الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باراكاااااا

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2014 / 6 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أرحل إلى الكتابة لأنني أجد ذاتي فيها، كما أسجل هزائمي المتلاحقة، إضافة إلى اللحظات المنقضية التي تمر دون أن أستفيد منها . أحس أن كل لحظة تمر، فأنطلق للإمساك بها، لكنها تنفلت من رقابتي، فأجر ذيول الخيبة . أسعى لكي أعيش الحاضر، أحاول أن أتحرر من الماضي، كما أحاول تكسير المستقبل وما يحمل في طياته من أحلام جميلة تبرر فشلي الذريع في هذا الحاضر المنفلت، وبعد تفكير طويل، وجدت أن شخصيتي لا تساوي شيئا غير ركام مقذوف على قارعة الزمن . كنت دائما أفكر لأخرج من هذه الورطة، غير أن جهودي تذهب سدى . إن التنشئة القمعية التي تلقيتها في طفولتي مازالت تلاحقني، فكلما حاولت أن أقول : لا ، إلا ووجدت حاضرا يحول دون نطقي لهذه الكلمة التي تتكون من حرفين، مع العلم أنني أستطيع أن أنطق كلمة أخرى تتكون من ثلاثة حروف بكل سلاسة، إن الأمر يتعلق ب نعم ، تلك الكلمة العزيزة على المعلم الذي درسنا في المدرسة، فلطالما روضنا على قول ذلك في الصف .
أذكر أنني توددت إلى فتاة في قريتنا، وما كان منها إلا أن اشتكت إلى أمي، فشتمتني هذه الأخيرة بكلمات قدحية مازال جرحها لم ينزف بعد في أعماق شخصيتي، إنني لم أسئ إلى شخصية تلك الفتاة، بل توددت إليها معبرا عن حبي لها، وامتناني العميق إلى شخصيتها، لكن لا هي فهمت قصدي، ولا أمي فهمتني، فهي لم تعش الحب في حياتها، بل أجبرت على الزواج صغيرة من طرف والدها . إنني ألوم المجتمع الذي أوكل إلى شخصية كأمي أن تربي طفلا طموحا يناشد الحياة . إن هذه التنشئة القمعية كسرت طبيعتي، وقمعت طاقتي الحيوية، وجعلت مني إنسانا معاقا . منذ طفولتي علموني أن الموسيقى حرام . أن التودد حرام . ولم تتوان أسرتي في تعليمي الصلاة، ولم يفتها أن تذكرني بالعذاب الأليم، وخاصة عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ، والحديث المسهب عن الحية التي تلتهم الموتى . إن تلك الآية التي تتطرق إلى عذاب الكفار وتبديل جلودهم بجلود أخرى في إشارة إلى تأبيد العذاب . مازالت تلاحقني إلى اليوم، ناهيك عن تلك النار المستعرة . إن هذه المشاهد المفزعة تعبير عن طفولة افتقدت للحياة . كانت طفولة مهجوسة بالموت، أو بتعبير أدق كانت هذه الطفولة معاقة، لم تتذوق الحياة بأزمنتها وتفاصيلها وأحلامها، بل كان زمنها متوقفا مرددا : "نعم" . إنه صوت لا يعلو على صوت القمع، وما يتضمن لنكران الذات على حساب الغريزة الحية التي تعانق الحياة .
وإذا كانت الطبقات الراقية تتجرع الحياة من ينابيعها، فإن طبقات الريف الكادحة لم يبق أمام أبنائها إلا البقايا من "جوطية" نتنة ملؤها "تعلم الوضوء في عشرة أيام ؛ النجاة من عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ؛ حفظ العفة . وإذا كانت هذه الخزعبلات الفارغة تدل على شيء، فإنها تدل على حرب شعواء يشنها استعمار ديني يسعى إلى شل الحياة، وزرعها بألغام الخوف والموت، وتجريد الإنسان من طاقاته الحية، وتوقه إلى عيش حياة سليمة، فكم من أسرة دمرتها هذه الكتيبات التدجينية، وكم من الأطفال أعدمت حياتهم في مهدها، وتحولت إلى حياة معاقة تعادي كل معانقة للحياة . وإذا كان الأطفال في الدول الديمقراطية ينفتحون منذ نعومة أظافرهم على العلم والفلسفة، فإن الكادحين في أنظمتنا القمعية مازالوا يقرؤون كتب الشفاء بواسطة بول البعير وجناح ذبابة، وذلك مرضاة لعقلية تسلطية مازالت تستعبد مخيلتنا وعقولنا، وتأسرنا في ماض قطيعي يميز بين الإنسان والإنسان كسيد وعبد ....
إن كلا من العلم والفلسفة يعلمان الإنسان كيف يفكر انطلاقا من ذاته بانيا حقيقته المتغيرة وفق آليات الشك والسؤال والدهشة ...لكن هذه الجوانب تغيب، وتحارب في مجتمعاتنا المتسلطة، وفي أسرنا القمعية، فالطفل يتعرض لغسيل دماغ يشل كل حركاته وسكناته، فبمجرد ما يسأل حتى يتم تخويفه سواء من الناحية الرمزية أو المادية، ومن ثمة فالتنشئة الاجتماعية لا تعلمه تحمل المسؤولية، بل تجعل منه تابعا – خاضعا لا يقوى على اتخاذ قرار معين، فلا يستفيد الطفل من لحظات حياته، ولا يتصرف إلا ويتمثل صورة الأب القامع، أو الأم القامعة، إنه لا يعيش زمانه، بل زمان الآخرين، لا يقوى على التحكم في حاضره، فينفلت منه متحسرا على ماضيه، ومتطلعا إلى مستقبله الذي ما فتئ يكبر سرعان ما يتبدد حينما يتحول إلى حاضر . هكذا تتحول الحياة إلى موت وفق التنشئة المعطوبة . تنشئة الرعاع الذين يكرهون الحياة، ويتوقون إلى الدار الآخرة، وإذا ما حصل هذا فعلا، فإنهم سيحملون معهم بؤسهم الذي لن أشاركهم إياه، لأنني سأبدأ في التمرد على قطيعيتي . لن أقبل العيش معطوبا . مريضا . تعيسا . مرتعدا . خائفا . ولن ألقن أبنائي أمراضي، ولينطلق موسم الشفاء الذي يردد الحياة، قاذفا في الآن نفسه مرضا سحيقا عمر طويلا بين أدران الكادحين .

عبد الله عنتار / 03 حزيران 2014 / الرباط – المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني