الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أناقة الصعاليك

سيومي خليل

2014 / 6 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الكاتب : سيومي خليل
أناقة الصعاليك
-----------------------

أفرق جسمي في جسوم كثيرة *** وأحسو قراح الماء والماء بارد
عروة بن الورد .
------------------------

أظن أن ما سماهم تاريخنا الأكاديمي بالشعراء الصعاليك هم أول ثوريوا العرب ،وهم أول الفردانيين الذين ثاروا على أعراف وقوانين القبيلة الجائرة ،هكذا تخلصوا من كل ما يربطهم بالعادات البالية التي لم ترق لهم ، أو هكذا انتقموا لنبذ القبيلة لهم خصوصا من كانوا أبناء زوجات قيان / خادمات.

تعرف قواميسنا العربية الصعلوك بنعوت غير لائقة ،وإن كان مفهوم الصعلوك قبل من سموا بالشعراء الصعاليك يحمل دلالات مهينة ، إلا أنه بعدهم ستصير لها دلالة الشجاعة ومحاربة الظلم والتوحد مع الطبيعة ، إنهم لم يكونوا شداد آفاق ولا قاطعي طرق ، إنهم كانوا بلغة السياسة الحالية معارضين لنظام القبيلة ، كانوا مليشيات معارضة ومسلحة ، تشن هجوما على قبائل يسودها ظلم شديد ، وإقصاء ممنهج .

إن صياح مجموعة من الفقراء ،كما تحكي كتب التاريخ ، على الشاعر عروة بن الورد * أغثنا يا أبا الصعاليك * يعني أن الصعلوك كان له دور المنقذ ، دور المنجي من ظلم العديد من الطواغيت ،الذين يختبئون وراء قوانين القبيلة ومراتب المسؤولية فيها ،كما يختبئ الكثيرون الآن وراء المناصب .

لغويا الصعلوك هو الفقير الذي لا يملك مالا أو قوت يومه . ستلتحق بهذا المعنى معاني آخرى ستفرضها سلوكات العديد من الشعراء المسمون ظلما صعاليك ، لذا لنتفق على تسميتهم ب*الشعراء الثائرين على نظام القبيلة *. هؤلاء الشعراء سيغيرون معنى كلمة صعلوك التي عنت الفقير والعدم ، وباتت تعني ذلك الذي لا يهتم بجمع المال ، المغوار ، الذي يعاند القبيلة لأنها تمنع عنه تحقيق فرديته ، أو الراغب في رد الاعتبار لنفسه أمام قبيلة نبذته ...

سيعي الشعراء الثائرون على نظام القبيلة بأهمية فكرهم ، وبقدراتهم اللغوية ، والحربية ، لذا سيشكلون قبيلة معارضة ليس فيها نفس التراتبية التي تحكم قبائلهم الرافضة لهم ، ولا فيها تلك القوانين التي تجعلهم يشعرون أنهم غير واحد كما فعلت قبائلهم . سينظم الشعر رابطا بين هؤلاء الشعراء ، فهم اختلفوا في أشياء كثيرة ، لكن جمعهم عشق غير منتهي لديوان العرب ، لمهم هذا الجنون الشعري الذي ينفثون فيه وبه حر دواخلهم . يمكن اعتبار تجمع هؤلاء الشعراء ،كتجمع لأفراد ينتمون إلى المعارضة ، أفراد وصل بهم السخط إلى منتهاه فيما يخص سياسة قبائل نفتهم عنها ، فهاموا على وجوههم إلى أن جمعتهم الصدفة وسط الصحاري القاحلة وشديدة الحرارة ؛ إنهم يشبهون تجمع الثوار الماركسيين في أدغال امريكا اللاتينية وشنها هجوما على الكثير من البلدان الرأسمالية .

يسوق التاريخ الأكاديمي أن الصعلوك شخص فاسد يمكن أن يفعل كل شيء من أجل لقمة العيش ، هذا ما لم يمتثل له شعراؤنا الثائرون ، فهمهم لم يكن لقمة العيش على الإطلاق ، فهذا لم يكن ما يؤرق هؤلاء الشجان ، بقدر آلامهم الخاصة بالتهميش والظلم الذي عاشوه . لقد كانوا ذوي استراتيجيات حربية جيدة ، حيث كانوا يعرفون أوقات الإغارة ، وأماكنها ، ويعرفون من سينهبونه ،ولم يكن نهبهم ليمس الفقراء ، بل إنهم درجوا على توزيع ما يسرقونه على هؤلاء الفقراء ، بل إنهم لم يكونوا يغيرون على الأغنياء الشرفاء ، وهذا دليل على عدم حملهم حقدا لفقرهم أو ضيق حالهم ، بقدر ماحملوا حقدا على أولائك الأغنياء غير الأشراف الذين يسرقون ويفسدون في القبائل . يقول أبو خراش الهذلي في أخلاقه ، وهي أخلاق صعلوك ،وفي كرمه ، وفي عدم تهافته على الدنيا :
وإني لأثوي الجوع حتى يملني ***فيذهب لم يدنس ثيابي ولاجرمي
وأغتبق الماء القراح فأنتهي*** إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
أرد شجاع البطن قد تعلمينه*** وأوثر غيري من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم وذلة*** و للموت خير من حياة على رغم.

ليس هناك ما يشين في حياة هؤلاء الشعراء الثوريين ، فحياتهم كانت أطهر من حياة الكثير من الشعراء الذين ضربت بأشعارهم الأمثال . يكفي أن الشعر الذي يحفظه التاريخ لهم يدل على عمق أحاسيسهم ، يكفي أنهم رفضوا أن يقولوا شعرا يمدحون فيهم غيرهم ، أو يتذللون به لأمراء القبائل ، بل علينا أن نتذكر أنهم أول من كسر بنية القصيدة الجاهلية *واسم الجاهلية هو الآخر غير منصف ويخضع لتأثير أكاديمي لا غير * ،وما هذا التجاوز لقانون شعري صارم إلا رغبة في تجاوز القوانين المعمول بها ، القوانين التي لم تكن تمثل إلا جماعة الأسياد الأحرار لا غير ، أما الباقي فكانوا جنود القبيلة الذين يجب عليهم الإمتثال والطاعة .

الشاعر تأبط شرا في الواقع لم يتأبط إلا الشعر ومعارضة فاسدي القبائل ، لم يتأبط إلا حبه للفلاة ، تأبط الكرم ،وعزة النفس ... لكن يجب أن لا ننسى أن نظام القبائل كله اتحد لمحاربة هؤلاء الشردمة ، ومن بين أنواع المواجهة تغيير الأسماء، وتشنيعها ،وتمسيخها ،حتى ينسى الإسم الأصيل والأصل للشاعر الثائر ،والغريب في الأمر أن تعليمنا المعطوب دائما ما يعلن اللغة الرسمية كلغة واحدة لتقديم مفكري ومبدعي ثراتنا . هذه الأبيات التي قالها تأبط شرا ، ستجعل أي تلميذ كسول ، يسأل الأستاذ ؛ وهل يقول شاعر تأبط شرا مثل هذا الكلام الجميل والنبيل . يقول من لم يتأبط شرا :
يقول أهلكت مالاً لو قنعت به *** من ثوب صدق ومن بز وإعلاق
عاذلتي إن بعض اللوم معنفة *** وهل متاع إن أبقيته باق.

في النهاية يمكنني أن اعتبر ان الشعراء الثورييون هم اول من قام بإغارات ثورية على بؤر الفساد الذي مارسته مجموعة من القبائل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار