الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خِلافة داعش الراشدة

علي الخليفي

2014 / 6 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التاريخ لا يُعيد نفسه ، لكن عندما يتعطل عقل أمة ما ، وتتوقف عن الإبداع والإبتكار ، وينفق أفرادها كل جهودهم في محاولة إنتاج نُسخ مُطابقة لأسلافهم ، فإنهم بالمُحصلة سيعيدون إنتاج ذات الأحداث ، ويُنتجون ذات المُنتج ، فيظل التاريخ يسجل الأحداث المُكررة ذاتها ، وإن بشخوص مُختلفين.

عندما تجعل أمة ما ، من فترة زمنية مُحددة في تاريخها إنموذج ومثال ، وتُرسخ في وعي أفرادها ، أفضلية تلك الفترة الزمنية على كل ما سيأتي بعدها ، وتنسب لشخوص تلك الفترة كل الفضائل السامية التي يسعى الإنسان لبلوغها ، فيصبح لا هدف لها في الحياة سوى إعادة تلك الحقبة من الزمن ، عبر مُحاولة إستنساخ كل مُفرداتها ، فتجعل بذلك هدفها وراء ظهرها ، ويقتصر كل جهدها في النكوص للخلف . ويختفي من أفقها أي تصور للغد ، فغدها ورائها ، لأن الصورة المُثلى للغد عندها ، هي صورة تلك الحقبة الغابرة من الزمن .

الأدهى من ذلك أن أبناء هذه الأُمة ، لم يُفكروا حتى في إعمال عُقولهم في الأحداث المنسوبة لتلك الحِقبة ، ليتيقنوا من مثاليتها ومثالية شُخوصها المزعومة ، لكنهم توارثو وعياً مشوهاً ، ظل يترسخ في أذهانهم جيلاً بعد جيل ، وتم دعمه بنصوص يُصر أفراد تلك الأمة على أنها نصوص مُقدسة ، حتى صار وعيها المُشوه الذي توارثه حقائق مُسلّم بها ، لاتقبل النقاش ولا الجِدال .

ما إن تجادل أياً من المُغيبين ، المُتحمسين لتعاليم البداوة ، حتى يُحدثك عن الحضارة العظيمة التي أنتجتها تعاليم البداوة ، وعن دولة الحق والعدل التي قامت على الأرض في تلك الحقبة بسبب إتباع تلك التعاليم ، خاصةً في تلك الفترة التي جرى التعارف على تسميتها بالخلافة الراشدة ، والتي تولى الحكم فيها شُخوص يعتبرهم أولئك المُغيبين شُخوص مُقدسة ، الطعن فيها ، أو حتى إنتقادها يُخرجك عن الملة ، ويهدر دمك .

أولئك المُغيبين من غلمان بدو قريش ، لم يبحثوا في تفاصيل أحداث تلك الخلافة ، ولم يناقشوا رشدها المزعوم ، وهم في حقيقة الأمر لا يعلمون عنها شيئاً سوى النزر اليسير من المعارف السائدة التي أورثهم إيها أسلافهم ، ولو أنهم بحثوا لوجدوا أن تلك الخلافة كانت فعلاً راشدة جداً بالنسبة لبدو قريش ، وجيرانهم من عربان صحراء جزيرة العرب ، لقد كانت بالنسبة لهم دولة حق وعدل وخير ورفاه ، بل لقد كانت فردوساً أرضياً ولكن فقط لهم وحدهم.

فالبدوي الذي كان يعيش حياته يوماً بيوم ، مُحاصراً بصحراء جرداء ، مليئة بالأفاعي والعقارب والوحوش والجن والغيلان والمردة ، ذلك البدوي الذي وجد نفسه ينتقل من حياة الجوع والعطش والخوف ليسكن القصور على ضفاف دجلة والفرات والنيل ، ويملأ قصوره بأجمل نساء الأرض ، ويمتلك من الغِلمان ما لايُحصى ليقوموا على خدمته ، ذلك البدوي ولاشك كان مُحقاً في إعتبار تلك الحِقبة حِقبة مثالية ، وكان مُحقاً في وصفها بخير القرون ، وكان مُحقاً في إسباغ كل أوصاف التبجيل والتقديس على شخوصها ، الذين كانوا سبباً في نقلته تلك من الموت إلى الحياة.

لا أحد يلوم أولئك الأعراب البدو في تمجيد خلافتهم تلك وتقديس شُخوصها ، لكن العجب العُجاب ، أن يقوم من وقع عليه أذى ذلك البدوي ، وإكتوى بنيران مظالمه ، وخسر وطنه ومقدراته ، ليعربد بها البدوي ، وفقد حريته ليتحول إلى عبد ومولى للبدوي ، الذي أجبره على التخلي على معتقداته ، وسلب منه حتى لسانه ، ليبدله إياه بلسان البداوة ، العجب العُجاب هو أن يُمجد مثل هذا الإنسان دولة البدو ، وينسب الرشد لها ، وللطغاة ومُجرمي الحروب الذين تَوالو على حُكمها .

تَحدث الكثير ، وكَتب الكثير ، ودفع الكثير حياتهم ثمناً ، في محاولات يائسة لجعل عقول أبناء هذه الأمم المُستعبدة لتعاليم البداوة تُفيق ، وتتدبر وتتفكر فيما جرها إليه إستعمار البدو البشع ، والحال الذي أوصلها إليه إتباع تعاليم البداوة ، لكن يبدو أن تطاول الزمن ، جعل ذلك الإستعباد يتغلغل في جينات أولائك المُستعبدين .

اليوم يقدم الزمن خدمة مجانية لأولئك المُستعبدين ليفيقوا من غيبوبتهم ، فظهور داعش يمنحهم الفرصة لمشاهدة نُسخة طبق الأصل عن دولة الخلافة الراشدة التي يتعيشون على ذكراها.

متابعة ما تفعله داعش وأخواتها اليوم ، يمكن أولئك المُغيبين من آلة الزمن العجائبية ، لتأخدهم في رحلة مجانية عبر الزمن ، ليشاهدوا تلك النكبة التي حلّت بأوطانهم قبل ألف وأربعمائة عام ، على أيدي أولائك المُقدسين الذين ينسبون إليهم الرشد.

يستطيع المُغيبين عبر آلة الزمن اليوم ، مشاهدة إبن قُحافة ، وإبن الخطاب ، وإبن عفان ، وإبن أبي طالب ، في صورة البغدادي والجولاني والظواهري وغيرهم من هذه المُسميات ، أيضاً يستطيعون مشاهدة الحق والعدل والرخاء والرفاه ، الذي أوردته كُتب تاريخ البدو عن زمن تلك الخِلافة الراشدة جداً ، ذلك العدل والحق والرخاء والرفاه الذي كان حِكراً على البدو الغُزاة وحدهم ، حيت كانت خيرات الأمم التي أبتليت بهم ، تُحمّل إلى ديار البدو في يثرب ومكة وبقية مضارب البدو ، ممن يوالون بدو قريش ، في حين كانت أوطان هؤلاء المُغيبين تُجرف من خيراتها ، وتتحول إلى قاعٍ صفصف . وها هو ذات الأمر يتكرر اليوم ، ففي حين تحترق بلاد الشام والرافدين وبلاد الأمازيغ في الشمال الإفريقي ، ترفل ممالك البدو الجديدة في صحراء الحجاز وخليج الفرس في النعيم المُقيم ، آمنة من كل خوف ، شَبِعة من كل جوع ، في حين يتضور أطفال سوريا والعراق جوعاً في مُخيمات اللجوء ، ويتحولون إلى سلع معروضة للبيع والشراء.

آلة الزمن العجائبية تمنح الفرصة لكل أولئك المُغيبين اليوم ليفيقوا من غيبوبتهم ، وأن يكفوا عن إتباع تعاليم البدو ، وعن جعل خلافة البدو التي لم تعرف الرشد أبدا ، أن يكفوا عن جعلها وجهتهم ومقصد آمالهم وهدفهم في الحياة ، وأن يرسموا لأنفسهم صورة لدولة يكون فيها الحق والعدل والرخاء والرفاه حق لهم ولأبنائهم ، وليس حِكراً على البدو والعربان الذين ينسبون لأنفسهم الرشد ، وها نحن نرى رشدهم ، ورشد تعاليمهم من خلال ما يفعله خَلَفهم والقائمين على تعاليمهم من الدواعش ، مما يجعل الدنيا بأسرها لا تكتفي بنفي الرشد والخيرية التي يدعونها لأنفسهم عنهم ، بل تُجمع على أنهم بالفعل يستحقون وبدون مُنازع لقب أحمق، وأظلم ، وأردأ أُمة أُخرجت للناس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أزفت أمة
علام ( 2014 / 6 / 29 - 13:46 )
فعلا من يقرأ تاريخ القوم و فتوحاتهم و فظائعهم يدرك أن تلك الفترة تستحق أن تُسمى (أخرأ فترة عرفها التاريخ) و عذرا لأنني لم أجد تعبيرا يليق بها من (أخرأ) من الخراء .. إذا كانوا باعترافهم يسجلون أن ابن أبي طالب مثلا كانت له تسع عشر جارية (عبدة) غير الزوجات فكيف تكون تلك الفترة غير أنها أخرأ .. تحياتي يا أستاذ علي الخليفي


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 6 / 29 - 17:32 )
الكاتب لا يفقه شيء من قراءة التاريخ! .
هل يعلم الكاتب أن نظام الخلافه الراشده قامت على مبدأ (الشورى) , و هل يعلم الكاتب أن الأمه أجتمعت بالسقيفه لأختيار من يقود الأمه؟... أنها الديمقراطيه , بعكس أباطرة الرومان و الفرس ؛ الذين كانوا يحكمون عبر الوراثه و الملك , و كأن الشعوب و الأرض ملكهم .
هذه وحدها تصفع كل من يجهل التاريخ , فلا بأس أن أعطيه حصص دراسيه مجانيه بالتاريخ .


3 - لماذا
شام ( 2014 / 6 / 29 - 22:49 )
لماذا سمي العصر الذهبي وهو أسواء العصور واكثرهم دموية وإجرام
بدو لا يفقهون شيء في الدنيا سوى القتل والذبح والسطو وسبي النساء بأمر من أمرائهم منسوب من الله.لعنة الله عليهم
تحياتي للكاتب


4 - ابو قحافه
على سالم ( 2014 / 6 / 30 - 05:19 )
يعتبر المجرم ابو بكر (عليه اللعنه) السبب الاول فى انتشار الاسلام الرهيب بعد ان نفق رئيس العصابه موتا بالسم ,لقد قام هذا السفاح المسعور بحروب الرده والتى قتل فيها الاف المسلمين بعد ان تركوا ديانه الذبح والنكاح والسطو المسلح واللواط ,كيف تمت هذه الجريمه البشعه على يد هذا القاتل الاثيم ,ديانه الاسلام انتشرت بحد السيف فى ذلك الزمان الاغبر ,حروب الرده يجب الاهتمام بها جدا وتسليط الاضواء عليها فى جميع المحافل الدوليه ,يجب على العالم اجمع ان يعرف التاريخ الاسود للعربان الاجلاف القتله المقملين ونشر ديانه الارهاب بالقتل والذبح وجز الرقاب ,انها الدليل الدامغ على انتشار الاسلام البدوى الاجرامى بحد السيف والتصفيه الجسديه ,اللعنه على السعوديه فى كل زمان ومكان ,هذا الثعبان القاتل الاجرب البدوى


5 - و فى مصر
هاني شاكر ( 2014 / 6 / 30 - 11:16 )

و فى مصر
______

ممارسات دولة ألخلافة ألأخيرة ألداعشية تتطابق مع تعاليم و صراخ و دعوات سلفى مصر ألكبار برهامى و ألحوينى ... و لم ولن نسمع منهم أى تعليق على ألممارسات ألداعشية !

ياترى بماذا يحلمون ؟ بالجوارى و ألغلمان ؟ بقطع ألرؤوس و ألأوصال ؟ ببيع ألنساء و ألأطفال ؟ ... ألم تتطابق دعواتهم و تعاليمهم مع ممارسات داعش ؟

......



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب