الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناضل خلف الواجهة المرئية (شهادة في حق المناضل إبراهيم أقديم بمناسبة تكريمه في أكادير يوم 6 يونيو 2014)

الحسين أيت باحسين

2014 / 6 / 10
المجتمع المدني


مناضل خلف الواجهة المرئية
(شهادة في حق المناضل إبراهيم أقديم بمناسبة تكريمه في أكادير يوم 6 يونيو 2014)

شخصيا، تعرفت على سّي ابراهيم أقديم بعد عودته من فرنسا في أواسط السبعينات، حيث عقد في منزله بالدار البيضاء لقاءا حول الأمازيغية مع مجموعة من مناضلي أمريك، وكان موضوع اللقاء قراءة قمت بها آنذاك في كتاب بوسكي "البربر" (Les Berbères) وسع المؤلف، ضمنه وفي مختلف المجالات، أطروحته التالية: "لم يكن للبربر، وليس لهم ولن يكون لديهم قط شعور بالوحدة". وما أثار انتباهي في منزله، آنذاك امتلاكه لكثير من كتب التاريخ القديم والحديث حول الأمازيغ باللغة الفرنسية إضافة إلى جهاز تلفزي من نوع "كرانديك" في فترة لا توجد فيه سوى أجهزة صناديقية)، فقلت في نفسي: "هذا رجل الحداثة ولن يدعو إلا إلى ما من شأنه أن يمر عبر التحديث"، لكن الطوابير الخامسة تكون دائما بالمرصاد لمثل هذا المشروع، وكانت كثيرة وفي كل فج عميق حتى من ذوي القربى ... وبالفعل فقد كان أول مقترح ناضل من أجل هو مشروع معهد تكنولوجي بسوس، فواجهه طابور خامس من ذوي القربى بدعوى أنه "شيوعي" ...
في اعتقادي ليس أصعب من أن يدلي شخص ما عن شهادة أمام المعني بتكريم على ما قام به من أجل نصرة قضية عادلة؛ ليس فقط من حيث قيمة مضامينها بل أيضا من حيث شكل مقاربة هذه الشهادة.
فبعد كل ما تحقق للأمازيغية من مكاسب نضالية وثقافية وسياسية، بدأت مجموعة من المبادرات التكريمية لبعض ممن ساهم في تراكم تلك المكاسب. وإذا كانت تلك التكريمات تتناول فقط بعضا من جوانب الحياة الشخصية والنضالية والثقافية أو السياسية لبعض أولئك المكرمين من خلال ما يقدم من نبذ بيوغرافية أو ما يقدمون بأنفسهم من مذكرات ذات طابع بيوغرافي لما ساهموا به؛ فإن المكرم اليوم، السيد إبراهيم أقديم، لا تنطبق عليه هذه المقاربة البيوغرافية.
ذلك أن الذين ساهموا في العمل على رد الاعتبار للأمازيغية؛ قبل الاعتراف بها رسميا؛ وإن كان يجمعهم الاقتناع الراسخ والنضال من أجل رد الاعتبار للأمازيغية، فإن نوعية مساهماتهم وشكل مشاركاتهم تنوعت بتنوع إمكاناتهم وإمكانياتهم أو بحسب كفاءاتهم الثقافية أو التنظيمية أو المالية أو التدبيرية. فقد كان من بينهم من ساهم بقيمة مضافة أكثر على مستوى الواجهة النضالية، وآخرون على المستوى توفير الدعم المادي، وغيرهم على مستوى الإنتاج الثقافي والأكاديمي أو على مستوى الإبداع الفني أو على المستوى الإعلامي. وقد عانى الجميع، خاصة من أواسط الستينيات إلى أواسط التسعينيات، من خصوم الأمازيغية العقائديين ولكن ما كان يؤلمهم أكثر هي مواجهات وهجومات الطوابير الخامسة التي تنبعث من كل فج عميق ...
ومن بين هؤلاء المساهمين، في إضافة قيمة إيجابية لرد الاعتبار للأمازيغية، من تفيد أوستفيد مقاربتهم مقاربة بيوغرافية؛ ذلك لمعرفة تطور وتفاصيل ممارساته وهم يواجهون خصوم الأمازيغية على مستوى الواجهة النضالية اليومية الأيديولوجية ثم السياسية لاحقا؛ ومن بينهم من ينبغي مقاربتهم مقاربة بنيوية، أي من حيث الأدوار التي كانوا يقومون بها وهم بعيدين عن الظهور في الواجهات المرئية؛ علما أن لهم استراتيجيتهم الخاصة في ما يمكن القيام به من أجل إنجاح عمل المناضلين البارزين في مختلف الواجهات المرئية. ومن بين هؤلاء المدعمين على المستوى المادي، ذوي الكفاءات التواصلية والعلائقية الميسرة لمشاريع ذوي الكفاءات التنفيذية والإنتاجات الثقافية والأكاديمية والفنية وغيرها مما يجعل رد الاعتبار للأمازيغية يكتسح ساحة المجتمع برمته.
إذن فمُكَرَّمُنا اليوم، سي ابراهيم أقديم، ليس من الذين اختاروا النضال في الواجهات المرئية، وفي نفس الوقت هو الحريص منذ أواسط السبعينات، على المساهمة في كل المحطات الرئيسية في صيرورة (devenir) وسيرورة (processus) الدفاع عن القضية الأمازيغية (وللوقوف على تلك المحطات يمكن العودة إلى السيرة الذاتية، في شقها المتعلق بالعمل الجمعوي الذي ساهم به منذ 1974 إلى الآن) تلك السيرة الذاتية التي أعدها للمناسبة للوقوف على هذا الحضور وتلك الاستمرارية: فقد ربط الاتصال مع الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (أمريك: (AMREC منذ 1974، ونظم لقاءا بين مناضلين مثقفين ورجال أعمال من سوس سنة 1976 بتزنيت، وكان من بين مؤسسي الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1980، ومنذ سنة 1994 ينظم سنويا لقاءا بين مثقفين وأطر من سوس، وأحدث لجنة تنسيقية للجمعيات الأمازيغية بالدار البيضاء سنة 1997، وفي نفس السنة (1997) أسس مع مجموعة من المناضلين جمعية محمد خير الدين بتافراوت)، وفي سنة 2009 أسس مع مجموعة من المناضلين المرصد الأمازيغي، وأصبح، في سنة 2000 عضوا في لجنة أكال للجمعيات التنموية بتافراوت).
في كل هذه المحطات لم يكن قط مناضل الواجهة المرئية؛ لقد فضل طيلتها أن يكون فاعلا ميسرا للعلاقات وللتواصل ولتقديم بعض الاستراتيجيات الاستباقية لما من شأنه أن يوسع دائرة رد الاعتبار للقضية الأمازيغية ولرد الاعتبار للهوية الأمازيغية. لم يكن ذلك عفويا، بل كان نتيجة معاناة هوياتية اكتوى بلهيبها في صغره حين كان ينعث ب "العربي القذر" (sale arabe) في "الحي الأوروبي" (Quartier Européen) بالدار البيضاء وهو لا يفهم كيف لماذا ينعث أمازيغي بذلك، ثم أصبح، بعذ ذلك، ينعث ب "شّليحا القذر" (sale chliHa) حين انتقل إلى "المدينة الجديدة" (Ville Novelle)بنفس المدينة؛ وهكذا أينما حل يكون غريبا؛ فنشأت لديه "أزمة هوياتية"؛ لم يتخلص منها إلا حينما هاجر إلى فرنسا حيث اكتشف، من خلال قراءته لكتاب "حروب يوغورطة" (أو يوكورتن) (Guerre de Jugurtha) لمؤلفه "سالوست" (Salluste) ، اسم "أكليد أمقران" (Le Grand AGUELLID) فانبجس لديه الوعي بذاته الأمازيغية. وحين عاد إلى المغرب صمم على تقاسم هذا الوعي الجديد مع العاملين في مجال رد الاعتبار للأمازيغية وللأمازيغ، ولكن بمقاربة تستند إلى توفير مختلف أنواع الدعم من أجل ترسيخ هذا الوعي، وعلى أساس استراتيجيات استباقية، وفي إطار البحث عن سبل تحديث الوعي بالهوية الأمازيغية، وتحديث تنشئة الأجيال القادمة، وربط الأواصر بين المناضلين والمثقفين والفنانين والأطر الإدارية ورجال الأعمال ورجال السلطة في محيطه المباشر؛ من أجل تطوير خطاب الوعي بالهوية الأمازيغية ضمن شرائح المجتمع المدني، ومن أجل إقناع المجتمع السياسي بالاعتراف بالهوية الأمازيغية رسميا.
الآن وقد أصبحت الأمازيغية رسمية بالدستور (منذ فاتح يوليوز 2011)، وظهرت معها طوابير خامسة جديدة، وظهرت عقليات هدامة لكثير مما تحقق من مكاسب للأمازيغية، فما أحوجنا من جديد لمثل سّي ابراهيم أقديم لتتميم ما تبقى لتفعيل الأمازيغية وتثمينها من أجل إبراز قيمها الإيجابية المحايثة لها والمستقبلية، من أجل قيامها بالأدوار الثقافية والتنموية المنتظرة منها...
وفي الختام نتمنى؛ لرفيق طريقنا في النضال من أجل رد الاعتبار للهوية الأمازيغية في وطنها، تلك الهوية الممتدة في أعماق تاريخ شمال إفريقيا؛ طول العمر وموفور الصحة ومزيدا من العمل الاستراتيجي ولو من وراء الحجب ... كما نتمنى أن نرى عما قريب مذكراته حول تجربته، لتغني ما بدأ يتراكم في هذا الإطار وليستفيد منها الجميع وخاصة، الأجيال الحالية والقادمة لتفادي إعادة إنتاج ما تم القيام به سابقا..
تنانمّيرت نون،
تودرت ئغزّيفن ئي سّيبراهيم،
تودرت ئي تمازيغت.

الحسين أيت باحسين،
باحث في الثقافة الأمازيغية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجنائية الدولية: نسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو والسن


.. مشاهد لمغاربة يتظاهرون دعماً للفلسطينيين وللمطالبة بوقف الحر




.. تغطية خاصة | وكالة -إرنا- نقلاً عن مصادر ميدانية: فرق الإغاث


.. ناجون من الهولوكوست يتظاهرون في بريطانيا رفضا للعدوان الإسرا




.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى