الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة النقد العربي : بين فقد المصطلح .. وتمجيد الرموز

فيصل قرقطي

2005 / 7 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس بخاف على المتتبع لمشهدية النقد العربي بعامة، وقوعه في اسر رنين السماء الكبيرة، مما فقده أهم وظائفه الياتية التي انبنى عليها.. إضافة إلى أنه دار في بلاغية محددة ولم يتجاوز ذاته إلا فيما ندر، وهذا ينطبق على الشعر مثلما ينطبق على الرواية فالقصة القصيرة.. الخ!!
كثير هم النقاد الذين أفنوا ثلاثة أرباع حياتهم في ملاحقة الشعراء والكتاب الروائيين والقصصيين من نص لنص ومن مبنى لمبنى.. حتى ضاقت الأرض ببعضهم مهاجرا إلى أوروبا.
والنقد لعبة خطرة أقل ما يحفها من مخاطر أنها جهنم، من جهة، وطنية من جهة أخرى- وسأوضح ذلك فيما بعد_ إلا أن النقد كما أفهمه ويفهمه الكثير من المشتغلين في حقل الأدب هو إعادة قراءة النص من منظورات جديدة، أو إعادة تفكيك النص وتركيبه على نحو جديد، وذلك لبرهنته على وظيفته.
" ولا ينمو النقد - كما يقول نورثروب فراي - في الفراغ ، بل إنه ينمو ويتطور ويصبح فاعلا في حاضنة ثقافية تتيح له أن يؤثر في القراء وطلبة الجامعات والمدارس. " .
والنقد دلالة التفسير والتقصي عبر نسيج الفني، ليكتمل السؤال في إثارته القصوى، ومن ثم لفتح أبواب جديدة للتشاكل الفني والمضموني على السواء.
وبين قطبي معادلة في أن (جهنم.. وجنة) تنفتح الأسئلة الجريئة لتقول كلمتها بكل صراحة ووضوح.
إذ بات النقد العربي في أحضان الشللية المحددة والتحزب.. والانزواء في دوائر مغلقة، كلما حاولت أن تتسع أتى من يسورها بدروع حديدية صلبة. فهو أشبه إذاً بشقق مفروشة تنزل هذا الضيف وتقصي ذاك، تعز هذا وتذل ذاك، تنحاز لهذا وتتجاهل ذاك، حسب مشيئة الهوى والرغائب وتعقيدات الذوق واحتباسه في فلك فلان أو علان. فمنذ بداية القرن انحازت المدارس النقدية العربية والتي كانت تدور في إطار المنهج الواقعي، لعدد من الأسماء مهملة آخرين ليس اقل كفاءة وإبداعا أبدا، فنصبت شوقي أميراً للشعراء وتركت ابا القاسم الشابي مثلا وبعدها انحازت الكثير من أقلام النقاد لأسماء لا نذكر منها الآن إلا القليل.. القليل وأهملت مثلا، بدر شاكر السياب وجبران خليل جبران ونازك الملائكة (كشاعرة) مثلا، إلى أن تربع شعراء الستينات على عرش القصيدة العربية متناسين روادهم ومنفلتين من أبوتهم الشعرية، وكأنهم ولدوا لقصيدة التفعيلة بعد انفجارها الكبير في الخمسينات على أيدي الرواد الحقيقيين لها، وراحو يشكلون طبقة نفوذ ثقافي في المحافل والمنابر.. الخ.
بل وهم بالكاد يعترفون ببعضهم البعض متناسين حقيقة بسيطة وهي أن قصيدة التفعيلة لم تزل في طور التجريب العياني والحياتي، ولم تظهر نتائج دورها الكبير في الساحة العربية لا لضعف منه، وإنما لغياب الحركة النقدية الجادة التي تنحاز للنص أكثر مما تنحاز للشاعر.
لذلك راحوا يتسابقون إلى تشكيلات نقدية متساوقة على مقاساتهم، الأمر الذي كرسهم وكرس نتاجهم في مراحل تاريخية معينة على نحو أكثر من ريادة الرواد.
ولا أدري إن كنت هنا مضطراً لذكر أسماء أم لا؟! إلا أنه يكفيني ما يتنزل علي من الشعراء، وأنصاف الشعراء، وأنصاف القراء على السواء.
هل أنجز النقد العربي مهمته في إثارة سؤال قصيدة التفعيلة، ومحاولة تفسيرها نقديا؟!
وهل مارس دوره الفعلي في تشرع الرواية العربية الحديثة التي نتلذذ بقراءتها ونستمتع بعذوبة صوغها وتركيبها الفني؟!
وماذا عن أفق قصيدة التفعيلة أو الرواية، أو القصة القصيرة في الأردن وسوريا وفلسطين والعراق ومصر والسودان.. إلى آخر هذه الحلقات العربية؟ وهل القيمون على المنابر الثقافية في الأقطار العربية يباركون نقدا عراقيا لمبدع مصري أو سوري أو فلسطيني مثلا؟ وقس على هذا السؤال إلى آخر القائمة أما من جهة أخرى كيف يمكن لحركة النقد العربي أن تسد الهوة التي لم تستطع أن تعبئها منذ أكثر منذ ثلاثين سنة.
والسؤال الأدهى والأمر هنا متى تستطيع هذه الحركة النقدية أن تتابع نقديا الأجيال الشعرية والروائية والقصصية، منذ أكثر من ثلاثين سنة، حتى الآن؟
ألا يوجد شعراء عرب مبدعون ومتميزون غير سين وجيم ولام وياء مثلا؟
ولماذا لا يعترف هؤلاء بشعرية وشاعرية أحد سواهم؟ هل هم حقا ماتت الأمهات اللواتي ولدتهم أم أن في الأمر خصاصة ما بعدها خصاصة؟
أين النقد العربي من هؤلاء وأجيالهم، وهم يشكلون مع الأجيال الأخرى جيشا من الشعراء والروائيين والقصاصين، ويعكسون بإبداعاتهم الكبيرة أدق تفاصيل مناخات الحياة العربية وتناقضاتها وأزماتها على السواء؟
ثم ماذا عن النقاد الجدد؟ هل عليهم أن يطرقوا الأبواب من خلال الكتابة عن الأسماء " الكبيرة " ؟ وإذا لم يفعلوا ذلك فمن يسمع صوتهم؟
إذاً والحالة هذه كيف يمكن لنا أن ندخل الألفية الثالثة على هذه الحال من وضع الحركة النقدية العربية، عموما، خصوصا إذا ما عرفناه أنه إذا لقي السياسي مبدعا هرع العديد من النقاد وراءه مدحا وتريحا لكل مظاهر الإيجابية في أعماله، حتى غدا عددا من أسماء المبدعين العرب الكبار لا يتعدى أصابع اليد الواحدة لا يتمتعون بأية هفوة فنية أو مضمونية، في كافة نصوصهم الإبداعية، فهل يعقل هذا..؟ وهل يقتنعون هم أنفسهم بهذا الوضع؟
أخيرا نحن بحاجة إلى حركة نقدية جريئة، أولا، تقترب من ما هو مسكوت عنه فنيا ومضمونيا. حركة نقدية تعيد قراءة النتاج الإبداعي العربي على أسس جمالية وفنية ومضمونية أولاً، وليس على أسس الاسم والجنس والمنصب. لأن هذا ما أودى بنا إلى حالة التروي النقدي الكبير، التي نعيش، والتي تسحب نفسها لسنوات وسنوات أخرى ما لم تتم أشبه بثورة نقدية حقيقية تنصف الكم الهائل من النصوص الشعرية. سواء لشعر التفعيلة، أو لقصيدة النثر، حتى تلك التي برع مبدعون كبار ونقاد كبار أيضا في صب جام غضبهم عليها منذ سنتين، ليس أكثر. حينما باتت تشكل مصدرا خطرا على أعمالهم. وينسحب هذا الأمر مثلما هو في الشعر، الرواية والقصة القصيرة والفن التشكيلي أيضا.
فهل نعي جميعا، كتابا ومبدعين، نقادا وباحثين، المرحلة الدقيقة بكل أسئلتها الحرجة التي نعيش، ولا نلقى أجوبة معيارية تفضي بنا إلى فتح فضاء الأسئلة الإبداعية على مصراعيها؟!
وهل نعي جميعا فقر النقد والناقد العربي لمصطلحات اشتغاله النقدي طالما هو اتكأ على تعريب المصطلحات النقدية المستوردة من الغرب ووصفها بشكل خاطئ لا يتناسب ومعيارية فضاءاتنا الإبداعية، وخصوصية أسئلة الإبداع العربي. ولا يفوتني في هذه العجالة، إلا أن أسجل لبعض النقاد والجادين موقفهم الصارم في البحث والتنقيب في الحركة الإبداعية العربية، موظفين كل الموروثات النقدية قديما وحديثا جنبا إلى جنب مع طروحات المدارس النقدية الغربية بتنوعها وتباينها، دون الإخلال ببنية ووظيفة إبداعنا العربي. فهم يقدمون نبراسا حيا لعدم فقدان الأمل ، رغم قلتهم وندرتهم ربما؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح