الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتحرشون

ابراهيم العزب

2014 / 6 / 17
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


بسم الله الرحمن الرحيم

المتحرشون
قبل ان يترك موقعه كرئيس مؤقت للبلاد سارع السيد / عدلى منصور الى اصدار تعديلات قانونية على قانون العقوبات عرفت اعلاميا بقانون التحرش الجنسى وعملت فى الاساس على ارضاء الجمع المتحلق حول الاتحادية من نساء ومنظمات وجمعيات ونشطاء وناشطات وذلك بادخال كلمة تحرش الى قانون العقوبات المصرى لاول مرة وان لم يتحدد له مفهوم واضح وبرفع قيم العقوبات المفروضة للجريمة فى حديها الادنى والاقصى ، ثم لم يمهلنا الزمن سوى بضعة أيام لم نتمكن خلالها من التصدى بالنقد والتحليل لهذا العبث القانونى الذى ارتكب فى حقنا بليل والذى نال استحسان البعض وتصفيقه للاسف ، لنفاجأ بكارثة الاعتداء الجماعى على احدى الصحفيات فى ميدان التحرير للمرة ال ..... - تعبنا فى الحقيقة من العد – لكنها وان لم تكن الاولى فانها لن تكون الاخيرة بالتأكيد ، وقد راح الجميع يزايد بها على الجميع دون وعى أو ترو أو تدقيق وكأن لا أحد يريد الخلاص الحقيقى وانما فقط هو الصراخ الاجوف بقصد تسجيل المواقف ولا شىء أبعد من ذلك ، ولنجد انفسنا من ثم رهن حالة تحرش عقلى ونفسى شديدة الوطأة قد ارتكبها ضدنا - فى الواقع - كل هؤلاء الجناة ، مجرمون كانوا أم اعلاميون لاهثون ظياطون أم جمهورا مفزوعا ومزايدا عن غير وعى ، وما ان شرعنا فى استرداد انفاسنا المبهورة دهشة واشفاقا من مصير بات مشرعا فى وجوهنا جميعا وواضحا وضوح الشمس فى ضحاها دون أن نلحظ فى الافق اية محاولات للتصدى الجاد له على نحو علمى وحقيقى ، اذ بالسيد رئيس الجمهورية يبادر الى زيارة المجنى عليها فى مشفاها ليطمئنها ويعتذر لها ويعدها بالقصاص ويعلن عزمه الاكيد على تطبيق القانون بحزم ويأمر بتشكيل فريق وزارى ضمنه ممثلان عن الازهر والكنيسة لبحث سبل القضاء على هذه الجريمة ثم يمنحها هدية متواضعة منا هى رحلة عمرة على نفقة الدولة ، و اذ كان لهذه البادرة الرئاسية مغزاها غير المنكور من الناحية السياسية ، كما كان لها معناها ومؤداها البالغ من الناحية الانسانية ، فان أثرها فى التعاطى الحقيقى مع المشكلة والقضاء عليها جاء بالغ التدنى والضعف ، فعلى الرغم من تقديرنا لاهمية رحلة العمرة فى بلسمة جراح المجنى عليها الروحية ، فقد كان من الاوفق - وما زال فى الامكان - أن تعالج أولا علاجا نفسيا جادا على نفقة الدولة هى ومن تعرضن قبلها أو سيتعرضن بعدها لهذه الجريمة ، دون حرمانها من الرحلة طبعا !! ، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان تشكيل فريق وزارى لدراسة سبل القضاء على الجريمة يعنى توجها أمنيا بحتا فى فهمها والتعاطى معها حتى وان كان مدعوما ببعض الزخارف الغير منتجة من وعظ وارشاد فى المسجد أوالكنيسة ، وهذا الفهم للمشكلة هو ابعد ما يكون عن حقيقتها ومن ثم عن سبل معالجتها و القضاء عليها ، وقد كان من الاجدى الامر بتشكيل فريق بحثى متكامل من كافة التخصصات العلمية ذات الصلة وأهمها علماء النفس بتخصصاتهم المختلفة ومنها علم النفس الاجتماعى والفردى وعلم نفس السواء والمرضى ، وعلماء الاجتماع ، وعلماء القانون وغير ذلك من العلوم المرتبطة ، ليعكف هؤلاء على دراسة هذه الظاهرة ، وفحص هؤلاء المجرمين اللذين تم القبض عليهم ، وبحث هذا المجتمع الذى تقع فيه وعليه هذه الجريمة بكل تشكلاته وأوضاعه وظروفه والمرحلة التى يمر بها ، وعمل دراسة وافية ووضع نتائج واقتراح حلول علمية يكون على اجهزة الدولة بعد ذلك أن تلتزم بتطبيقها مع المتابعة والتقويم المستمرين من هؤلاء العلماء والباحثين ، وما زالت الفرصة قائمة ان تبادر الجامعات ومراكز البحث المصرية الى تشكيل هذا الفريق البحثى والتصدى الجاد لهذه المشكلة الاجتماعية ثم طرح نتائجها على المجتمع ليرى نفسه فى مراة العلم الذى بات ضرورة حياة وخيارا وحيدا ان اردنا خروجا من وهدة هذا التخلف وانعتاقا من امراضه الاجتماعية القاتلة ، ذلك أن هذه الظاهرة تكشف – فى اعتقادنا – عن مسار التحولات الاقتصادية والثقافية الحادة التى اخترقت خلايا المجتمع المصرى بعنف فى العقود الاربعة الاخيرة واعادت تشكيل جيناته من جديد ، ومن ثم فان كنا لا نملك فى الحقيقة ولا نبغى أكثر من طرح الاسئلة ووضع علامات الاستفهام عند نهايات السطور فان أول تلك الاسئلة هو عن الصورة الذهنية للمرأة كما انتجها الخطاب الدينى المسيطر خلال تلك العقود ، فاذا كانت المرأة وفقا لهذا الخطاب هى ذلك الكائن الاقل قدرة وقدرا ومن ثم فهى فى ولاية الذكر دائما ، فانها فى ذات الوقت الاعظم شرا وبغيا ومن ثم يتعين الحذر والتوجس الدائمين منها ، ولما كان حضورها دائما شيطانى فان الاستبعاد من المجال العام هو أسلم الخيارات فى شأنها ، واذا كانت هذه الشيطانة هى الاجمل والانعم والامتع ولا سبيل الى الفكاك من اسر الرغبة فيها واليها فان الحيازة والقنص والوطأ هو الاسلوب الانجع شرعا فى التعامل معها ، واذا كانت الدنيا بأسرها الى زوال فان الذكر الى خلود فى معية الحور العين و نعيم المتع الانثوية ، فان كان كل هذا الاضطراب والتناقض هو السمة الابرز المميزة لهذا الخطاب والكاشفة فى ذات الوقت - وهو الاهم - عن عنف فكرى كامن خلفه ، فلا بد من أن ينتج ذلك فى الواقع سلوكا على ذات القدر من الاضطراب والتناقض ان لم يكن اعمق وأوغل وأكثر عنفا خاصة مع تكريس هذا خطابا واحدا منفردا و نفى واستبعاد ثمة خطابات ثقافية أخرى مناهضة عبر أليات كثيرة بات أغلبها معروفا ، فاذا كان ذلك هو واحد من العناصر المكونة للمشهد الختامى الماثل فى ميدان التحرير ، فلا شك لدينا ان قهرا مركبا على أصعدة اقتصادية وسياسية واجتماعية يمثل عنصرا أخر أكثر صلابة وتأثيرا فى تكوين المشهد الهمجى ومنحه سماته الغابوية ، والفقر الذى لا يعدو أن يكون الا مظهرا للقهر الاقتصادى ينتج حتما تهميشا سياسيا واجتماعيا ، وهو ما يعنى فى مفهومه النهائى حرمانا انسانيا على مستويات عدة قد لا يكون من بينها حرمانا جنسيا بالضرورة - فللفقراء احتيالاتهم على الدنيا دائما - وتدليلا على ذلك فأن الغرض فى كثير من الواقعات المعروفة لم يكن الاشباع الجنسى فى ذاته ، فالضرب مثلا بالة حادة فى المواضع الحساسة لا يحقق اشباعا الا لمريض تتحقق نشوته بمجرد ارتكاب هذا الفعل وكفى وهومرض نفسى معروف ولكن ان لم يكن ذلك فان هذا العنف الجنسى لابد أن يكون محكوما بدوافع نفسية أخرى ، وذلك الشاب الذى عرقل فتاة لتقع على الارض بعد أن ظل يلاحقها ومعه أخرين ويخيفونها ثم فر هاربا لم يحقق فى الواقع اى نفع جنسى ولكنه حقق بالتأكيد انتشاءا نفسيا ما ، الا أن هذا لا يعنى على الاطلاق تخلف الدافع الجنسى عن صور العنف المختلفة ضد المرأة ابتداءا من التحرش اللفظى الخادش ، ومرورا بالاحتكاك الجسدى ونزع الملابس لرؤية ما تحجبه ، والرشى الجنسية فى مجال العمل والوظيفة خاصة وعامة ، وانتهاءا بالاختطاف والاغتصاب ، ولكنه يعنى فقط أنه واحد من بين عدة دوافع واسباب تكون فى النهاية مشهد العنف ضد المرأة بكافة صوره وهو الامر الذى استشرى وتضخم فى المجتمع المصرى خلال الاونة الاخيرة وأصبح ظاهرة ذا خطورة داهمة ، ولذلك فان التصدى لها بتلك العشوائية لن ينتج سوى مزيد من التخبط والعجز حيالها ، ولعل ما أسموه بقانون التحرش الصادر اخيرا هو مثال صارخ على تلك العشوائية فى التناول التى نرصدها هنا ، فقد صدر فى مادتين على شكل تعديل تشريعى لاحدى مواد قانون العقوبات ( فى خصوص قانون العقوبات نشير الى انه صدر فى العام الف وتسعمائة وسبعة وثلاثين وادخل عليه منذ ذلك الحين كم من التعديلات افقده تماسكه وترابطه تماما وجعل منه اشتاتا لا تعبر عن نظرية أو رؤية تشريعية متكاملة وباتت الحاجة ماسة الى التخلص منه واستبدال اخر به )وكان هذا القانون قد عرف عدة جرائم جنسية منها خدش الحياء والفعل الفاضح والزنا وهتك العرض والاغتصاب ولم يكن يعرف جريمة التحرش فلما أن استفحل الامر على النحو الذى أوضحناه سلفا ظن البعض – عن نظرة جزئية – أن قانونا للتحرش كفيل بان يقضى على المشكلة ويزيحها عن المشهد السياسى على الاقل ومن ثم فقد صدر القانون حاملا لهذه النظرة القاصرة فقد جرم ما أسماه التعرض للغير فى شتى صوره اى قولا أو فعلا أو اشارة اذا حمل ايا منها تلميحا أو ايحاءا ذا طبيعة جنسية أو اباحية وسواء كان ذلك فى مكان عام أو خاص أو مطروق أو بوسيلة اتصال سلكية أو لاسلكية ووضع لهذه الجريمة عقوبتها الخاصة ثم قرر فى المادة الثانية منه أن التحرش هو ارتكاب الجريمة السابقة بغرض الحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية من المجنى عليه وهكذا فقد قنن التعديل التشريعى جريمتين منفصلتين هما جريمة التعرض للغير جنسيا ، وجريمة التحرش بالغير جنسيا والركن المادى للجريمتين واحد اى الافعال المكونة لها وكلاهما جريمة عمدية ولكن الفارق بينهما أن التحرش يتطلب قصدا جنائيا خاصا وهو استهداف الجانى الحصول على منفعة جنسية فان لم يكن الامر كذلك فلا تحرش ونعود الى جريمة التعرض فقط بدون قصد وهى جريمة شبيهة بجريمة خدش الحياء أو الفعل الفاضح ويظل مفهوم التحرش غير واضح سوى استهداف المنفعة وهكذا تظل جريمة التحرير مثلا محكومة بمفهوم هتك العرض ويضاف اليها الاعتداء على سلامة الجسد فى صورة ضرب بألة حادة واحداث جرح ولا جديد اضافه القانون الذى صدر على عجل قبل أن يرحل الرئيس ولكن الاهم أنه يظل شاهدا على العشوائية وغياب الرؤية فالامر يتعلق بما يسمى ظاهرة العنف ضد المرأة فى مختلف مظاهرها وتجلياتها وهذا يتطلب رؤية تشريعية خاصة تجمع شتات تلك النصوص المتفرقة والمتضاربة احيانا تحت لواء نظرية واحدة متكاملة ومستندة الى دراسات علمية محققة وتعبر عنها نصوص بسيطة ولكنها شاملة وقوية ومتماسكة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحفيات في غزة تحت النار في ظل سياسات القمع والتمييز


.. الصحفية غدير بدر




.. كيف تؤثر وسائل التواصل على نظرة الشباب لتكاليف الزواج؟


.. الصحفية غدير الشرعبي




.. لوحة كوزيت