الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فسيولوجيا النكات الشعبيه

حاتم الشبلي

2014 / 6 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فسيولوجيا النكات الشعبيه
منذ وقت طويل تناول العديد من الباحثين والمفكرين ظاهرة النكات الشعبيه وعملوا فيها مناهجهم و تحليلهم فكانت البدايات التي نهضت عليها الكثير من الدراسات والبحوث، وكان فرويد منهم ، فقد مرر منهجه في التحليل النفسي علي تلك الظاهرة وخرج لنا بالأتي( أن النكات الشعبيه عي عبارة عن وسائل دفاع لاشعوريه يعتمد عليها الأنسان لمواجهة الضغوطات الحياتيه ليخلق نوعا من التوازن النفسي وأخراج تلك الطاقات المكبوته)، يظهر هذا التعريف – التفسير الكثير من النكات السائده في مجتمعاتنا التي تعاني من الفقر والجهل والقهر السياسي بشكل أكثر وضوحا وقابلية للفهم، حيث ينمو بصورة محايثة لخطاب السلطة خطاب مضاد يخوض في مجال التابو . أما الفيلسوف الكبير شوبنهاور فقد أدلي بدلوه و بين أن تلك الظاهرة هي ( محاولة لأثارة الضحك علي نحو قصدي من خلال أحداث التفاوت بين تصورات الناس والواقع المدرك عن طريق أبدال هذه التصورات علي نحو مفاجئ، في حين تظل عملية تكوين الواقع الجاد مستمرة). ألا انه يقصر محاولته التعريفيه علي أبراز الجانب الذي يتعلق بالنواحي الفنيه والتركيبيه، أي كيفية بناءها داخل السياق الحياتي للناس، كما أنه يركز علي وظيفتها الأضحاكيه والتسلويه متغافلا عن دلالاتها الأخري. وقد أعتبرت موسوعة المعرفة( ويكيبيديا العربيه)أن النكات الشعبيه هي نوع من أنواع الأدب الشعبي. وهو تعريف متوسط ومسالم يمكن أن نتبناه هنا.
ومن حيث السمات والمميزات الرئيسيه التي يجب توافرها يمكن أن نقول مع الباحث التونسي سامي نصر أنها تندرج في خمس نقاط مهمة وهي : -
1- الأقتضاب
2- التصريح
3- التسلية
4- الأرتباط بالواقع
5- سرعة الأنتشار
وتلك العناصر اعلاه تكون شرطا لكي نسمي الحكاية القصيرة (نكته).
من خلال دراستنا للعديد من النكات الجاري تداولها داخل المجتمع السوداني، نلاحظ أنها وبالأضافة لأنها مادة لأثارة الضحك والتسليه، تحمل في طياتها رسائل ودلالات أخري، بحكم كونها تشير الي موضوعات (حساسة) تتعلق بحياة الناس ومشاكلهم وامالهم وتطلعاتهم لحياة افضل ضمن ظروف مرحلة تأريخية محددة.
وقد تتباين تلك الرسائل والدلالات الموجهة عبرتلك النكات من شكل الي اخر، مثل نقد الواقع السياسي كما في النموذج التالي.
( يحكي ان رجلين مخمورين، قال الأول : مفروض ما نقبل بقرار المحكمة الجنائية الدوليه في توقيف عمر البشير
وقال الثاني : ولماذا نرفض
قال الأول : لأنو السودان ما مصادق علي قانون الجنايات الدولية
فرد الُثاني بغضب : طيب نحن مصادقين علي (قانون النظام العام)، عشان كلو يومين يقبضونا ويجلدونا 40 جلده.)
في هذا النموذج يتم مقابلة حالة الرئيس البشير وقضية المحكمة الجنائية الدوليه مع حالة ذلك الرجل المخمور ومشكلته مع قانون النظام العام . (وهو القانون الذي تعتبره الحكومةفي السودان تطبيقا للشريعة الأسلاميه) في صورة مشابهة تهكمية ساخرة، مما يكسبها قدرة علي الأضحاك وفي نفس الوقت الذي تحتفظ فيه بمنطق مقنع ينشد تحقيق العدالة القانونية. هذا الأسقاط المباشر للذاتي في السياسي يبرز الوظيفة النقديه السياسية للنكته، مما جعلها تجد حظا في التداول النشيط في جميع أوساط السودانيين في نفس الوقت الذي شهدت فيه البلاد موجه اعلاميه – دعائيه من قبل السلطة لرفض قرار اوكامبو .
ولايغيب البعد التنويري أيضا في تلك النكات كما في النموذج التالي :-
( كان في اسد يعتدي علي بهائم وسكان القرية، فقرر أهل القرية أن يستعينو ا ( بالفكي)، جلس ومن خلفه تجمع أهل القرية ينظرون، الأسد يتقدم، والفكي أخرج مسبحته وأخذ يتلو سورة يس، ولازال الأسد يتقدم والفكي يقرأ، والناس ينتظرون المعجزة، وعندما أقترب اكثر من اللازم، قال الفكي للناس ، يله ياجماعة نساعد يس، وهرب)
في هذه الحكاية – النكته يتم وصف حالة الجهل السائد، والمتمثل في أعتقاد الناس في الدجل وشعوذة الشيوخ،وهو الامر الشائع في الثقافة السودانيه الشعبيه قديما وحديثا، ومن خلال أبراز الشيخ المشعوذ بهذه الطريقة المضحكة والهزليه، تكون قد أوصلت رسالتها للمتلقي بشكل واضح. وهي أنزال رموز الدجل والخرافة أرضاً.لتعمل مثل تلك النكات في أتجاه مضاد للأساطير الملفقة حول تلك الرموز والمنتشرة في أوساط البسطاء.

أرتبطت النكات الشعبية السودانية بالسكاري والمساطيل، وهم فئة مرزولة أجتماعيا، حيث يعتبر الكثيرون أنهم مصدر تلك النكات. ربما لأن غالبيتها تحكي بواسطتهم وتدور حكاياتها عنهم وعن طرائفهم، أذ يعتبرون مثار تندر وطرفة في سلوكهم ومواقفهم اليوميه من قبل الناس. فالحالة المزاجية والنفسيه التي يجدون أنفسهم فيها تجعلهم ينظرون للواقع الذي تمردوا عليه بطريقه مختلفه، فهم ورغم أنفصالهم عنه بهيامهم وخيالهم، الأ انهم لايزالون يرتبطون بصلة ما مع ذلك الواقع . مما ينتج عنه المفارقه والأفراط في الخيال وكسر التوقع والمبالغات وغيرها من العناصر الفنيه لبناء النكته.
ولوحظ في الفترة الأخيره أنتشار نوع من النكات تدور مواضيعها حول قبائل سودانية معينه، ظهرت هذه النكات وأنتشرت من خلال الفرق الكوميديه التي وجدت مرتعا لنشاطها وسط الجامعات وفي أجهزة التلفزيون والأذاعة و غيرها من أعلام الدولة في ظل غياب نشاط ثقافي أبداعي حقيقي، وتسعي هذه الفرق لخلق كوميديا سافره تبرز مقولات وأنطباعات متداولة سرا بين الناس، مما أدي في النهاية الي ترسيخ صورة نمطية لأنسان تلك القبائل. وتكمن خطورة هذا النوع من النكات في الأتي :-

1 – تكريس الواقع القبلي والجهوي الذي تسعي السلطة للحفاظ علية لضمان بقاءها.
2- أضعاف الروح الوطنيه والشخصيه القوميه بأرجاع كل مواطن الي أنتماءه القبلي البسيط.
3 – أبراز نزعات الأستعلاء الثقافي وتحقير وتصغير الاخر.
4 – المحافظة علي التخلف الأجتماعي وتنمية الأمراض الشوفينية والنرجسية.
فيما يمكن ألتقاطه مما تناثر ، نعتبر النكته الشعبيه كمنتج شعبي، له ديناميكيه عالية يستخدم ويوظف بطريقه ذكيه وفعالة في نقد الواقع، والتعبير عن حالة التعلق بمستقبل أفضل، وواقع مغاير، ويتمظهر ذلك في تلك الأشكال المتعدده والميادين المختلفة التي ترتبط بها تلك النكات وتطرقها. أذ أن النكته في النهاية تعكس علاقة الأنسان بمجتمعه، بالاخر، بالسلطة، بالعالم، وتناقش مشكلاته الرئيسه في قالب كوميدي يكسبها القدرة علي التأثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تتطلّب اللياقة والقوة.. شاهد كيف تتدرّب لاعبة غولف في صالة ر


.. بلينكن: واشنطن تعارض معركة كبرى في رفح




.. مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة مئات وتدمير أكثر من 700 منزل جرا


.. طالبة تهدي علم فلسطين لعميد كلية بيتزر الرافض لمقاطعة إسرائي




.. ناشط ياباني ينظم فعاليات غنائية وثقافية للتعريف بالقضية الفل