الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ من الخديعة

جمال الهنداوي

2014 / 6 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لعقود طوال ما كان الناس يعلمون عما يدور على بعد كيلومترات قليلة من مدنهم وقراهم , ولا تتعدى معرفياتهم الا بما تجود به عليهم صحف الصباح او ما يتقاطر من اخبار -مخلوطة بضجيج التشويش- تسترقها الاسماع من الاذاعات البعيدة..ولسنوات اطول كان الناس يستمعون للانباء الاقرب الى البيانات الرسمية الذي كانت تقدمها وسائل الاعلام المركزية المحتكرة للفضاء الاعلامي باستمرار ورتابة وثبات يثير الحفيظة قبل الاسى..ولكنها كانت تحمل بعض الاحترام والرهبة لما يأتي من ذلك الجهاز العجيب الذي ينقل لنا الاحداث والقصص.
وقد يكون هذا الواقع هو السبب في الارباك الذي يمثله ذلك الانفتاح الاعلامي والصادم الذي واجهه المواطن العراقي من خلال ارتطامه المفاجيء بعشرات الوسائل الاعلامية التي حولته الى وعاء تسكب فيه يوميا عشرات التصريحات والإعلانات أقلها سمين وأكثرها غث لا أهمية له، والاهم هو في تبدد صورة الاعلام المهني والملتزم وسط ذلك التراشق بالتكذيب والتكذيب المضاد الذي يمتلئ به المشهد الاعلامي حد الصدمة ومواجهة واقع جديد من اولية ومركزية التضليل في وسائل الاعلام الحديثة في المنطقة..وليكتشف ان "الهدف الأساسي لبرامج التلفزيون الإذاعة والسينما في المجتمعات التجارية الإستهلاكية ليس إثارة الإهتمام بالحقائق الإجتماعية، والإقتصادية بل تحجيم هذا الإهتمام وتخفيف حدته"كما يقول الباحث الامريكي هربرت أ. شيللرفي كتابه ( المتلاعبون بالعقول) .
ولكن الاكثر مدعاة للدهشة هو اكتشاف ان للتضليل الاعلامي تاريخا طويلا من التأثير على اراء الناس واحكامهم قد يكون ابعد بكثير مما يظنه الكثير الذين يربطون بينه وبين ثورة الاتصالات في اواخر القرن المنصرم, ففي كتابه المهم "صناعة الخبر واساليب التضليل الاعلامي يشير الباحث د. معن الطائي الى أن أقدم عملية من عمليات التضليل الإعلامي استطاع تحديدها بعد الدراسة و البحث هي قيام كهنة معبد الشمس في جنوب العراق بكتابة تاريخ إنشاء المعبد على انه في عهد الملك الأكدي "مانيشا توشو" و الذي كان قد توفى حتى قبل البدء بالبناء و ذلك لتبرير النفقات الباهظة التي تم صرفها و إقناع الناس بذلك.
وكذلك نرى السيد منذر الحكيم يرصد في دراسته التاريخية في أساليب التضليل الثقافي في (القرن الإسلامي الأول) ان انطلاقة ممارسات التضليل الثقافي "تزامنت مع بزوغ الفجر الأول للإسلام، واتخذ أساليب متعددة، كان أسلوب الإتهامات الباطلة في طليعتها، كوصف النبي بأنه (شاعر وكاهن ومجنون) مضافاً إلي انتهاج أسلوب التشويش الذي تمثّل بصّد النبي عن قراءة القرآن، بالتصفير تارةً وتخليط من القول أخرى،‌ وأسلوب تشكيك المسلمين بدينهم وزعزعة عقيدتهم من خلال التظاهر بالدخول في الإسلام، ثم الخروج منه".
وبعد وفاة النبي الأكرم (ص) اتخذ المضللون أساليب متعددة، يأتي في مقدمتها "استهداف السنة النبوية..وذلك بالتشكيك فيها وإحراقها والمنع من تدوينها وروايتها، واستهداف القرآن الكريم من خلال تعويم نصوصه، وجعلها مرمى للآراء المتناقضة، وفسح المجال لليهود بالخوض فيه وتفسيره بأهوائهم"
وعند ولادة الدولة‌ الأموية بلغت ظاهرة التضليل ذروتها، وبرز إلي ‌السطح الاجتماعي عدد من الأساليب التضليلية، كوضع الحديث واختلاقه، وبث بعض الأفكار والنظريات التي تهدف إلي خلط الأوراق وتشويه الحقائق" مما خلف تركة أثقلت كاهل الأمة الإسلامية، دفع المسلمون ثمنها، وكان من بينها، ظهور البدع واستحكامها، فضلا ظهور التيارات العقائدية المنحرفة.
وكذلك نلاحظ استمرار المسيرة المظفرة للتضليل حتى وصلت الى ذروتها في عصرنا الراهن وخاصة في اعلامنا المحلي الذي اسرف في ممارسات الفبركة والتشطير والتجزئة للتصريحات و"تقطيع الكلام بما يشوه معاني ومقاصد هذه التصريحات عبر التضليل والخداع والكذب" في"محاولات ابتزازية سياسية رافقت التحضير للانتخابات كان الغرض منها التسقيط السياسي والتحريض الشعبي بطريقة خادعة وتضليلية", وهو ما هز مصداقية هذه الفضائيات ويفضح اتجاهاتها ولو بعد حين.
ولكننا رغم ذلك الافق المدلهم من صناعة الخديعة والتضليل الا اننا نستشف الامل من خلال تاريخ طويل من مواجهة الكذابين والوضاعة ومختلقي الوقائع والاقوال الذي نهض به علماء الامة من جرح وتعديل وعرض على كتاب الله والتي افرزت العديد من التحقيقات التي احالت الشواهد الى المكان الاقرب الى الحقيقة مما كان يراد له ان يكون, ونرى انعكاس تلك المقاومة الفكرية للتدوين والاعلام المضلل من خلال انكفاء العديد من الناس عن تصديق ما يرونه وما يسمعونه في وسائل الإعلام الموجهة. كما أن تزايد الملاحظات والنقود الساخرة لما يرد فيها قد تعزز الفرصة في انتاج معارضة –بل مقاومة- واضحة الرؤية ذات طابع تعبوي وتحشيدي برؤى واضحة.
ما زالت الكلمة العليا لوسائل الاعلام والجهات الممولة في فرض وجهات نظر مقولبة سلفا على الفضاء الاعلامي بسبب الموارد العملاقة والميزانيات الضخمة, ولكنهم لن يتمكنوا من منع السؤال من اذهان الناس وتزايد فهمهم بصورة اعمق للمحركات الاساسية للمنظومة الاعلامية مما يشكل الفرصة في تشكل ميكانزمات الوعي الذي سيفرز فهم اعلى واكثر واقعية للتغيير الحقيقي الذي اصبح ضرورة ملحة للغاية في الراهن المعاش من تاريخنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا وجود للاسلام في القرن السابع الميلادي
ال طلال صمد ( 2014 / 6 / 9 - 19:10 )
الاخ الفاضل تحيه عراقيه طيبه
ان علم التاريخ والاثار يؤكدان اليوم انه لم يكن يوجد اسلام - لا نبي ولا دين ولا مسلمون - في القرن السابع الميلادي نحن نجهل تماما ما وقع في القرن السابع
وكل ما بين ايدينا هو روايه فارسيه كتبها الطبري في القرن التاسع الميلادي
ان الملوك الفرس معويه وعبدالملك مروانان لم يكونا عربا ولم يكونا مسلمون وانما فرس مسيحيون ولا صله لهم بمكه وصحاريها
انك تناقش الروايه الفارسيه والتي لاتفرق عن الف ليله وليله وعنتر وعبله قيد شعره
وشكرا اسلم لاخيك ال طلال


2 - شكرا
جمال الهنداوي ( 2014 / 6 / 9 - 20:52 )
شكرا لمرورك الكريم الذي جعلني اعود لاقرأ سلسلة كتاباتك عن الموضوع..مع التقدير

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ