الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الداعشية!

عمار شريف

2014 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


أصبحت الثورة مفهوماً يعبر عن كونك غاضباً وتدمر كلّ شيء. لا شكّ هذا ما يريده الغرب أن يُفهم منها. ويُفضل بالنسبة لهذه الصيغة الغربية، المعدة للـ (الشرق الأوسط) طبعاً، أن يُذبح فيها ناس كثيرون كما تذبح الخراف وتحت عدسات الكاميرات. ولا يهم ما يحدث بعد ذلك، فالخراب والاحتراب بلا نهاية أمر مضمون في هذه الحالة، وهذا هو القصد. لدول الغرب منافعها في هذا، وللكثير من حكومات المنطقة التي تعدّ أيامها مصالحها في هذه المآسي ايضاً. وللسياسيين (الشيعة والسنة) فيها منافع أخرى.
لسكان المناطق الغربية مشاكلهم التي لم تجد حلاً ملائماً. وبقية المشاكل وغالبيتها يشتركون بها مع مواطنيهم في باقي أجزاء العراق في الوسط والجنوب. وهذا يتطلب نضالاً جدياً بلا هوادة من الجميع. وقد سجل العراقيون في كافة المناطق صفحات من النضال السياسي والمطلبي الاقتصادي والمطالب الخدمية خلال السنوات المنصرمة. فقد فشلت القوى السياسية الرجعية بكافة طوائفها وقومياتها في توفير الأمن والخدمات والاستقرار وإشاعة الحرية السياسية وضمان الحقوق المدنية والفردية وتثبيت قيم ومعايير المساواة والمشاركة لأفراد المجتمع في السلطة والثروة، بل كانت أجندتها هي تحطيم هذا المجتمع وتدمير قدراته وقتل الأمل والإرادة عنده. وهذه القوى أقصد بها كلّ الأحزاب الشيعية والسنية والقومية العربية والكردية دون استثناء. وأي منهم يتحدث عن طائفته وقوميته، فهو يقصد ابتزاز الأطرف السياسية الآخرى والحصول على أكبر قدر من السلطة والثروة المنهوبة له ولحزبه وحسب. لم يشمل الإقصاء أياً منهم. فكلهم كانوا شركاء في الحكومة وتقلدوا الوزارات في حكومة شراكتهم. عملياً هم شركاء طوال أكثر من عقد. المهمشون الفعليون هم الملايين ممن يختمون على جباههم ختم الشيعة والسنة والكرد وغيرهم من أبناء هذا المجتمع المنكوب.
يحلو للعاجزين، ولا ألومهم على عجزهم ولكن على انقيادهم، أن يسموا ما يحدث في الموصل ثورةً. ويدعون أن داعش دخيلة ومحدودة وأن ما يحدث هو انتفاضة السكان الغاضبين والمحتجين. أما أن يكونوا غاضبين ومحتجين فالحقّ معهم وأنا معهم. وأن تكون الحكومة فاشلةً في الأداء وطائفية ورجعية فهذا واضح وضوح الشمس بما فيها الأحزاب التي تدعي تمثيل السكان في المناطق الغربية. ولكن هل بإمكانهم أن يضعوا امامي وأمام العالم صورة واحدة أو مشهداً قصيراً يحمل في طياته بذرة هذه (الثورة) وجانباً من رسالتها يدل على شيء من انسانية وهدف سامٍ لبديل أفضل حول مغزاها الفعلي القادم؟ اعذروني فقد تحققتُ من محتوى الثورة تارخياً أنّها إن لم تكن انتقالاً أعلى في القيم والمعايير وارتقاءً في المساواة بين البشر، وبين الأقوام والمراة والرجل، واحتراماً لقيمة الانسان، وتقدماً ملموساً في العدالة الاجتماعية ومكانة الانسان ومشاركته في السلطة والثروة، فإنّها أما كذبة مسمومة لمتنفذ أو وهم بائس لعاجز.
هل بامكان (الغاضبين) المدافعين عمّا يحدث أن يقدموا دليلاً واحداً على محاولة انقاذهم لامرأة واحدة من براثن داعش؟، أو لمسيحي يستغيث وقد تحولت مرابع صباه وكنيسته إلى ركام من الرماد وتمّ وضع وجوده ووجود أبناء ديانته بالكامل امام مصير الإبادة؟ ومثله الإيزيدي والشيعي في نينوى. أنا لم أسمع باعلان الحقوق المدنية والحريات السياسية للثورة يصدر من الموصل، ويذهل العالم، ويقنع ولو عائلة واحدة من بغداد أو أية منطقة أخرى بأن تفرّ إلى الموصل وتكريت لكي تتمتع بنعمتها. سمعنا بلائحة داعش التي اختصت بنفي وجود المرأة ومسخ انسانيتها، وسمع العالم ورأى تصفية أئمة الجوامع من السنة لأنّهم لم يبايعوا داعش. وسمعوا بجرد اعداد النساء وجدولة نصيبهن في (جهاد النكاح)، ورأى العالم إبادة مئات من الشباب في واحدة من أكبر المجازر في تكريت وسمع التبني الرسمي لداعش لهذة الجريمة وغيرها وغيرها.
للنضال وتحصيل الحق سبيل غير سبيل الخضوع للجماعات الارهابية. فما هذا بسبيل الخلاص، بل هو سبيل الانتحار. قرأت مرة: "الفقر والبؤس لا يصنعان الثورة"، وكذلك أقول: الغضب واليأس لا يصنعانها. هذه الأمور تحرض على الثورة، ولكنها لا تصنعها. الثورة لا يوجهها اليأس، إنما الأمل. ولا تأتي من النزوع نحو الموت، بل من بناء الحياة.
إذا لم يكن الأفق الموجه والسائد على أي تحرك ثورياً وانسانياً ، مهما كان أصحابه صادقين ونبلاء ومضحين، فليس من الثورة في شيء. الملاحظ في هذا التحرك أن الكلّ خاضع لداعش وأفق داعش والرضى على مضض بهيمنة داعش، وغيرها من الحركات والأحزاب ممن على شاكلة داعش أو البعث، ولكن هذه القوى ليست قوى ثورة ولا تقدم ولا مستقبل. إنّها جولة خاسرة في في سلسلة من الجولات الطويلة من الخسارات والأوهام والضياع عبر فيه المجتمع العراقي طريق آلامه لعقود. آن الأوان لأن نأخذ استراحة قصيرة لتأمل جدي وحقيقي للبحث عن طريق انساني آخر، غير طريق التعصب القومي والديني والطائفي والاحتراب السفيه الذي لا نهاية له. أنت مسؤول عن تحديد خياراتك، لا الانقياد وراء مستغليك الذين يثرون بإدعاء تمثيلك ويساومون على حصصهم هم. إن لم تكن لك فرصة أن تبني شبابك في ظرف انساني، فعليك مسؤولية بناء مستقبل انساني لأبنائك وبناتك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مادليلك؟
عبد المجيد شريف ( 2014 / 6 / 20 - 08:35 )
كلّ ما قاله الكاتب في هذا المقال صحيح ولكن هذه اللازمة أن كل ما يصيبنا هو إرادة الغرب وتخطيط الغرب لا أفهم منها غير تغذية الفكر المتطرف بالتحريض على كراهية الآخر مع أن لدينا آلاف الأدلة على أن الغرب ضد الإرهاب فهات دليلاً واحداً أن الغرب يريده.أكرر ما قاله الشاعر محمود درويش:سنكون شعباً إن أردنا حين نعلم أننا لسنا ملائكة وأن الشر ليس من اختصاص الآخرين


2 - الخلل
رائد الحواري ( 2014 / 6 / 20 - 12:06 )
نحن ننتظر ثورة نقية، كما ينتظر المواطن العادي صلاح الدين او عمر لكي يحقق احلامه، في الخلاص من حالة البؤس، هذا لن يكون، كافة الثورات ـ الفرنسية، البلشفية، كنت تأكل الاخضر قبل اليابس، لكن ما ينقص ثوراتنا المخصية، البرنامج التحرري والقيادة الواعية والصادقة، من هنا يمكن الخلل في رؤتنا لما يجري.
اما بخصوص داعش ونسب كل ما يجري في العراق لها، فهو يعد قصور وتشويه للواقع، العراقي الذي كان في بحبوحة ـ نسبيا ـ ايام البعث، ها هو يعاني الامرين على يد دعاة الديمقراطية والحرية،

اخر الافلام

.. فرنسا: الرئيس ماكرون يسابق الزمن لتعيين رئيس وزراء


.. حصري - سوريا: ما هي طبيعة مشاركة الجهاديين الفرنسيين في معرك




.. بعد سقوط نظام الأسد.. من هي القوى الخارجية الفاعلة في المشهد


.. مصر: زيادة أسعار الأنترنت تفجر الغضب • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عهد جديد وحكومة جديدة انتقالية في سوريا.. ماذا نعرف عن رئيسه