الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا اغتالوا سعادة ؟ قراءة في تاريخ لبنان الحديث

احمد عسيلي

2014 / 7 / 10
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في 8 تموز /يوليو ، و منذ 65 عاما ، أطلقت رصاصة الرحمة في رأس مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي ، و ذلك بعد محاكمة صورية هزلية . و قد ظن ساسة المنطقة أنذاك أنهم باغتيال سعادة قد اغتالوا فكره تماما ، و أنها مجرد أشهر و ستطوى صفحة الحزب السوري كما طويت صفحات العديد من الأحزاب الأخرى ، سواء التي أسست في (لبنان الكبير !!! ) أو الشام ، لكن أثبتت الأيام أن سعادة لم يكن حالة طارئة أو مجرد موضة فكرية اكتسحت المشهد السياسي كما توقعوا ، بل هو حالة متجزرة و أصيلة في التراب السوري . و من أجل القضاء على هذا السياسي ، تضافرت جهود كل من قادة (لبنان الكبير ) مع المخابرات السورية أنذاك ، و بعض المخابرات الخليجية و المصرية ، بالإضافة الى قيام السعودية بتقديم مبلغ 6 ملايين دولار الى الرئيس السوري حسني الزعيم مقابل تسليم الزعيم أنطون سعادة ، فلماذا سعت كل تلك الأجهزة و القادة للقضاء على سعادة ؟؟
الجواب بمنتهى البساطة هو الواقع الحالي التي تمر بها الأمة السورية !
و للتوضيح أكثر أرجو من القارئ التمهل ، و المضي معي في هذه الرحلة عبر تاريخ لبنان الحديث ، و الذي كان سببا في إيصال حال الأمة السورية إلى الواقع الذي تعيشه الآن .
-2-
تأسس لبنان أولا بمساعي البطريركية المارونية ، كي يصبح وطنا للمسيحيين في الشرق ، و كان يضم أولا جبل لبنان فقط ، و للسخرية كان يطلق على هذه المساحة الجغرافية ، و التي لا تزيد عن 5 الاف كيلو كتر مربع ب (لبنان الكبير ) ، لكن أضيف لها لاحقا بعض الأجزاء من الساحل السوري ، والمتمثلة في طرابلس و بيروت و الجنوب ، من أجل صنع إطلالة بحرية لهذه الدولة الكبيرة ، لكن و مع تأسيس هذه الدولة اكتشف اللبنانيون أنهم ضموا إليهم عدد أكبر مما يتخيلون من المسلمين ، سنة و شيعة ، و درج الغربيون و اللبنايون على وصف الدولة الوليدة ب (اللبنان أكبر مما يجب ) ، فالفارق العددي بين المسيحيين و المسلين كان ضئيلا جدا ( 402 الف مسيحي مقابل 370 الف مسلم )
هل كان هذا الخطأ في صناعة لبنان خطأ غربي غير مقصود ؟؟
و مع تولي كميل شمعون زمام الرئاسة ، بدأ باضطهاد المسلمين ، و الدخول في أحلاف غربية استفزازية للمزاج المسلم السائد أنذاك ، و الذي يحمل فكرا قوميا عربيا و معاديا للغرب ، ونتج عن الضغط الشمعوني على المسليمن أول حرب أهلية في تاريخ الجمهورية الوليدة عام 1958 ، انتهت بوصول فؤاد شهاب إلى السلطة ،و الذي حاول استمالة المسلمين و إدماجهم في الدولة ، و بدأ النفوذ المسيحي بالتراجع التدريجي ، و بزيادة النفوذ الإسلامي ، لتمر لبنان بحرب أهلية ثانية انتهت بنزع معظم صلاحيات الرئيس الماروني و تسليمها إلى رئيس الوزراء السني ، أو المجلس مجتمعا كما نصت وثيقة الطائف ، و هكذا يكون اتفاق الطائف قد أعلن وفاة لبنان كوطن للمسيحيين ، و ولادة لبنان القائم على أسس التعايش أو المناصفة الطائفية ، و ذلك بعد 46 عام من استلام كميل شمعون ، المسيحي المتعصب و الدكتاتوري لمنصب الرئاسة .
لكن تحت القشرة الخارجية تلك ، كانت هناك نوايا أخرى و مستقبل مختلف للبنان ، فالجيش السوري بقيادة حافظ الأسد ، و بعد منحه لبنان كهدية لتعاونه مع الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية ، أصبح مسيطرا على زمام الأمور في لبنان ، و يرتبط الرئيس السوري بعلاقات وثيقة جدا و استراتيجية مع قيادة إيرانية جديدة ولدت أثناء الحرب الإهلية اللبنانية ، و تسعى هذه القيادة لإنشاء هلال شيعي في المنطقة ، ومن خلال النفوذ السوري بدأت إيران بالتغلغل في الحياة السياسية اللبنانية ، و بموافقة الحليف السوري ، جرد الجميع من السلاح باسثناء حليفها الشيعي الرابض على الجنوب اللبناني ، و لأن السلاح و القوة هي التي تقرر موازين القوى في لبنان ، في ظل انعدام مركزية الدولة ، فقد أصبح القرار السياسي بيد حزب الله حليف إيران ، و هكذا طويت أيضا صفحة التفاهم السني الماروني بين رئاسة الوزراء و الرئاسة ، لتصبح الخيوط كلها في (لبنان الكبير ) بيد سلطة الظل ، أي حزب الله الشيعي .
فماذا بقي من لبنان ؟؟
بالتأكيد ما سطرته في الأعلى و بشكل موجز جدا ، لم يكن بالأمر الهين أو الإنتقال السلس، فانزياح السلطة اعتبارا من كميل شمعون المسيحي المتعصب و الدكتاتوري ، لتنتهي في يد حسن نصر الله المسلم الشيعي المتعصب كسلطة ظل و أمر واقع ، كلف لبنان عشرات الألولف من الشهداء ، و حربين أهليتين ، و احتلالين ،اسرائيلي في 1982 ، و ميليشوي من قبل حزب الله في 7 ايار 2008 .
بالإضافة الى بقاء لبنان ، و لاحقا سوريا ، ميدانا لصراع القوى الإقليمية و الدولية ، و بالتالي إنهاء الحالة السورية ، المنافس الحضاري للوجود الاسرائيلي .
لكن ما علاقة كل ذلك باغتيال سعادة ؟؟
العلاقة يا سادتي أن كل ما حدث في لبنان منذ أكثر من نصف قرن ، و ما يحدث الآن في الشام ، كان نتيجة لأمر واحد ، و هو سيطرة العقلية الطائفية و أمراء الحرب الممثلين لطوائفهم على المشهد السياسي في كل دول الكيان السوري ، فلم يأت أبدا رئيس سلطة بصفته المواطنية ، أو ممثلا لمشروع وطني أبدا ، بل جاء كل الحكام بصفة مذهبية فقط ، و اعتمدوا في حكمهم على الطائفة فقط ، بل إن جهاز الحكم في سوريا كلها سواء الوزراء ، أو المديرين العامين ، بل حتى مديري الأقسام و الفروع ، جاؤوا بصفة مذهبية ، و دينية فقط ، و هذا الأسلوب في الحكم يناسب القوى الإقليمية و الدولية ،لأنه يترك في البلاد أحقاد و فراغات يستطيع من أراد الدخول من خلالها و زعزعة الإستقرار ،
و هذا ما أدركه سعادة منذ البداية ، و حاول تأسيس دولة بمعنى الكلمة ، قائمة على أسس المواطنة و المواطنة فقط ، فاستلهم ماضي الأمة و درسه ، و حلله جيدا ، للخروج بالفكر القومي الاجتماعي ( و ليس الفكر القومي ) كأسلوب عمل مضاد لاسلوب العمل الطائفي ،
و قد تميز سعادة بعدة صفات فريدة ، نادرا ما تجتمع في شخص واحد ، هذه الصفات هي :
1- مفكر موسوعي استطاع قراءة تاريخ الشعوب كلها ، كما قرأ تاريخ المنطقة وواقعها ، هذه القراءة بالإضافة الى الذكاء الفطري ، جعلته يكتشف نقاط ضعف الأمة ، و يكتشف ما يفكر به أمراء حرب المنطقة ،مما دفعه للقيام بمشروع مضاد يحمي به أمته
2- قائد كاريزمي ، و هو ما يميزه عن بقية المفكرين العظام ، فمعظم المفكرين كانوا متفرغين لشؤون الفكر ، و عاجزين عن الحشد و الخطابة و القيادة ، و هو ما توفر في شخص سعادة
3- غير مرتبط بقوى دولية ، و لا طائفية محلية ، و هذا ما ميزه عن المشروع الشيوعي مثلا ، و الذي حمل فكر لاطائفيا ، لكنه مرتبط بالإتحاد السوفييتي ، و بالسياسة السوفييتة ، و أيضا ميزه عن فكر الحزب التقدمي الاشتراكي ، و شخصية كمال جنبلاط ، و التي تمثل الحامل السياسي للطائفة الدرزية ، رغم اسم التقدمي ، و رغم المشروع اللاطائفي ، و محاولة جنبلاط الزج بالعديد من شخصيات الطوائف الأخرى في الحزب ، لكنه بالنهاية حزب طائفي بمشروع طائفي
4- سرعة انتشار الحزب ، و اكتساحه للمشهد السياسي اللبناني و السوري معا ، فخلال مدة قصيرة من وصول سعادة من مغتربه ، استطاع تشكيل قوة سياسية و قاعدة شعبية صدمت السياسيين و الحكام في سوريا و المنطقة كلها ، و جعلتهم يستشعرون مدى التهديد الذي يشكله الفكر القومي الاجتماعي على لبنان وسوريا التي يرغبون بها ، و جعلتهم يدركون أنه باكتمال مشروع القومية الإجتماعية ستسد كل الفراغات التي يستطيعون من خلالها النفاذ الى الجسد السوري .
لذلك اغتالوا سعادة ، و لذلك مازلنا ندفع الى الآن ثمن الطائفية المنتشرة في منطقتنا ، و ليس لنا طريق للخلاص إلا من خلال سد الفراغات الطائفية ، و إحكام العقل ، من أجل بناء مشروع مواطنة حقيقية ، و الإدراك العميق أن كل فتنة أو اقتتال طائفي ، يحمل بذور الخراب للجميع ، لنا و لشركاؤنا في الوطن .
فهل نتعلم من دروس الماضي ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال


.. تصريحات عمالية خلال مسيرة الاتحاد الإقليمي للاتحاد المغربي ل




.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا