الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار بين أمريكا والإسلاميين: المنطلقات والأهداف -الحلقة الثانية-

سعيد مبشور

2005 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"(من) غير المفهوم رفض الحركات الإسلامية (للإصلاح الأمريكي)، وهي ضحية الفساد والاستبداد، والخاسر الأكبر من إبقاء الوضع على ما هو عليه، وستكون المستفيد الحقيقي من الإصلاح، إن هي أحسنت التعامل معه" المهندس عبد المجيد مناصرة نائب رئيس حركة مجتمع السلم "حمس" الجزائرية، نقلا عن موقع إسلام أونلاين.

الطرف الإسلامي: الحاجة أمّ الحوار
----------------------

تباينت مواقف حركات الإسلام السياسي من الحوار مع الأمريكان، فمن متوجس من كون المسألة لا تعدو كونها محاولة لتدجين هذا التيار وإدماجه في فلك القوى السياسية المتأمركة، إلى أولئك الذين اعتبروا الطرح الأمريكي مجرد بوابة عبور إلى التطبيع الكامل مع المشروع الصهيوني، فيما يرى البعض من قيادات الحركات الإسلامية أن الفرصة مواتية للاستفادة من الرغبة الأمريكية في الإصلاح والتغيير، وأن الحركة الإسلامية لن تخسر بقبولها هذا العرض الاندماجي، أكثر مما تخسره فعلا من خلال بعدها عن مراكز التأثير في عملية الحكم والإدارة ببلدانها، ثم إن الحركات الإسلامية المقصودة بالحوار هي في طبيعتها قوى إصلاحية، فلماذا ترفض مشروعا مثل هذا، قد يقودها إلى تحقيق كل أو جل ما ترمي إليه من برامج الإصلاح، ومع أن الظاهر الأعم هو رفض معظم هذه التيارات للجلوس على مائدة الحولر مع أمريكا، وهو رفض يخشى البعض من تأثيره على رغبة الدوائر الغربية في انتشار الإصلاح الديمقراطي بالمنطقة، إلا أنه لا توجد مؤشرات تنفي استمرار التواصل والاتصالات الإسلامية الأمريكية في الكواليس.
أما عن الأسس النظرية لقبول إسلاميي الحركات السياسية بتفاصيل المشروع الأمريكي، فإنها كانت دائما موجودة في الجهاز المفاهيمي لهذه الحركات، فالتيار الإسلامي ينطلق في تعاطيه مع الآخر من بداهة عقدية، إذ أن الإسلام في جوهره، وفي عمقه، دين يلتقي فيه الإنسان بأخيه الإنسان على أرضية الحوار، ولذلك فقد أسست دعوة الإسلام لهذا النوع من العلاقة النفسية والعقلية والعاطفية بين بني البشر، وجعلت منه وسيلة للطرح الرسالي، وأفقا للتواصل والانتشار، واعتمدت السلام والانفتاح والحفاظ على شخصية الآخر وكينونته، وحقه في التميز والاختلاف، منهجا رئيسا في حسم الصراعات الفكرية والمعرفية، بعيدا ما أمكن عن منطق العنف والعداء المجاني، والخلفيات القيمية المسبقة.
وعلى قاعدة "بالتي هي أحسن" وكذا "الحكمة والموعظة الحسنة"، تفوق الطرح الإسلامي على كثير من مخالفيه، ووصلت دعوة الإسلام إلى قلوب وعقول الناس على اختلاف مستوياتهم وطرائق تفكيرهم.
هذا المتكأ العقدي، يجعل التيار الإسلامي على اختلاف مكوناته، يؤمن بالحوار ابتداء، خصوصا مع المخالف، ويخلق لديه نوعا من قابلية التجاذب السجالي مع كل منهج نقيض، على أن درجة الإيمان بالحوار ومستوياته تتغير بتغير مشارب الجماعات الإسلامية، ومرتكزاتها النظرية.
وإذن، ليس هناك إسلامي واحد، قد يصد هذه الحقيقة أو يدحضها، لأن المسألة تتعلق بإحدى ثوابت المنهج القرآني والنبوي في التعامل مع الآخر، لكن هناك من قد يشذ عنها، أو يكيفها حسب المصالح وأولوية الثوابت داخل دائرة صراعه الفكري والسياسي.
وإضافة إلى المنطلق العقدي فإن ثمة احتياجات ملحة خلقها واقع عقود من الصراع، والكر والفر، بين الحركات الإسلامية وكثير من خصوم مشاريعها وطروحاتها، من أنظمة وتيارات سياسية، ولعل المبادرة الأمريكية تشكل فرصة لهذه التيارات من أجل تجربة الحوار مع الخارج، بعدما فشلت في فرض نفسها كطرف قوي في الحوار على المستوى الداخلي، وهو ما يعني اتجاهها – في حالة الانسجام مع مشروع الحوار – إلى استغلال الظرف الدولي الراهن، وغطاء الانفتاح والإصلاح الذي أعلنته أمريكا على الخصوص في العالم العربي، ولم لا التمكن من الظهور على الساحة العالمية، كطرف معترف به، بعد سنين طوال من الحرمان والإقصاء والتهميش، ثم إنها فرصة غير مسبوقة للتوفر على هامش أكبر من الحركية والقدرة على المنافسة، ومن ثم التحول إلى منهج القيادة والدولة، وما يستتبعه من امتيازات والتزامات، بدل الاكتفاء بموقع الرقيب المعارض تارة، ووضع العدو المتابَع في أحيان كثيرة.
إن الحركة الإسلامية التي طالما عانت من وأد تجاربها السياسية، حتى تلك الراقية منها، والتي وصلت فيها إلى الحكم كليا أو جزئيا، ومن صعوبة إفراز واقع بديل أكثر فاعلية وجاهزية، لأسباب ذاتية وموضوعية متعددة، تجد نفسها اليوم أمام محك الدخول في تجربة التعاطي مع التحولات العالمية باعتبارها جزءا من الأزمة الكونية الجديدة، وجزءا من حل معضلاتها، وعاملا حاسما في إعادة صياغة العلاقات الدولية، وتمكين المجتمعات والشعوب من التعبير عن طموحاتها وأفكارها، والدفاع عن انتماءاتها، بكل حرية وموضوعية، هذه الشعوب التي لا تنفك تلوذ بالإسلام كلما عصفت بها رياح الأزمات، فيصبح مطلب الدولة الإسلامية هو التعبير الاجتماعي عن عقيدة التوحيد كما يرى ذلك الأستاذ راشد الغنوشي.
ولئن كانت حركات الإسلام السياسي قد فقدت جزءا من بريقها بفعل الامتدادات الراديكالية التي أضحت تربح المسافات في العلاقة مع الشعوب والمجتمعات، فإنها مطالبة اليوم بإعادة إحلال ثقافة الإسلام التعددي المتسامح، الذي يقبل بالآخر ويتعايش معه، ويجعل من السياسة مجالا لتوظيف الدين في التوازنات المحلية والدولية، والاستفادة من إمكانات التعبئة ورص الصفوف التي يتيحها الخطاب الإسلامي.
إلا أن ثمة مشكلات بنيوية تعاني منها هذه الحركات، وتجعل الكثيرين يشكون في مقدرتها على القيام بأي دور حقيقي في تأطير مجتمعات أريد لها أن تركب قطار الحداثة، الذي يناقض في جوهره الخطاب التقليدي للحركات الإسلامية، ناهيك عن الصعوبات الجمة التي قد تعرقل اتجاه الإسلاميين المعتدلين إلى مساريب القيادة والحكم في البلدان الإسلامية.
فقواعد الحركات الإسلامية يلزمها وقت طويل من أجل استيعاب التحولات العميقة التي قد تظهر في الخطاب السياسي لتنظيماتها، وقد تكون هذه القواعد عرضة لاستقطاب مضاد خصوصا من الحركات الجهادية، تشجع عليه الأحداث المتوالية على العالم العربي والإسلامي، من هجمة خارجية شرسة، وانهيار في سلم القيم الأخلاقية، وتدهور في مستوى العيش، وانتشار الفساد المالي والسياسي، وبطء في عملية الاستفادة من الاندماج في نظم الحكم والعملية الديمقراطية.
ولطبيعة التحول الذي يعيشه التيار الإسلامي الآن، من كونه بدأ في تجاوز الحالة الدعوية والثقافية والاجتماعية، إلى الظهور كبنية تنظيمية اجتهادية سياسية، هدفها الحصول على وضع معترف به داخل المجال السياسي، والانتقال من خندق الخصم الأمني إلى حالة الوهج السياسي، ومن ثم الانتفاع من الموارد المادية والمعنوية لهذا الوضع، فإن مستجد الحوار الذي يطرحه طرف أمريكي ظل موضع عداء، وشك وعدم ثقة من عموم الإسلاميين، قد يخلق نوعا من الخلخلة داخل صفوفهم، إذ أن ثمن مثل هذا التقارب سيكون مكلفا على مستوى المواقع، والمواقف، والاجتهادات، مما قد يضعف البنى البشرية لهذه الحركات، وقد يعصف بمصداقيتها أمام أنصارها قبل عموم الجماهير، خصوصا وأن عملية التوافق مع المشروع الأمريكي تقتضي ضرب المكونات النقيضة من التيار الإسلامي، والتي لها رصيد مهم من التعاطف والامتداد الشعبي.
هذا وإن على الحركة الإسلامية إن هي رغبت في ملء الفراغ الحاصل على مستوى الساحة السياسية، أن تجيب على إشكالات أخرى تتعلق بنوعية الخطاب الذي يتعرض لكثير من النقد والتجريح، نظرا لطغيان الطابع الانفعالي وردود الفعل الشديدة التوتر على فكر وممارسة مختلف التيارات العاملة في الحقل الإسلامي، وكذا غياب تصورات وبرامج واضحة للإسهام في إغناء العملية السياسية، بل إن حركات الإسلام السياسي تقبع طويلا في الخطاب الاحتجاجي، حتى إذا ما أتيحت لها فرصة العمل والمشاركة السياسية، لم تفعل سوى اجترار تجارب التيارات المتقدمة عليها نظرية وممارسة، وما أن يملك الفصيل الإسلامي مفاتيح العمل حتى يغدو محض سياسي تقليدي أسير النفعية المغلفة بغطاء الواقعية، تتجلى فيه مختلف فنون المراوغة والقدرة على التلون واقتناص الفرص، والحنكة في مجال التفاوض وربح الصراعات السياسية.
وإن مما يخشاه خصوم الحركة الإسلامية هو تناقض تعبيراتها مع خطاب الحداثة الذي طالما كان محوريا في مشاريع القوى الليبرالية والتقدمية الأخرى، وأن يرتد المجتمع إلى النظام الشمولي المخالف لطبيعة الديمقراطية، وبذهب آخرون إلى كون قبول بعض الإسلاميين بالديمقراطية وتبنيهم لما يمكن ان نسميه بخطاب "الإنقاذ الوطني"، ليس سوى مرحلة تكتيكية تلتف بها القوى الإسلامية على مطلب الدولة الدينية التي هي حقيقة مراميها، وليست قناعة استراتيجية أصيلة أو مبدأ صادقا في ممارساتها، وهذا يوجب على الإسلاميين تقديم اجتهادات وأجوبة على مقاس الدولة الحديثة و ، وهي اجتهادات ليست بالسهلة بالنظر إلى الضعف البين لدى هذه الحركات في التعاطي مع لغة التحديث والمدنية والعصرنة، والتباين الكبير بين مختلف التيارات الإسلامية في تأويل النصوص الشرعية وإمكانية تنزيلها على الواقع الموضوعي، وكذا مركزية قضية الحاكمية في المشروع الإسلامي، لكن هذا لا ينفي وجود محاولات لتطوير الفكر السياسي الإسلامي بما يواكب الركب الحضاري، وهي طروحات تتسم في كثير من الأحيان بالعمومية وتعويم المفاهيم مما يؤثر على درجة تقبل مختلف الأطراف لمشروع إسلامي يرونه غير واضح التفاصيل والمعالم.
إن عملية الإصلاح التي يقترحها المشروع الأمريكي، والذي تشكل التيارات الإسلامية المعتدلة جزءا منه، يفرض على الحركات الإسلامية أن تمارس إصلاحات أكبر خارجه، في العلاقة مع الذات من حيث تجاوز النظرة المتمركزة حول أحقيتها مفردة في تمثيل الشعوب والحديث باسمها، واعتبار بعض الاجتهادات التاريخية نسخا نهائية للتطور الإنساني على مستوى الإبداع الفقهي والمعرفي، هذا إضافة إلى ضرورة إعادة تأهيل طاقاتها وكوادرها وفق المنظور الجديد للصراع، وإعداد برامج تربوية وثقافية داخلية بديلة، تنتج أجيالا من القواعد مستعدة لاستيعاب الاختلاف والتعايش مع الآخر في إطار المشروع المبتكرلإعادة إنتاج الوجود.
ثم إن على حركات الإسلام السياسي التعامل مع واقع الاستراتيجية الأمريكية في ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، وإذا كنا نعلم أن الإسلاميين يتبنون الخطاب الوحدوي، فكيف سيتعاملون مع كون المشروع الشرق أوسطي يتضمن اتجاها واضحا نحو إحلال الدولة الفيدرالية كشكل ملائم للطموحات الأمريكية في المنطقة، وهل ستتحول الحركة الإسلامية إلى أداة لإقرار التشرذم والتفتيت، وبالتالي التخلي عن خطاب الوحدة والإجماع لصالح الطرح الواسع لحقوق الأقليات والطوائف؟ أم أنها تمتلك رؤية أخرى قد تتجاوز بها الطرح الأمريكي وتؤسس بها لدولة تستوعب كل التلوينات الطائفية والعرقية والثقافية بكل حرية، ودون حيف أو تمييز؟
ثم إن هذه الحركات مطالبة أيضا بتقديم جواب واضح يتعلق بموقفها من العولمة وهيمنة القوى الكبرى على اقتصاديات العالم الفقير واستهدافها لقيمه الثقافية والحضارية، هذه الهيمنة التي تنتج باستمرار ممانعة شديدة من شعوب المنطقة، تتعدد أشكالها وتجلياتها، فهل تكون الحركات الإسلامية أداة انتقال من التصادم إلى التعايش بين ضفتي المعمور، أم أن حالة الحوار بين الإسلاميين وأمريكا مجرد حلقة في تطور تاريخي قد يفضي إلى تكريس عوامل الانهيار في المعسكر الأمريكي، ويدفع بالتالي إلى بروز القوى السياسية الإسلامية كإحدى ركائز التوازن في عالم مغاير، بمعايير تقاطبية بديلة، غير تلك التي تستفيد منها الولايات المتحدة الآن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال