الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغيرة والذات المشوهة

نجلاء صبرى

2014 / 6 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل لاحظت يومًا أنك تغار عليها من كل ما حولها؟ هل لاحظت غيرتها عليك من فتاة لا يمكن أبدًا أن تغار منها من وجهة نظرك، ووقفت فى حالة من الدهشة فارغًا فاك فى تعجب قائلاً: بتغيرى عليا من دى دى؟
المقصود بالغيرة هنا تلك الغيرة المصاحبة للحب، التى غالبًا ما يحدث خلط بينها وبين الشك وإخلاص المحبوب، وإن كانا وجهين لعملة واحدة وهى ضعف الثقة بالنفس، والتشوه الشديد لرؤيتنا الداخلية لذاتنا على المستوى اللاشعور. وبالطبع ليست الغيرة هى المعنى الوحيد لهذا الاضطراب، ولكنها عرض من أعراضه.. ولكن كيف يكون هذا الأمر؟ لماذا لا نفسره مثلاً على أنه زيادة فى الحب والرغبة فى الشعور بتوحد المحبوب وتفرده من أجلنا؟ لماذا لا يكون حماية لمحيطنا العاطفى من غزوالأخريات أو الآخرين ممن يمتلكون القدرة على بث السم فى العلاقة العاطفية أوالزوجية؟!!

ربما!! نعم ربما يكون على تلك الشاكلة، ولكن حتى وإن كان باديًا على تلك الصورة المقبولة من وعينا ووعى المجتمع من حولنا والتى تروج له ثقافتنا ومعتقداتنا وما تربينا عليه، لو دققنا النظر فعلاً فى الغيرة لوجدناها تنبع من نفس المعين الذى ينبع منه الحب فى الأصل، وهو عدم رضا الشخص عن ذاته المشروط بانعدام الأمن الداخلى، فكما نبحث عن حبيب يوفر لنا هذا الأمن ونتوحد وإياه باديًا لنا أننا نكمل معه أحلامنا ويعوضنا نقص ذاتنا ويشعرنا بقيمتنا، وكم نحن مطلوبون، فنحن بالضرورة نعود بقوة لهذا الشعور عندما نستشعر أولى بوادر اختفاء هذا الحب أو إمكانية سرقته أو رحيله.

إذن ما الذى يحدث؟!..
يحدث أننا نثور داخليًا على ظهور علامات الوحدة القادمة التى تذكرنا بنقاط ضعفنا والتى تنبؤنا برحيل هذا الحب وبقائنا فى حالة من الإدانة أمام أنفسنا وأمام المجتمع بأننا غير مناسبين وغير كاملين وبنا العديد من العيوب ونقاط الضعف التى جعلت المحبوب يرحل عنا لآخر أو لأخرى، وعليه فالغيرة لا تظهر بصورة مفاجئة، ولكن يكون ممهدًا لها على مستوى الاستيهام، أو التخيل، فنجد النساء والرجال دائما يقارنون خصالهم وصفاتهم مع صفات من هم فى محيط شريكهم ربما فى صورة حوار معه وسؤاله مباشرة، أو حتى على المستوى الشخصى فى صمت كأن تقول: " لماذا أنا؟ ما الذى يميزنى؟ هى محاطة بالكثيرين الأ الأكثر تهذيبًا منى، علما، ًوسامةً، ومالاً"، أو أن تقول هى: " لماذا بالضرورة أنا؟ هل من المعقول أنه لا يرى هذا العيب بشخصيتى؟ أو تلك الصفة بسلوكى؟ أو هل أغنيه عن كل هؤلاء الجميلات من حوله، هل أنا جميلة بما يكفى لذلك؟!".

كل تلك تساؤلات ممهدة لظهور الغيرة ومتأصلة بعدم ثقتنا المطلقة فى أنفسنا، فالغيرة لها أطوار، طورها الأول يعلن عن ذاته عندما يبدأ المرء فى العودة للشك بقدراته وبنفسه، ويبدأ تقييمه السلبى لها، وبالطبع هذا الأمر يكون على مستوى الاستيهام لفترة طويلة حتى يعلن عن نفسه بصورة أيضًا تحافظ على الأنا من الشعور بالدونية كأن يسقط غيرته على المحبوب. سأوضح بمثال هنا..

"منال" لا تثق بنفسها أبدًا، وتحب "أحمد"، وانتصر الحب على عدم شعورها بالثقة، فأحمد الآن يحبها، إذن هى تملك من الصفات الجيدة ما يجعل أحمد يحبها جدًا حدث عارض ما بحياة منال جعلها تعيد تقييم علاقتها بأحمد متساءلة على مستوى اللاوعى:
" أنا لا أستحق حب أحمد "وعلى مستوى الوعى" أحمد يشعر بأننى لا أستحق حبه" هل العبارتين متشابهتين؟ بالطبع لا، فالعبارة الأولى تصفع ضمير منال وواقعها بقوة لأنها تكشف شعورها بالنقص أمام ذاتها، ولكن العبارة الثانية تدين أحمد، لأنه هو الذى لا يشعر بأن منال تستحق حبه، وهنا تكون الإشكالية، لماذا يشعر بذلك وهل أنا فعلا أستحق أم لا؟ ونتيجة لشعوره هذا والذى بالضرورة يجب ألا يكون صحيحًا، برغم صحته، حتى تشتعل وتيرة الغيرة بداخل منال، فهو سيبحث عن أخرى تكافئ متطلباته.

ومن هنا يبدأ الطور الثانى للغيرة وهو طور محاولة الذات إيجاد هذا الغريم بالبحث عنه فى محيط الشريك، أو حتى يكون متخيلاً، والأدهى من ذلك أننا نحاول تعزيز وجوده ببعض المواقف التى تدعم هذا المعتقد. العجيب فى الأمر أن الشخص الذى يغار لا ينتبه أبدا لخصاله السلبية، ولكن من هوخارج محيط دائرته يلتقط تلك العلامات، التى تصدر عنه، وهى ترفع راية شديدة الوضوح معلنة عما يدور بداخله دون أن يدرى، كأن تجد فتاة تحكى لرفيقتها فتجيبها رفيقتها فجأة: "هو أنتى ليه ضعيفة كده ومش واثقة من نفسك؟"، أو " أنت ليه شايف نفسك وحش أوى كده؟" ويتبع الحديث استنكار لصفات الشخص الثالث الذى دخل محور العلاقة وكان السبب الرئيسى لتحرك الغيرة" "يا ابنى ده مفيش فيه صفة كويسة على بعضها"، أو "يا بنتى دى شخصيتها تافهة جدًا، انتى ازاى تغيرى منها".

يجب علينا فى تلك الحالة أن نعى تمامًا أن الشخص الذى يغار لا يرى تلك الشوائب بنفسه أو بشخصيته لأنه أنكرها تمامًا عندما أسقطها على محبوبه من قبل، وهوأيضًا لا يرى تلك الصفات الكاملة فى الشخص الذى يغار منه، ولكنه يعزوها إلى شريكه "هو اللى شايف كل الصفات الحلوة، مهو أصله أهبل مبيميزش" فى تلك المرحلة نجد المحب الغيور لا يتحدث عن توجس ولكن عن يقين تام بهذا الأمر، وإن حاولنا التدقيق فى الأمر لوجدنا أن الشخص الغيور وكأنه كان يبحث عن شخص ليغار منه، فهو فى الأصل فى حالة استعداد واستنفار نفسى ومهيأ تمامًا لقبول هذا الأمر، ودائمًا الظروف تتيح توفير هذا الغريم، وحتى إن لم يوجد فسيخلقه على المستوى المتخيل لتكون كل العلاقات الخائبة فى الزواج والحب الناتجة عن الغيرة قد أعدت لها الخيبة مسبقًا، وتم اختبارها على مستوى اللاشعور مئات المرات. ولا يكون الأمر على تلك الشاكلة وحسب، إنما نجد الغيور لا يحاول على الإطلاق الحصول على دليل مادى لتلك الغيرة كى يثبت خيانة المحبوب، فخياله ماشاء الله يوفر له من الدلائل والأسانيد ما يكفى ويزيد، ونجد أنه غالبًا ما يتخذ الظروف المحيطة به كذرائع لتعويض إخفاقاته ونقائصه فى النجاح فى الحب، ويبدأ فى بناء دلائل وهمية تنسج قصة تعزز الشعور اليقينى بخيانة المحبوب له، بل وأيضًا، إن تلك الأفكار لا يمكن أبدًا زعزعتها بأى حال من الأحوال، لأنها باختصار تضرب فى عمق الشعور الذاتى بالنقص وضعف تقييم الذات والذى تم نكرانه وتحويله لمحبوبه، وهنا تنتقل الدفعات المحبطة من لاوعينا إلى عقلنا الواعى عبر الغيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة