الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة النهضة التونسية وحقوق المرأة

صلاح الصادق الجهاني

2014 / 6 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


- موقف حركة النهضة التونسية من حقوق المرأة
عرفت قضايا المرأة وحقوقها في السنوات الأخيرة، اهتماماً على المستوى الوطني أو الدولي، وخصوصاً بعد انعقاد مؤتمر بكين العالمي، حول حقوق المرأة سنة 1995، وما صدر عنه من مقررات، ولدت سجالاً حاداً بين أنصار الكونية والحداثة، وحقوق المرأة من جهة ثانية، وقد أظهرت الحركة الإسلامية عموماً في تعاملها مع قضايا المرأة وحقوقها موقفاً يرفض مفاهيم الحداثة وحقوق الإنسان، من منطلق أن هذه المفاهيم ما هي إلا تغريب وغزو من ثقافة الغرب للثقافة الإسلامية وقيمها، وإشاعة الانحلال والإباحية في المجتمعات الإسلامية، وهذه الأطروحة ذاتها هى التي نجدها في كتاب تنوير المؤمنات، وهى أطروحة مشتركة لدى أغلب التيارات الإسلامية في المشرق، كما في المغرب العربي.
حيث يتم النظر في الغالب الأعم إلى مطالب النساء في الديمقراطية والمساواة على أنها دسائس غربية علمانية، وإلحادية صليبية، وبالرجوع إلى فصول هذا الكتاب يقول الشيخ ياسين، " إن حركة تحرير المرأة، ما هي في حقيقتها إلا تغريب وكفر وغزو ثقافي، ودعوة للإباحية والانحلال، وأن هذه الحركة في نظره جاء بها المستعمر، وكانت تجلياتها الأولى في كتابات قاسم أمين، في كتابه تحرير المرأة، والذي صدر سنة 1899م، بعد أن تكونت في المجتمعات الإسلامية طبقة استسلمت وانقادت وتميعت، ووقفت من الوافد الغازي موقف الاندهاش، ثم التخاذل، ثم الخنوع والانكماش، والاستباق إلى الهاوية.. . . سواء في ذلك رجال ونساء.والمقصود بحقوق المرأة هنا ليس الحقوق الأولية من تعليم ورعاية فقط بل المقصود المشاركة الكاملة للمرأة في العملية السياسية وحقها في تولي المراكز القيادية والا يفرض عليها أي شي تحت اي مسمي دون حق.
لقد كان موقف الحركة في السبعينيات من قضايا المرأة من الاختلاط، " بأنه سبيل للفجور، وأن حق المرأة في التعليم محدود، في ما يكفل القيام بوظيفتها الطبيعية - مثل شؤون المنزل ورعاية الأطفال واشتغالها - لا يجوز إلا عند شدة الحاجةـ وبشرط أن تكون لها المهنة الشريفة ".بينما كان موقفها في الثمانيات بعد المراجعةـ اعتبار وجود المرأة في المؤسسة أمراً واقعاً لابد من مواجهته بروح جريئة، واعتبار الممانعة في تعليم البنات تصوراً بدائياً ليس له أساس من الدين، ولا من المصلحة القول بالاختلاط بشروط إسلامية"، ولعل هذا الخطاب يُعطي مؤشراً على هذا التطور الكبير الذي طرأ على الحركة، فيقول مرشد حركة النهضة راشد الغنوشي: " لا بجنس ولا باللون، وإنما بالتقوى والعمل الصالح والكفاءة. ولا يخل بمبدأ المساواة توزيع الأدوار وتكاملها، وإنما الحضارة الحديثة هي التي استحدثت بنظرتها المادية للإنسان، خللاً بين الأدوار، فجعلت الأصل في نظرة الإسلام إلى الجنسين المساواة، والتفاضل. فجعلت من الانتاج الاقتصادي المكانة والميزان الأرفع، وحطت من الأدوار الأخرى، مثل الرعاية الاجتماعية، رعاية البيت والطفولة، في حين اعترف الإسلام بكل الأدوار، وكرم القائمين بها، ما أتقنوا عملهم وأخلصوا، حتى جعل الجنة تحت أقدام الأمهات، والأمر هنا لا يعني أكثر من توزيع الأدوار وتكاملها بحسب المؤهلات الطبيعية، بمعنى الاعتراف بترتيب لأدوار المرأة وأولويتها، فليست التربية والأمومة قصراً على المرأة، ولا الإنتاج الاقتصادي، ورعاية الشؤون العامة، كالعمل السياسي والجهاد، قصراً على الرجل، وإنما هي الأولويات، كل ذلك متاح للكل إلا ما يحيف على سلم الأولويات، وإنما الفشل والخلل في الحضارة المعاصرة، بسبب إعطاء دور الإنتاج الاقتصادي القيمة العليا، والمعيار الأعظم، فانهارت الأسرة، حتى بدأ الحديث عن اتجاه أمم إلى الانقراض.



وأعجب ما في الأمر أن مجتمعاً إسلامياً حديثاً مثل تونس بدأ خبراء السكان فيه والصحافة يتحدثون عن اتجاهه صوب الشيخوخة، بسبب دفع قادته المنبهرين بالغرب دفعاً للانخراط الفج في تجربة تحديثية متشنجة و كان من مفرداتها الأساسية حرية المرأة، وهى من قبيل كلمات الحق التي أريد بها الباطل، أي التمرد على قيم الإسلام، قيم الأسرة والعفة والقناعة، لصالح قيم الاستهلاك والأنانية، والتمركز حول الفرد ولذاته ومكانته، بما جعل الأسرة مسرح صراع، انتهى بالسير قُدماً صوب الاستغناء عنها، والتنصل من أعبائها.

وشهدت تونس منذ عهد الاستقلال وخاصة في السياسة التي انتهجها الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة، والتي كان محورها الانبهار بالغرب، وما قام به من عملية انقلاب في المجتمع التونسي، وإرساء العلمانية، وتطبيقها في كل أوجه الحياة في تونس خاصة، اتصفت بعملية التغريب الكبرى، التي قامت في المجتمع التونسي، والذي حاول بورقيبة من خلال العلمانية، ترسيخ الحداثة، وقولبة المجتمع التونسي وفقاً للنموذج الأوربي وكان لنصيب المرأة من هذه العملية أن أصبحت تحظى بشكل كبير من الحرية، وتحصلت على مكاسب في جميع المجالات التي اقتحمتها، والتي كانت حكراً على الرجال فقط، وكذلك وجودها في المراكز القيادية، وما تحصلت عليه من قوانين وتشريعات مدنية، والتي أصبحت موضع حسد لكل النساء في المجتمعات العربية، وشاهدت نقلة كبيرة للمرأة في تونس، ولكن الأهم هو الانقلاب الفكري الذي حصل للمرأة في تونس من آثار هذه العملية، التي تعتبر ثورة في المجتمع التونسي، وخاصة للمرأة فإن الأهم هو تأصل متجذر للمفهوم الفكري لهذه الحرية لدى المرأة التونسية، والتي أبرزت جيلاً متحرراً ومؤمناً ومدافعاً عن هذه الإنجازات بقوة، وعن مبادئ العلمانية التي حققت لها هذه المكتسبات، فإن المرأة اليوم في تونس، تعتبر رائدة على مستوى الوطن العربي، وخاصة في المكتسبات وحجمها ويقول الغنوشي في ذلك: " لم تظهر الحركة الإسلامية في تونس في مجتمع بدوي تسوده علاقات الفطرة، بل ظهرت في مجتمع أرهقته الحضارة في عضده، ونخر كيانه تقليد الغرب، والجري وراء مظاهر زائفة لحضارة الغرب لقد خيل لزعماء البلاد كلهم الإعجاب بالغرب، أننا لن ننضم إلى ركب المتحضرين، حتى نسير سيرتهم في كل مظاهر حياتهم". ويقال في السياق نفسه: " أن الغنوشي في نهاية المطاف هو الابن غير الشرعي لبورقيبة، مثلما أن هذ الأخير هو الابن غير الشرعي للجمهورية الفرنسية الثالثة والرابعة، لكن الاثنين هما أولاً وقبل شيء نتاج المجتمع المدني التونسي، المتجذر في تقليد التواصل العريق بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهما أيضاً ممثلان لاستمرارية التقليد الإصلاحي لزعماء السياسة، مثل خير الدين، وللعلماء مثل الطاهر بن عاشور"( ).
بذلك تكون المرأة هي إحدى، أعمدة العلمانية المتجذرة في المجتمع التونسي، وهى من ضمن أهم شرائح المجتمع، التي تدافع عن هذه العلمانية، ولن تسمح أبداً بأن تعود عقارب الساعة إلى الخلف، ومتكسبة من وعي وثقافة، تقلل من فرصة الحركات والتيارات الإسلامية بأفكارها الدينية، عن احتواء المرأة في المجتمع التونسي، وتكون عنصراً فعالاً داخل هذه الحركات، مثلما تشهد الكثير من الحركات الإسلامية في الوطن العربي مثل مصر أو الجزائر، ولعل الحركة الإسلامية في تونس، وما تتمتع به من انفتاح وتفاهم لقضايا المرأة، التي اعتبرت بعضها واقعاً موجوداً فرض نفسه، ما هو إلا انعكاس لرؤية الحركة، وفهمها للمجتمع التونسي، والشوط الطويل الذي قطعته المرأة في تونس، وحجم المكتسبات والإنجازات التي حققتها المرأة في تونس.
وإن اعتبرت هذه المكتسبات جزء من عملية التغريب والفرنسة التي تعرض لها المجتمع التونسي، والتي تقاومها الحركات الإسلامية، وتتصدى لها، ولكن طبيعة البيئة للمجتمع التونسي، والواقع الموجود على أرضية المجتمع، فرضت نفسها، وتفاعلت معه حركة النهضة وتعد ملزمة بتطوير خطابها، وإيجاد مشروع إسلامي مقنع، أمام مشروع التغريب، مع الحفاظ على مكتسبات المرأة التي حُققت بعد الاستقلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 31-An-Nisa


.. 34-An-Nisa




.. 36-An-Nisa


.. 37-An-Nisa




.. 39-An-Nisa