الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا .......لالة مغنية

رضا محافظي

2005 / 7 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لكل بداية نهاية ، و لا بد للفراق يوما أن يحل محل اللقاء . تلك هي طبيعة الحياة .

مرت ما يقارب التسع سنوات على وجودي بين أحضان مدينة مغنية الحدودية ، الواقعة بين الجزائر و المغرب ، في إطار أدائي لمهامي المدنية ، و الآن حان وقت الرحيل و آن أوان توديع الزملاء و الأصحاب . أتيتها شابا أعزبا في بداية العشرين من عمري ، و أنا الآن أحضر نفسي لتوديعها شابا في بداية الثلاثين من العمر و أبا لبنتين صغيرتين تطبعتا بطبائع أهل هذه المدينة الصغيرة .

تسع سنوات ، هي مدة احتضان مدينة عريقة لي ، سميت على اسم امرأة انتهى بها المطاف – بعد سفر طويل - بالتوقف النهائي في هذه المنطقة . و لا يزال أهلها يتبركون بهذه المرأة و يقصون أساطيرها يروون حكاياتها . كان حظ تلك المرأة التي جمعت – حسب ما يروى - بين الجمال و العلم و التقوى و قدرها أن يكون مثواها الأخير هنا ، و كان قدري أنا أن أمر مر الزائرين الذين قد يعودون يوما أو قد لا يعودون .

مدينة وطأتها قدما مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ، الأمير عبد القادر الجزائري ، في خلال مقاومته للوجود الفرنسي بالجزائر ، و كانت ملجأ و ملاذا له و لأتباعه و جنوده لفترة من الزمن . و مدينة عرفت سنة 1845 م ابرام اتفاقية التافنة الشهيرة التي أبرمت بين السلطات الاستعمارية و القصر الملكي المغربي و التي بموجبها تم وضع تفاصيل الحدود التي تفصل بين المغرب و الجزائر . مدينة اشتقت تاريخها من عمق التاريخ نفسه و عرفت قرونا طويلة من الوجود و عاشرت مختلف الحضارات و صارت منبعا لكل الهام .

كرم أهل مدينة مغنية و ضواحيها ميزة ظاهرة تبدو لكل زائر و تتأكد لكل مقيم . و تماسك أهلها الاجتماعي من الخصائص التي يتمتع بمعاينتها كل متمعن في أحوال أهل هذه المدينة . يظهر ذلك من حلال المناسبات الدينية التي يتم إحياؤها بابتهاج وفرحة كبيرتين و من خلال الأعراس و الولائم الجماعية التي تقام هنا و هناك .

بهجة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هنا لا تضاهيها بهجة . الكل يتحضر لهذه المناسبة أياما عديدة قبل حلولها . و أجمل ما في ذلك ترديد الأطفال للمدائح و الأناشيد التقليدية المتوارثة الخاصة بتلك المناسبة أمام أعتاب المنازل في ألبسة تقليدية أنيقة تجعل منهم ملائكة بشرية و تجعل من المدينة بكاملها عرسا يحلم من عاشه أن لا ينتهي .

الأعراس بدورها تعكس روح التضامن و التكاتف و التعاضد التي تميز هؤلاء الناس . الكل منهمك في التحضير للعرس بحسب استطاعته و بحسب مبلغ جهده . صورة الناس في الأعراس هنا تعبير حي عن مثاليات تغنى بها الشعراء و الأدباء في زمن مضى و لا يزالون يتغنون بها إلى غاية اليوم . الكل يخدم غيره و لا مجال للأنانية أن تجد مكانا بين الأحداث . الجو في تلك المناسبات كما قال الشاعر :

الناس للناس من بدو و حاضرة بعضهم لبعض و ان لم يشعروا خدم

هي أجواء شاءت الأقدار أن اغادرها الى اجواء اخرى لكنها ستبقى في مخيلتي ذكريات جميلة تلازمني بقية حياتي ، أعود اليها اذا ضاقت بي هموم الحياة و أتغنـى بهـا مع الأصـحـاب و الأصدقاء عند جلسات السمر و أخط تفاصيلها على الورق كلما سنحت لي الفرصة بذلك .

رضا محافظي – الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات