الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الاختلاف الإسلامي المسيحي ومستقبل العالم

محمد الحمّار

2014 / 6 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لماذا ينتقد بعض المجددين الإسلامَ إلى حدّ الحكم على النص؟ منطقيا إنهم ينتقدونه لكي يسهموا في تطوير سلوك المسلمين وحياتهم، ومساعدتهم على مواكبة العصر. أي أنّ المسلمين بالنسبة إليهم حجة على الإسلام وبالتالي إن كانوا هم متخلفين فلأنّ الإسلام متخلف وإذا تبدّلَ الإسلام نحو الأفضل تبدّلَ معتنقوه نحو الأفضل.

إن كان هذا هو موقفهم حقا فالأمر مضحك حقا. و في هاته الحالة كيف يمكن اعتبار هؤلاء مجددين؟ في الواقع إنهم مخطئون في تقديرهم لعلاقة المسلمين بالإسلام ويخلطون بين هذه العلاقة وعلاقة المسيحيين بالمسيحية. كما أنّ من اتبعهم في هذا المنحى مخطئ أيضا. أما عن سبب وقوعهم في الخطأ فهو انبهارهم بثقافة الغرب واستلابهم لها وبالتالي انخراطهم اللامشروط في براديغمات التفكير الأورومسيحي. وإلا فهل من باب الصدفة أنهم عادة ما يكونون إما من المسلمين ذوي الجنسية المزدوجة والمقيمين في الغرب (تونسيون/فرنسيون من أمثال عبد الوهاب المدب ولعفيف لخضر أو من المسيحيين – الذين يضطلعون بمهام في التوجيه التشريعي العربي الإسلامي - على غرار الفلسطيني سامي الذيب)؟

في الحقيقة، نحن المسلمون نؤمن بكمال الإسلام ونؤمن بأنّ الخير والشرّ منبثقان في نهاية المطاف عن الإنسان- مسلما كان أو غير مسلم- لا عن دينه. والدليل على ذلك هو أن التديّن بالإسلام لم ولن يمنعنا من أن نكون متخلفين أو غير مميزين بين الخير والشر، حيث إنّ مبررات التخلف والتقدم لا يمكن أن تكون في داخل الإسلام، لأنّ حتى لو افترضنا جدلا أنّها متضمنة في الإسلام فإنها تتطلب عقلا لتجسيمها. وإن كان هذا العقل خاليا من القدرة على تحويل مبررات الشر إلى أفعال شر ومبررات الخير إلى أفعال خير.

وما من شك في أنّ المسيحيين يشاركوننا هذه الرؤية الإنسانية التي مفادها أنّ العقل هو مصدر الخير والشر. لكن هيهات، لنكن حذرين حيث هنالك خط أحمر يلوح للتوّ، وهو بمثابة خط التماس بيننا وبينهم. إنّ أولى بوادر الاختلاف بيننا وبين المسيحيين هي أنّ تحميلهم مسؤولية الخير و الشر للإنسان ولعقله كانت مسبوقة، كما يعلم القاصي والداني، بتطويع المسيحية للعقل بينما نحن لم نجرؤ على إصلاح العقل ابتغاء تأصيل هذه العقيدة الإنسانية، لا لشيء سوى لأننا نخشى أن نطوّع الإسلام للعقل، ناهيك أن نجرؤ على إصلاح النص الديني الإسلامي. وهذا مما يدل على أنّ عقل المسلمين في دينهم إن جاز التعبير.

فبالرغم من أنّ العقل مسؤول عن الخير والشر عند الطرفين المقارنَين، إلا أنّ الاختلاف بين طرف و آخر يبرز في مستوى تصنيف هذا العقل/الأصل. وهو تصنيف يتم حسب حساسية العقلين الاثنين – المسيحي والإسلامي - تجاه النص الديني الراجع لكلاهما بالنظر. فلئن كان العقل عند المسيحيين متحررا تماما من الإنجيل وذلك جراء الإصلاحات التي طالت الدين عندهم منذ القرن 15 فإنّ العقل عند المسلمين لم يكن أبدا منفصلا عن النص الديني قرآنا وسنة منذ أن أنزل الله القرآن.

للحوصلة نقول إنّ الخير والشر موجودان عند أولئك كما عند هؤلاء. و للاستدراك نضيف أنّ تطويع المسيحية للدين – أو "تطويرها – كان له أثرٌ على تحديد أصل الخير و الشر عند المسيحيين – وهو العقل المسيطر على الدين - وبالتالي لا مناص من أن يبرز اختلاف بين ماهية هذا الأصل بتعريفه المسيحي وماهية أصل الخير والشر بتعريفه الإسلامي الذي هو العقل المتصل بالدين.

بعد هذا لو قمنا بمقارنة بسيطة بين تبعات علاقة المسلمين بدينهم من جهة وتبعات علاقة المسيحيين بدينهم من جهة أخرى – وهي علاقة مختلفة كما شرحنا - فسوف نكتشف أثر تلك العلاقة على السلوك العام والسياسة العامة.

متى صارت علاقة العقل بالإسلام موضع شك ومراجعة؟ صارت هكذا لا بسبب استحالة تلاؤم النص الديني مع العصر ومع العقل لكن بسبب استهداف الإسلام على أنه حمّال لمبررات القصور العقلي عند المسلمين، أي استهداف الإسلام من طرف فئات مثقفة لكنها بالرغم من ثقافتها إلا أنها ابتعدت عن ثقافتها إن جاز التعبير. ونحن اليوم نعيش أثر هذا الاستهداف: عقلٌ مضطربٌ في علاقته بالقرآن والسنة كنتيجة لتدخل نخبٍ تحشر أنوفها في مسائل لا تهمها - بما أنّ معظم هذه النخب خارجة عن دائرة الإسلام - وكنتيجة للانحراف الفكري المنجرّ عن هذا التدخل ولحملات التشكيك التي تشنها هذه النخب على الدين الإسلامي.

مع هذا و بالرغم من اضطراب العقل لدى المسلمين تحت ضغط نخبٍ قلّما تعلم ما ينفع المسلمين نلاحظ أنّ لدى عامة الناس – وهم يشكلون المحرار الأدق لمَدَى قبول أية عملية إصلاح للدين - هذا العقل لا يحاسب النص أبدا، لا عن عدم قدرة هذا الأخير تمكين العقل من الوسائل الضرورية لمواكبة التطور، و لاعن الاضطراب مهما يكن من أمر. وهذا دليل على تقدمية العوام مقارنة بالخواص وعلى السبق الذي حققوه على هؤلاء في مجال الحفاظ على النص الديني.

إنّ هذه معاينة لموقف الجماعة، عند السنة كما عند الشيعة وعند جلّ المذاهب والأطياف الدينية. نستنتج منها أّنّ بالنسبة إلى المسلمين فإنّ أصل التخلف (مع افتراضنا أنه شر) لا يمكن أن يكون الإسلام، عِلما وأن هذا الدين قد أثبت عبر العصور تقدميته وجاهزيته لمواكبة التطور. إذن لماذا نطوره هو عوضا عن تطوير عقول المسلمين؟ أليست محاولات التطوير من داخل النص الديني آيِلة للنسيان؟

إنّ المسألة أكثر تعقيدا بالنسبة للمسيحيين - وهو تعقيد قد تم إسقاطه علينا المسلمين حتى أصبحنا نعاني من تبعاته - . فمن ناحية، يمكن الافتراض أنه حتى بالنسبة إليهم لا يأتي (الخير و) الشر مباشرة من النص الديني المسيحي. لكن لما نعلم من ناحية ثانية أنّ النص الإنجيلي الأصلي مرّ بتحويرات عديدة عبر التاريخ، نفهم أنّ هذا "التطوير" من الداخل كان بمثابة تقديم العقل على نص الإنجيل. وبالتالي نستنتج أنّ "تطوير" النص المسيحي هو ما عبّد الطريق للعقل عند المسيحيين ليصبح مضطلعا بالخير و بالشر لأنه صار متحررا و إلى الأبد من اللاهوت ومن ضوابط النص. لقد تصرّف المسيحيون في النص إلى أن أصبحوا هم النص، هم الدين، هم العقيدة المسيحية. إنّ دين المسيحيين "في عقلهم" بينما "عقل المسلمين في دينهم" كما قدمنا، مما يعلل المعاناة المفروضة على المسلمين سيما وأنهم في وضعية حضارية دونية مقارنة بالمسيحيين.

أما التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا المستوى فهو: هل أن المسيحيين، اليوم وقد مرت زهاء الثمانية قرون على حركات الإصلاح الديني الجذرية التي عرفتها أوروبا المسيحية، أقل مَيلا إلى اقتراف الشر جراء تطويرهم للإنجيل؟ و من ناحية موازية لماذا يلحّ باحثون مثل محمد شحرور أو هؤلاء المذكورين أعلاه وغيرهم على "تطوير" النص الديني للمسلمين – من داخله وبالرغم من أنهم يعيشون خارج دائرته- ؟ ألكي يصبح المسلمون خبراء في اعتناق نزعة يغلب عليها طابع الشر عبر عقل مطوِّعٍ لنصّ "متطوَر" مثلما حصل للمسيحيين؟

لو أخذنا الزمن الراهن معيارا لتقصي الشر الذي يقترفه الغرب المسيحي على الصعيد العالمي - من حروب وصناعة أسلحة الدمار الشامل ومن نهب للثروات الوطنية لبلدان العالم الثالث الغنية ومن تجارة بالأطفال وغيرها من المصائب – ثم لو أردنا الحكم عليها من المنظور الذي طرحناه أنفا، سندرك أن ليست هذه الأفعال البغيضة المتأتية من الحكومات المسيحية اليوم نابعة من المسيحية – ولا من الشعوب المسيحية - وإنما هي نابعة من عقيدة معتنقيها الدنيوية التي مفادها أنّ العقل صار أرقى من كل ديانة (ألم يصرح نيتشه أنّ الربّ مات؟)

بالموازاة مع ذلك، وحين يتعلق الأمر بالأعمال المدانة على غرار التعصب الديني والإرهاب المقترفة من طرف مسلمين، أعتقد أن ليست المشكلة في الإسلام هي الأخرى وإنما في المسلمين، الذين تأخروا في إصلاح العقل بما يوفر شروط المواكَبة السلسة للإسلام وللعصر معا. ولئن كان المسلمون لا يرغبون في أن يكون "دينهم في عقلهم" – على غرار المسيحيين – فهم مقصّرون في كونهم لم يستطيعوا إلى الآن تجسيم الكيفية العصرية التي يكون فيها "العقل في الدين" كما كان دوما في العصر الذهبي للمسلمين .

أما محاولات "المجددين" فهي كما رأينا مطبوعة بعقيدة التغيير المسيحية، بقوة لا تخلو من الصلافة، و بشكل لا رجعي. فما هي إلا دليل على تعنتٍ سافر ناجم عن رغبة في توليد نموذج للمسلمين يكون نظيرا للنموذج المسيحي. وكأنّ هؤلاء الباحثين مقتنعون بأنّ العقلانية المسيحية هي مَثلنا الأعلى فأرادوا محو أثر الاختلاف الذي بيننا وبين المسيحيين. بينما نحن تعلمنا أنّ في الاختلاف رحمة.

بالنهاية تكون نصيحة كل مسلم إلى هؤلاء الباحثين المصادرين لضمائر المسلمين أن يتركوا كل طرف ديني يعتني بدياره في كنف الاحترام. ومَن احترم غيره فقد احترم نفسه، إذ إنّ الاحترام المتبادل والقبول بالآخر المختلف كفيل بتمكين كل من المسيحيين والمسلمين من نحت مستقبل مشترك لعالم أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 6 / 25 - 22:40 )
أهلاً .
التاريخ يقول و يؤكد أن الإسلام بيئه علميه تطويريه , فمن بيئة الإسلام ؛ ظهر أساطين العلماء كـ : (ابن سينا) و (جابر بن حيّان) و (الحسن بن الهيثم) و (البيروني) ... ألخ .
فلو لم تكن بيئة الإسلام علميه لما رأينا هؤلاء العلماء , هذه هي الحقيقه .


2 - ابو بدر او خلف
يعقوب قطاطو ( 2014 / 6 / 25 - 23:06 )
مش مهم شو كان الاسلام المهم ما هو الاسلام الان


3 - أراء متناقضة
johnhabil ( 2014 / 6 / 26 - 08:02 )
.
انفصال الكنيسة عن الدولة في عصر النهضة الآوربية ، ليس معناه تطويع المسيحية
أو النص الإنجيلي للعقل لأن النص الآنجيلي هو تبشير وحكم وأمثال وأعاجيب + سيرة المسيح والفداءومجموعه قصة تُعلٌم حب الآنسان وحتى الاعداء
أما النص القرآني فهو ثابت وحكم واجب لا يتغير لا في المكان ولا في الزمان ** الآيه 29 من سورة التوية **وارتباط العقل الاسلامي بهذا النص دون انفصال يبقي المسلم يتراوح في مكانه للأبد ولذلك يقول الكاتب:بينما نحن لم نجرأ على اصلاح العقل ابتقاء تأصيل هذه العقيدة ونخشى أن نطوع الاسلام للمنطق،حتى أصبحت علاقة العقل والاسلام موضع شك ومراجعة بسبب استحالة تلاؤم النص الديني مع العصر أو العقل انتهى: مثال ملكات اليمين الرق --الرجم --- قطع يد السارق، وإذا كان ماهية أصل الخير والشر بتعريفه الاسلامي هو العقل المتصل بالدين ( أي النص ) وهناك آية تقول أن الدين عند الله الآسلام ، وإن الكفار رجس ، لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم ، وفي الفاتحة الآية 6 و7 اليهود هم المغضوب عليهم والضالين هم النصارى وهذا يثبت أن مبررات التقدم والتخلف تكمن في داخل الاسلام


4 - مبررات التخلف
johnhabil ( 2014 / 6 / 26 - 09:56 )
فإنّ العقل عند المسلمين لم يكن أبدا منفصلا عن النص الديني قرآنا وسنة منذ أن أنزل الله القرآن الكاتب انتهى
اذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط .
رفض الزراعة من القرأن
افتتحوا بلاد فارس وأصابوا كثيراً من الكتب وصحائف علوم فسأل ابن وقاص الخليفة عمر ماذا نفعل يها فأجاب ارموها بالماء
وقال ابن خلدون إذا تغلب العرب على أوطان اسرع إليها الخراب وهذه طبيعة منافية للعمران ومناقضة له
لماذا مرتزقة وبرابرة تكفيريين وارهابيين من 89 دولة جاؤا للقتال في سوريا حاملين راية الاسلام ؟
من أين وتحت أي بند، وبمفهوم أي شريعة صدر ونُفذ جهاد المناكحة؟
لماذا خرجت فتوى جهاد اللواط وتوسيع الأدبار في الرياض لتتسع كبسولة المتفجرة وارسالهم الى سوريا ؟
وإذا كان عقلك ياسيدي محمد الحمٌار مرتبطاً بالنص الديني فأنت وغيرك من المسلمين مسؤول عن أخذ الجزية من المسيحيين في مدينة الرقة في القرن 21
لماذا تتكلم عن قبول الآخر والمستقبل المشترك وأنت ترفض أراء وأفكار كتٌاب مثلك أمثال عبدالوهاب وعفيف وسامي ؟


5 - علماء مع وقف العمل
johnhabil ( 2014 / 6 / 26 - 10:59 )
العلماء الآربعة الفطاحل ابن سينا ابن الهيثم والبيروني وابن حيان من أين أخذوا علمهم هل من جامعة اسلامية وتتلمذوا على يد أساتذة مسلمين فطاحل وبالطيع سيكونون مشهورين أيضاً؟ وماذا خلفوا لنا من آثار علمية الم يكن لهم تلاميذ ألم تزدهر العلوم بعدهم هل ترك لنا البيروني رسماً للكاميرا أو صنع ابن حيان عجينة تي ن تي والا البيروني الفارسي الذي شككوا في كتابه اللاتيني أو أبن سينا الفارسي ومركزه الطبي الذي يحاضر به علماء الغرب اليوم ،هم أصلاً كانوالا يحبوه
- أبن تيمية قال أبن سينا كان وأهل بيته وأصحابه معروفين بالالحاد
كفره الغزالي في المنقذ من الضلال
أبن القيم نعته بشيخ الملحدين
الطوسي وصفه امام الملحدين
لك عمي حللوا عنا يا لاسيارة ولا طيارة ولا سفينة ولا حتى بابور كاز طول عمرنا نستورد حتى حجرة الحمام
يعطلوا نص المجتمع في البيوت ماكينات ولادة وير شوا ماء النار في وجه المعلمات ويخطفوا 300 بنت نيجرية لمنعهن عن التعليم واجبارهن على الاسلام ويقولوا كرم المرأة وقتلوا أكثر من 160 ألف سوري من أجل الدين السمح

اخر الافلام

.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-1


.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل




.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ


.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا




.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات