هذه القيادة، تنظر إلى التعليم من زاوية خدمته الآلة الاقتصادية فقط، ولتلبية حاجات محددة في الإدارة والخدمات، ولأن التعليم يمثل البنية الأساسية لثقافة المجتمع، فقد كانت القيادة السياسية تنظر إليه دوما بتوجس خيفة تأثيره على الحراك الاجتماعي، فتحكم عليه الطوق وتضعه تحت وصاية وزارة الداخلية، والسلطات الأمنية لمراقبته. فالبناء الاجتماعي الراكد يرسخ النظام السياسي ولا يشجع على الانتقال الديمقراطي الذي يشترط بالأساس العدالة الاجتماعية التي تبدأ ببناء الكرامة لدى الإنسان، وأهم ما يتحقق به ذلك هو النظام التربوي الجيد.
لم تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لإحداث التغيير العميق والشامل، لا ننكر أن القيادة السياسية كانت دوما تبدي أو تعبر عن عنايتها بالتعليم، وتحث الأجهزة الحكومية على مواكبة المخططات التعليمية لإنجاحها، على الأقل لأجل كسب رضى المواطن والتدليل على اهتمامها بقضاياه وبتنمية البلاد، ولكن لم توجد أبدا الإرادة العليا الواعية والمقتنعة بأهمية السياق المجتمعي في كل إصلاح تربوي، لذلك فالمخططات التعليمية لم تراع مطالب المواطن في نظام التربية ولا بانتظاراته، بل اعتمدت دوما على الرؤى والأفكار التي تردها من السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم، وعلى اقتراحات الأجهزة المشرفة على المؤسسات الاجتماعية (وزارة الداخلية).
المشاريع الإصلاحية كانت ترمي إلى إحكام القبضة على النظام التربوي التعليمي، والحركات الطلابية، والتوجس من كل إصلاح حقيقي، مخافة أن يتيح الإصلاح مكانة قوية للمؤسسة التعليمية، ويجعلها تنخرط كفاعل في الحركة الاجتماعية والنشاط السياسي، وحتى لا تنصهر المؤسسة التعليمية بمختلف مكوناتها في المجتمع وتتفاعل معه، وتساهم في قيادته.
لذلك كانت الخطط التعليمية التربوية دوما تعكس هذه الرؤى والأفكار التي تعبر عن انشغالها بهاجس الحفاظ على بنية المجتمع التقليدي، ومقاومة كل رغبة في التغيير، يتمترس هذا الرفض خلف الدين والتقاليد والعادات. إلى جانب حضور الهاجس الأمني برفض كل مبادرة إصلاحية تصدر عن القواعد الشعبية أو المهنية أو الاجتماعية.
هذه الخطط المرتجلة والمشاريع المبتورة عبرت عن غياب إستراتيجية حكومية واضحة المعالم في المجال التربوي التعليمي، ودلت عن عجز واضح عن البحث في الأسباب الحقيقية لمشاكل التعليم، وفشلت المشاريع ودارت عجلة الإصلاح في حلقة مفرغة، حبيسة أفكار جزئية ووصفات إعلامية.
هذا التعليم يخضع دائما لمراقبة وتوجيه مؤسسات سياسية واجتماعية تشرف عليه وتنظم شؤونه وتضبط مساره وتحدد أهدافه وترسم منهاجه، وبالرغم من ذلك لم يكن حبيس حال جامد، بل كان يبدو عليه أنه يحرص على الاستجابة لدعوات الإصلاح والتجديد والتطوير التي كانت تمليها الظروف والمستجدات الطارئة على الساحتين الوطنية والدولية.
الإصلاحات المرتبطة بالمخططات الاقتصادية والتنموية، ليست مشاريع إصلاح، بل هي مجرد إجراءات إدارية مرتبطة بالشروط المالية والظروف الاقتصادية التي تمليها الحكومة على سائر القطاعات، وليست إصلاحات بالمعنى الحقيقي. أما البرامج التي تستحق أن يطلق عليها لقب إصلاحات فهي قليلة جدا، وتأتي في الغالب كرد فعل يلي الحركات الاحتجاجية والاضطرابات الاجتماعية.
الإصلاحات التربوية التي تم تبنيها في البلاد العربية أفرزت تضخما للجهاز الإداري ممثلا في القرارات والقوانين التنظيمة، لأنها انصبت أساسا على الهياكل، ولم تنصب على مكونات العملية التعليمية الأساسية، ولم تشرك رجال التعليم، ولم تراع الخصوصيات الثقافية والبيئية والاجتماعية للجهات المختلفة للبلاد. وظل المعلمون والتلاميذ والآباء أبعد من أن يرسموا صورة مشعة، بسبب إحساسهم بالتهميش والحيف، المرتبط بالأجور وكلفة التمدرس وظروف العمل، لتشكك في قيم وغايات المؤسسة الإدارية وعدم إشراكهم في اتخاذ القرار.
إن هذه السلسلة من المسؤوليات الكبرى التي تستأثر بها الوزارة، ترتبط مباشرة بهياكلها المركزية التي هي بمثابة قيادة عليا، بينما تقتصر وظيفة الإدارات الإقليمية على تنفيذ الخطط والسياسات على المستوى الإقليمي دون مجال للتصرف أو الاجتهاد فيها، أو حتى مجرد الاقتراح.
ولما كان كل شيء محكوما بالخضوع للسلطة المركزية في الوزارة، فإنه لا يصح أن نتخيل أي دور أو أهمية للمبادرة الصادرة عن القواعد التربوية أو صدى لحركات التلاميذ أو مطالب الآباء والمجتمع المدني. كما لا ينبغي أن يغيب عن البال أن كثيرا من مشاريع الإصلاح وأفكار التطوير كانت ترتبط ارتباطا وثيقا بأشخاص ماديين، وليس بالوزارة، فلم يكن لها أن تتحرر من التدخل ونفوذ وهيمنة إدارة من الإدارات دون غيرها، اعتبارا للوزن السياسي والإداري للشخص القائم عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الحبيب السابق-.. أطباء نفسيون يكشفون -الشخص الأخطر- في تتبع


.. لدعم -الصحة العقلية والنفسية-.. شركة صينية تتيح للعاملين بها




.. المستشار الألماني أولاف شولتس يتفقد أضرار الفيضانات بولاية س


.. العربية ترصد انتشال ضحايا القصف الإسرائيلي لمربعات سكنية في




.. الصين تروج لسياستها عبر مذيعي الذكاء الاصطناعي