الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلمون في خدمة الصهيونية: السخرية الأيدولوجية و”الاخر المفروض أن يؤمن”

جميل خضر

2014 / 6 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مسلمون في خدمة الصهيونية
السخرية الأيدولوجية و”الاخر المفروض أن يؤمن”
بقلم: د. جميل خضر
ترجمة: رنين قوقاس وجميل خضر

إنتشرَ مؤخراً على شبكة الإنترنت فيديو كانتشار النار في الهشيم : شاب يُدعى (محمد) يُعرِّف بنفسه على أنّه "صهيوني إسرائيلي" و"عربي مسلم" وقد قام هذا الشاب بتدوير وبإعادة تصنيع بعض الدعايات الصهيونية المبتذلة و التي عفى عليها الزمن عن الديموقراطية الإسرائيلية بإعتبارها الأمل الوحيد للشرق الأوسط. والعديد من الناس كان غاضباً من هذا الفيديو وهذه
التصريحات، وقد أغضب هذا الفيديو البعض وكما أبهج الفيديو اخرين (تعرفون من هم يكونون بالظبط).
على الرغم من أنّ (محمد) ليس طفرةً جديدةً في التاريخ الفلسطيني أو العربي، إلّا أنّه بالتأكيد عرضه من أعراض التوّجه الأخير لمبرمجي الدعايات الصهيونية العازمين على تجنيد أفراد عرب ومسلمين لتحويل الأساطير الصهونية إلى حقيقة. في الواقع، هذا التحوّل في تكتيكات وخطط الدعاية يجب أن يُفهَم في سياق الدعم العالمي الأخير لحركة المقاطعة (BDS) للمؤسسسات الإسرائيلية الداعمة للإحتلال غير القانوني وغير الأخلاقي في فلسطين، وتجريد هذه المؤسسات، ومعاقبتها. حيثُ أنّ طيف حركة المقاطعة يطارد الدولة اليهودية العنصرية، مما أوزع الدعاية الصهيونية بتكثيف آلية ردة فعلها العنيف ضد نشاطات حركة المقاطعة وضد كل من يجرؤ على الكتابة عن المشكلة الصهيونية. أضف الى ذلك، أنه تم الكشف عن العديد من قراصنة الدعاية الصهونية (trolls) على المنتديات العامة على الانترنت الذين يدأبون على تمويه وتبرئة سياسات الأبارتهيد الاسرائيلية وبرنامجها الاستيطاني الكولونيالي في فلسطين ، مما أدى الى أن يفقدوا قدرتهم الخطابية القائمة على المغالطة (السفسطة) والتحايل (بلبول بالعبرية).

ومع ذلك، فإنّ اليات الدعاية الصهيونية تحاول الرد والمقاومه على هذه المحاولات وهذا يبدو في التحوّل الواضح في استراتيجيتها من التعبير عن أفكار عنصرية وإستعمارية من خلال نموذج أيديولوجي ليبرالي شديد الاغواء إلى تصنيع “الاخر المفروض أن يؤمن لهم وبدلا عنهم” من خلال تجنيد أفراد عرب ومسلمين شبه مثقفين للدفاع عن خطابات وأساطير وسياسات الصهيونية. ففي الحقيقة، فان الصهاينة أنفسهم لم يعودوا يصدقون بدعاياتهم. وكما قال (إيلان بابي) المؤرخ ما بعد الصهيوني: "معظم الصهاينة لا يؤمنون بالله، ولكنهم يؤمنون بأنّ الله منحهم إياها (فلسطين) ". لذلك، هم بحاجة إلى اخر جديد يؤمن لهم وبدلا عنهم, وقد وجدها الصهاينة في الماضي لدى المسيحيين الأصوليين، وها هم يجدونها اليوم في سلالة جديدة وغريبة من نوعها تُدعى "مسلمون صهاينة".
وبعد وقتٍ طويل من احتكار المسيحيين الإنجيليين المتطرفين لدور الاخر المفروض أن يؤمن لهم وبدلا عنهم، تقوم آلية الدعاية الصهيونية بإعادة تعيين هذا الدور لأشباه المثقفين المسلمين والعرب للإيمان بأساطيرهم التي لا أساس لها من الصحة. وامام المد المتزايد من الأدلة ضدّ معتقداتهم الأيدولوجية إلّا أنّ الصهاينة سيستمرون بالإيمان بتلك الأساطير ما دام هناك آخر،المسلم الآخر, الذي يؤمن بأساطير الصهيونية لهم وبدلا عنهم . مما يتيح للصهاينة وخطاباتهم الايديولوجيه الصهيونيه أن يتجنّبوا فكرة توّرطهم في المشروع الاستيطاني الكولونيالي وسياسات الأبارتهيد الاسرائيلية مستمرين في حياتهم كما يحلو لهم في استعمار فلسطين.

لقد كتب الفيلسوف السلوفيني (سلافوي جيجك) بأنّ الأيدولوجية اليوم تعمل في سياق ما سمّاه "تنكّر المعبود " “fetishistic disavowal” بمعنى أن رعايا تلك الأيدولوجية يدركون إدراكا لا شكا فيه أن هذه الأيدولوجية المهيمنة قد فشلت ، ولكنهم لا يأبهون بذلك مستمرين بالإيمان بها. على الرغم من أنّ هذه الرعايا أدركت أنها تلاحق وهماً، إلّا أنهم ما زالوا يشّرعونها ويعيدون تمثيلها في أفكارهم، ونشاطاتهم، وطقوسهم.


إنّ السخرية الأيدولوجية تمارس تحت شرطين: الأول أنّ هؤلاء الناس يشعرون بحريّة لأنّ يفعلوا أي شيء يريدونه والثاني أنّ هؤلاءالناس يستمرون بممارسة معتقداتهم ما دام هناك آخر يؤمن لهم وبدلا عنهم. بالنسبة ل(جيجك)، فالإيمان ينتج دائما من خلال (الآخر)، وعلى سبيل المثال؛ في إسرائيل،لقد كُشف زيف الأساطير الصهيونية المركزية وخصوصاً تلك التي أقيمت على أساطير توراتية لا أساس لها من الصحة، وهي شائعة جداً لدى الأكاديميين والعامّة، ولكنّ هؤلاء الناس ما زالوا يؤمنون بها لأن هناك عدد ضخم من المسيحيين الأصوليين في الغرب ما زالوا يؤمنون بتلك الأساطيرالتي تدعم الصهيونية أي أنهم --يؤمنون لهم وبدلاً عنهم.
على أيّة حال، لقد تحوّلت الآن آلية الدعاية الصهيونية هذه لتتضمن سلالة جديدة من "مسلمين صهاينة" يستطيعون الإيمان لهم وبدلاً عنهم، بينما يواصل الصهاينة أنفسهم حملات التطهيرالعرقية في فلسطين. وفي هذا السياق هناك قضية خاصة مثيرة للإهتمام وهي مقالة مربكة ل(سينيم تيزيابار) "الإسلام، الصهيونية، تركيا"، حيث تقترح في هذه المقالة الأهمية الإستراتيجية لتركيا في بناء جسورا بين العالم الإسلامي والصهيونية. قامت (تيزيابار) بالدفاع عن الصهيونية بأستخدام النصوص القرآنية وهي من الحالات الأكثر غرابة التي رأيتها في حياتي! حيث قامت المؤلفة (تيزيابار) بإعادة تأطير أطروحتها من خلال إحدى أشهر آليات الدعاية الصهيونية وهو بتسطيح وإلغاء الإختلاف بين اليهودية والصهيونية وتحويل اللاسامية والصهيونية إلى مفاهيم متساوية ومتطابقة. ولذلك، فقد كتبت "بأنها في هذا الصدد تحافظ على واحدة من أهم الأدوار الرئيسية التي يمكن لتركيا أن تخوضها وخصوصاً فيما بتعلق بإسرائيل وهو بإستئصال العداء للسامية والخوف اللاعقلاني من الصهيونية في الجغرافية التركية الإسلامية".

إذا كان هناك أي خوف لا عقلاني فهو الخوف الذي يتعلق باللاسامية، إلّا أنه لا يوجد خوف لا عقلاني من الصهيونية. في الحقيقة، الخوف من اللاسامية هو دائماً خوف لا عقلاني لأنه مبني على نظرية تآمرية اساسها استلاب اليهود المزعوم لمتعة الذات الاوروبية مما يتضمن ثروات العالم ورغبتهم بالسيطرة عليه من خلال بناء دولة عالمية (وهذا سبب شهرة بروتوكولات حكماء صهيون) مما أدى إلى اضطهاد اليهود في أوروبا. وفي النهاية، لقد دفع اليهود ثمناً باهظاً للاسامية الأوروبية في تاريخٍ طويل من المذابح والمجازر التي بلغت ذروتها في الهولوكوست (المحرقة النازية).

ولكن خوف الفلسطينيين من الإستيطان الصهيوني (الكولونيالي) الإستعماري ومن سياسات الآبارتهيد (العنصرية) الإسرائيلية بعيد كل البعد عن أن يكون خوفا لا عقلانيا. هذا الخوف ليس نتيجةً للنظرية التآمرية بل هو نتيجة الظروف المادية الحقيقية لحملات التطهير العرقية التي يقوم بها نظام الآبارتهيد (العنصرية) الإسرائيلي و والتي يشعر الفلسطينيون بعبئها يوميّاً على أجسادهم، وأرواحهم، وممتلكاتهم، وكرامتهم.

في الواقع، إنّ الدفاع القرآني المزعوم عن الصهيونية كلما يزداد غرابة. لقد رأيت الكثير من الإسنادات القرآنية التي يسعى المؤمنون إلى استخدامها بأثر رجعي وبعد الحقيقة لتجديد إيمانهم وعقيدتهم – فمؤخرا مثلا سمعنا عن الدليل ألقرأني حول "الثقوب السوداء الكونية". ومع ذلك، فإنّ النبوءة القرآنية المتعلقة الصهيونية ستقع واقعة الصاعقة على هؤلاء المؤمنين. أولاً: السرد القرآني عن اليهود يهدف إلى منح تعليمات أخلاقية للمؤمنين (المسلمين) وليس للتحكيم في المناظرات السياسية عن الصهيونية المعاصرة. لذلك، القرآن لم يحدد أبداً الحدود الجغرافيةً للأرض التي يزعمون أن الله منحها للإسرائيليين القدامى. في المقابل، قامت المؤلفة (تيزيابار) بنفسها باقتباس آيات قرآنية مختلفة عن “الأرض التي جعلها الله لهم مسكنا” ]من سورتي الأعراف: 137 والإسراء: 104[ ،ولكنها لم تسطع أن تستخدم إستنادا قرانيا قاطعا ليؤكد اطروحتها في تعريف الأرض كفلسطين التاريخية. في الواقع، القرآن الكريم لم يبيّن مرجعية هذه الأرض لفلسطين.

فأن أي استقراء عن الموقع الجغرافي لهذه الأرض الغامضة فيما يتعلق بفلسطين التاريخية ما هو إلا نتيجة تأثير التراث التلمودي (الإسرائيليات) على تاريخ التفسيرات القرآنية. وقد شعر العلماء المسلمون بعدم الحاجة للامتناع عن الرجوع والاستناد إلى التقاليد التلمودية لأنهم يؤمنون بأنّ كلا الديانتين اليهودية والإسلامية من نفس المصدر ومكملتان لبعضهما. ولأنه لم يكن هنالك صراعاً سياسيّاً، ولا حركة صهيونية تغتصب أراضي المسلمين والفلسطينيين من خلال استغلال الكتب المقدسة لتبرير استعمارهم غير الشرعي وغير القانوني لأراضٍ تنتمي لسكانها الأصليين. دون الحاجة للتذكير، أن هذه الروايات التلمودية لم تكتب في الوقت الذي وقعت فيه أحداث التوراة. علاوة على ذلك، يؤكد المؤرخون وعلماء الآثار الإسرائيليون بأنّه لا يوجد مثقال ذرة من الأدلة التاريخية تسند الرواية التوراتية. ففي الحقيقة، أن التوراة ليست كتاباً تاريخياً، إنما هو قصص ممزوجة بأساطير، وخيال، وخرافة، وحقائق لا يمكن التحقق منها.

(محمد) و(تيزيابار) كلاهما يستدعان منظومة دعائية صهيونية مشهورة أخرى وهي ابتزاز المسلمين للإيمان بشرعية اقامة إسرائيل استناداً إلى التفسيرات الحرفية للقرآن ووقوانين الحظر والرقابه بشأن التعامل النقدي مع النص القرأني الكريم. وقد قام أحد قراصنة الانترنت الدعائيين المجنّدين بالتعليق في إحدى المواقع العامة على شبكة الانترنت قائلاً: "لقد عاش اليهود في إسرائيل منذ آلاف السنين (يهودا وسومرية)، ونحن بالطبع نعلم ذلك، لأن هناك عدة مراجع في القرآن تذكر بني إسرائيل. ويوجد 43 مرجع لبني إسرائيل في القرآن. في الواقع، أحد هذه المراجع في الجزء 15 في سورة الإسراء آية رقم 104: "وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض". رجوعاً إلى هذه الأرض هي إسرائيل الآن. إذاً هل أنتم تختلفون - يقصد المسلمين- مع هذه الحقائق، أو هل ستتقبلون بأن هناك صلة بين بني إسرائيل وهذه الأرض؟" ولكن مرة أخرى، لا يوجد اسم لهذه الأرض في القرآن ، وكل الفرضيات التي تعتمد عليها هوية هذه الأرض نُسِجت من مصادر تلمودية ليست من القرآن الكريم نفسه.
وأنا لست مهتماً أساسا سواء كان (محمد) و(تيزيابار) من مجندي الدعاية الصهيونية أم لا ، ولكنهم يشكلون اليوم الآخر المثالي الذي من المفترض أن يؤمنوا للإسرائيليين بالصهيونية وبدلا عنهم ، عندما يتوقف الصهاينة أنفسهم بتصديق أساطيرهم. والأمر الأخير الذي لم أتوقف التفكير به عند قراءة ومشاهدة النصوص هذه بأن نصوصهما تتمطق بتصريحات مثالية عن عنصرية منضوية، حيث أن النصوص كانت مليئة بالسخرية غير المقصودة والمحاكة الذاتيه. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخطر على البال عند مشاهدة هذه الدعاية هو مشهد الكوميدي الأمريكي الأسود البارع (ديف شابيل) مؤدياً دور (كلايتون بيجسباي) وهو الرجل " الأسود المؤمن بسيادة الاروبيين البيض العرقية ". وجميع هؤلاء تفوّها – محمد وتيزيابار وكلايتون يعلمون علما جيدا بأن كل ما يتوفهون به كان سخيفاً، ولكن كله مثل بعضه!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن خلال حفل -شهر التراث اليهودي-: الحرب على غزة ليست -إبا


.. -الجمهورية الإسلامية في #إيران فرضت نفسها في الميدان وانتصرت




.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah