الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحديثيون الدينيون والنقد التاريخي (2)

عبدالله خليفة

2014 / 6 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقع خطاب علي عبدالرازق في تناقض كبير لا يعرف كيف يقوم بحله, وذلك يتبدى في العبارتين التاليتين:
(ربما أمكن أن يقال, أن تلك القواعد والآداب والشرائع, التي جاء بها النبي عليه السلام, للأمم العربية ولغير العربية أيضاً, كانت كثيرة, وكان فيها ما يمس إلى حد كبير أكثر مظاهر الحياة في الأمم, فكان فيها بعض أنظمة للعقوبات, وللجيش, والجهاد, والبيع والمداينة والرهن, ولآداب الجلوس والمشي والحديث..
ثم يقول مناقضاً ذلك:
(لكنك إذا تأملت, وجدت إن كل ما شرعه الإسلام, وأخذ به النبي المسلمين, من أنظمة وقواعد وآداب, لم يكن في شيء كثير ولا قليل من أساليب الحكم السياسي, ولا من أنظمة الدولة المدنية).
توضح هاتان العبارتان المأزق الفكري السياسي الذي ألم بفكرة علي عبدالرازق, ففي الأولى يقول بأن ثمة نظاماً سياسياً شاملاً, يبدأ من العقوبات حتى مظاهر الحياة اليومية شكله الإسلام, ثم يقول في العبارة الثانية بأن ذلك ليس نظاماً سياسيا.
نستطيع أن نفهم سبب التناقض في ماطرحه علي عبدالرازق بأن لديه مفهوما معينا للدولة السياسية, لا يصرح به هنا, ولكننا نرى أنه النظم الغربية الحديثة التي يؤمن بها علي عبدالرازق, باعتبارها هي النظم السياسية الصحيحة والسليمة, ويتضح ذلك في تعبير (الدولة المدنية), فهذا تعبيرٌ عصري جُلب مع العلاقة بالحداثة الغربية.
وهو إذ يؤمن بالإسلام إيماناً عميقاً, ولكنه يؤمن كذلك بالدولة العصرية المدنية, وبضرورة أن تكون دولة لا دينية, فإنه يقوم بالالتفاف على التاريخ الموضوعي وحقائقه التاريخية, بالقول بأن ما جاء به الإسلام لا يتضمن تشكيل دولة دينية.
(إن كل ما جاء به الإسلام من عقائد ومعاملات, وآداب وعقوبات, فإنما هو شرعٌ ديني خالص لله تعالى, ولمصلحة البشر الدينية لا غير) إن الرؤية الغائرة وراء هذه العبارات المتضادة هي رؤية لا تاريخية, فهي لا تفهم تشكل الإسلام كصراع لتكوين دولة لقبائل مشتتة, كما أنها لا تفهم – أي هذه الرؤية - الأفكار الدينية وسواها كتعبير عن وعي سياسي متداخل بالمقولات الدينية المختلفة, التي لم يكن بالإمكان أن لا تكون سياسية, وأن لا تتداخل مع الدين معاً, فتلك ضرورة الزمان والمكان, والمستوى التاريخي للعرب وللمسلمين وقتذاك.
إن الفكرة إذن لدى علي عبدالرازق ليست ذات جذور تاريخية, وذات بعد اجتماعي موضوعي, فتغدو خاضعة للإرادة الفردية الخالصة, سواء تشكل ذلك عبر وعي نبوي قديم, أم عبر إرادة علمانية حديثة.
فالدين مجرد دعوة أخلاقية ولا تتضمن هدفاً سياسياً لديه, وكأن بالإمكان أن تتشكل دعوة أخلاقية خارج الصراع الاجتماعي والسياسي, وكأن الدعوة الأخلاقية النبوية بتحطيم الأصنام ليست هي أيضاً تحطيم للسلطات القبائلية الكثيرة, وكأن المفهوم الإسلامي التوحيدي ليس هو أيضاً تشكيل سلطة مركزية في المدينة..
إن قيام علي عبدالرازق بتفكيك الصلة بين الديني والسياسي, يتشكل إذن عبر وعي ذرائعي برجماتي, هو وعي معاصر, يُسقط عملية تفكيك الديني عن السياسي, لهدفٍ راهن, هو تفكيك الصلة بين الدين والدولة.
ولكن هذا التفكيك وقطع الصلة بين الديني والسياسي, في العصر النبوي والراشدي, تناقضه السيرة والقرآن والأحداث, فهنا لا بد أن يقوم الباحث علي عبدالرازق بتعسف في تفسير كل تلك المصادر الإسلامية.
إن هذا العرض الحقيقي لما جرى في التاريخ, يستبدله علي عبدالرازق بعرض وهمي, فلا يتمكن من مناقشة المسائل المحورية التي ترتبت على مثل هذا الوضع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا