الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان وتجميد حياة المسلمين

عبدالله خليفة

2014 / 6 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جاءَ قادةُ حركةِ الإخوان المسلمين من القرية، وقد كتبَ عمر التلمساني مرشد الإخوان المسلمين المصريين الثالث عن حياتهِ في القرية التي نشأ فيها، وقد كانت عائلتهُ ذات جذورٍ وهابية أي متأثرة بأصولٍ في الجزيرة العربية، وهو أمرٌ يعكسُ ذلك التداخل العريق بين أهلِ الزراعة وأهل البداوة في الحياة العربية الإسلامية، فليس الفلاحون سوى رعاةٍ سابقين، ثم يأتي بدو آخرون ويحتلون مكانهم ويرثونهم أملاكاً ووعياً من دون أن تتغير جذورهم الفكرية ثم يأتي آخرون. (كان الجدُ من أتباع «محمد بن عبدالوهاب» وقد طبعَ كثيراً من كتب الوهابيين على نفقتهِ الخاصةِ ومنها ما هو موجود في مكتبات الحكومة السعودية. وكان عالماً يلبسُ العمامةَ كل أصدقائه من علماء الأزهر من أمثال المرحوم الشيخ «إمام السقا»، من كتابهِ: «ذكريات لا مذكرات»). ويقوم التلمساني بعرضِ حياتهِ الشخصية في القرية مركزاً على الحياةِ البسيطة فيها، وكيف كان يمرحُ وينتشي بمظاهرها الطبيعية وثقافتها الاجتماعية حتى إنه يندمج في ثقافتها الموسيقية بأسلوبهِ الجميل:
(كنت مواظباً على الحفظ وكنت أحبُ العلمَ للعلمِ وخاصة ما تعلق منه بأمور الدين. نشأتُ في العزبة فأحببتُ الريفَ وحياةَ الفلاحين حباً ملكَ كل عواطفي استحممتُ في الترعةِ وسبّب لي ذلكَ مرضَ البلهارسيا الذي عانيتُ ومازلتُ أعاني منه كثيراً. كنتُ أنزل إلى بطن الساقية على القواديس وأسبح فيها كذلك وإن كنت قد نسيت كثيراً من قواعد السباحة. كنتُ أيام «دراس القمح» أسوقُ النوارجَ وأنامُ على رميةِ القمح كنتُ أركبُ الخيلَ بلا سرج وأطلقُ لها العنان في رمال كانت بالقرب من العزبة) السابق.
لكن لن نجدَ في هذه الذكريات سطراً واحداً عن الفلاحين أنفسهم، وظروفهم الصعبة، والتركيبة الاجتماعية المحافظة المتخلفة التي يُحبسون فيها، وعن النساء وأحوالهن في هذا العالم الريفي (الجميل طبيعة على الأقل) وهو أمرٌ غريب، فكأن التلمساني، اندمج في الطبيعة والأشياء من دون رؤية الإنسان؟!
وسيقول لنا عن النص الديني الذي تكرس فيه، وامتداداته ومعاركه وقضاياه كما سوف نلاحظ ذلك.
يجمعُ بين الثقافةِ الحفظية وبين التمتع والعيشة الخاصتين بدون قراءة للصراعات التي تدور في القرية، لا نعرفُ موقفَهُ من فقراء الفلاحين ومن بؤسهم، وهو يكتبُ ذكرياته أو يمليها، ثم ينتقل إلى الثقافة الحديثة في المدينة التي تشكل فيها.وسيكتب عن حبه للعصافير وعشقه للطيران، وعن قراءته للروايات الرومانسية وخاصة الإسكندر ديماس الأب كالفرسان الثلاثة، والسير العربية القديمة، لكن حين يقرأ رواية (الأرض) لأميل زولا سوف يكرهُها بشدة؟ فهي صادمةٌ تعالجُ الفقرَ والصراعَ الجنسي والصراعَ الطبقي وتكشف صراعات عمال المناجم والريف ضد الاستغلاليين! لكنه لا يقولُ لماذا كرهها؟ ثم قرأ العديدَ من الكتب الدينية والأدبية القديمة.
ينتقل التلمساني إلى المدن وإلى القاهرة خاصة، ويرتفع إلى سلك المحامين، ويسمعُ لمؤسسِ جماعةِ الإخوان حسن البنا، الذي كان مثله من المناطق المدنية الريفية، وكالهضيبي المرشد الثاني كان هو الآخر من القرى كذلك، ولا تتطرق الأحاديثُ اللقائية الأولى المهمةُ بين هذه الشخصيات عن أحوال القرية وبؤس الفلاحين، بل يتحدثون عن قضايا سياسية عامة تتعلقُ بمشكلات مصر السياسية وأحزابها وبعمومِ قضايا الأمم الإسلامية:(وأفاض فضيلة الإمام الشهيد «حسن البنا» ـ في لقائنا الأول ـ في أهداف الدعوة ووسائلها المشروعة وكان يتكلمُ في صدقِ المخلصين وأسى المحزونين على ما يصيبُ المسلمين في كلِ أنحاء الأرض. والطعنة التي أصابت المسلمين بالقضاء على الخلافة وأنه إذا كان بعضُ الخلفاء قد أساؤوا أو انحرفوا فليس معنى ذلك أن الخلافةَ هي التي أساءتْ أو انحرفتْ وهذا الأمرُ لا يجهلهُ إنسانٌ منصف. فالنظريةُ شيء والتطبيقُ شيءٌ آخر) السابق.
إن الحديثَ الذي يجري هنا بين المرشد الأول والمرشد الثالث يتسمُ بالتجريدِ والعمومية، فالخلافةُ العثمانيةُ كانتْ نظاماً إقطاعياً متحجراً فاسداً لا يصلحُ إذا كان ثمة خليفة فيه يتسم بالعدل الشخصي، فمسائل العدل وتقدم المسلمين ومقاومتهم للاستعمار المتربص بهم، والذي دخل بلدانهم واقتسمها ونهبها، لا تتعلقُ بشخصٍ، بل تتعلقُ ببنية تحديثية صلبة، تقف في وجوه المتدخلين، وهذا المنطقُ الذي يسوقهُ حسن البنا، منطقٌ فرداني، جزئي، لا يغوصُ للأسبابِ العميقةِ العامة لتدهورِ الخلافة العثمانية، المسببة لتدهور قسم كبير من بلاد المسلمين والتي تم تهشيمها وابتلاعها بسهولة!
وهكذا فإن التلمساني وهو يستعيدُ هذا الشريطَ الذكرياتي بعد سنين طويلة، يستمرُ في إنتاجِ الذكرياتِ غيرِ التحليلية، واضعاً المرشد الأول، والخلافة العثمانية في إطارات ذهبية براقة، معبرة عن جمود فكري خطير.
وهو أمرٌ يشيرُ بشكلٍ واضحٍ من خلال أقواله وعدم تحليله لما صار بداهة في الوعي الحضاري العام إلى أهميةِ بقاءِ المنظومة الإقطاعية، كإمبراطورية توحيدية مزعومة للمسلمين، رغم أنها هي التي قدمتْ بتخلفها وفسادها الاجتماعي وضعفها العسكري وبتحنيطها للعرب، المسلمينَ كغنيمةٍ سائغةٍ للمستعمرين مثلما يفعل الإخوان الآن!
وهو أمرٌ يشيرُ كذلك، من دون أن يتمَّ التعبير عنه لفظاً، فهو متوار مسكوت عنه، إلى أهميةِ بقاءِ القرى المصرية التي خرجَ منها هؤلاء المرشدون الثلاثة السابقو الذكر، منذ 1928 حتى 1982، في حضن العلاقات الإقطاعية، وضرورة عدم خروجهم منها!
وهو أمرٌ مرعبٌ، حيث يجري غليانٌ عالمي خرجت منه أغلبية البشرية ونفضت العلاقات الإقطاعية وتجاوز بعضها كثيراً ذلك، واندفعت أممٌ شرقية في تحطيم ذلك بسرعة شديدة بعضها متطرف وبعضها معتدل، لكنها كلها تُخرجُ مئات الملايين من البشر من هذا الجمود، بما فيها تركيا المتحولة، لكن المرشدين الثلاثة للإخوان يفكرون خارج هذا الغليان العالمي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر