الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبضيع الأنثى

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 7 / 11
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


في السوق، كان أول ما يفعله المشتري هو أن يمسك بشفتي الدابة فيباعد بينهما بغلظة مقززة ليكشف عن أسنانها ويفحص بنفسه إذا كانت كاسرة، أو قد تجاوزت السن المثالية؛ ثم يلتفت إلى جسمها وقد يجسه ويتحسسه بأصابعه المتسخة، ليتأكد إذا كانت مكتنزة وملتفة القوام أم نحيلة ولا يكاد لحمها يستر عظمها. السن الصغير والجسم الممشوق الملفوف هما من أهم المعايير المرغوبة في البقرة إذ تبشر بقدرة عالية على التحمل والإنجاب، فضلاً عن صورة جميلة تسر الناظرين لاسيما المشتري الذي يرى أن من حقه التمتع بالخلف والجمال نظير ما صرفه من حر ماله على بضاعته. لأن المشتري لم تربطه في السابق أي علاقة معرفة أو عشرة سابقة بالبقرة، هي في عينه مجرد بضاعة تباع وتشترى، بقرة مثل أي بقرة.

في عالم الإنسان، حين لا تكون ثمة علاقة معرفة وعشرة سابقة بين الرجل والمرأة يكون الرجل في نظر المرأة مجرد ذكر مثل أي ذكر، وتكون المرأة في نظر الرجل مجرد أنثى مثل أي أنثى. فما دامت الهوية الشخصية قد توارت لصالح الطبيعة الغرائزية، يصبح الأكثر ذكورة من بين الرجال هم المفضلين في عيون النساء والأكثر أنوثة من بين النساء هن المفضلات لدى الرجال. من ثم تتحول المرأة إلى مجرد بضاعة (امرأة مثل أي امرأة) في عين الرجل، الذي لا يزيد بدوره عن مجرد مشتري (مشتري مثل أي مشتري) في نظر المرأة. في ظل علاقة التبضيع المتبادل هذه، لا يرى الرجل في المرأة، مثل البقرة، أهم من سنها الصغير وقوامها الممشوق الجميل حتى لو كانت في الصفات الشخصية من أغبى وأحط النسوة على وجه الأرض. في المقابل أيضاً لن ترى المرأة في الرجل أهم من عناصر القوة الشرائية (الفتوة، المال، الجاه، السيطرة).

لو كان المشتري على معرفة وعشرة سابقة بالبقرة، ما كان بالطبع سيحتاج إلى معاينتها معاينة البضاعة النافية للجهالة؛ كان، بفضل العشرة والتجارب المشتركة بينهما، سيعرفها جيداً وأحياناً أكثر من معرفته لنفسه؛ كان سيعرف ما هي بالضبط نقاط القوة والضعف، الإيجاب والسلب، المميزات والعيوب فيها؛ ماذا يفرحها وماذا يحزنها؛ كيف يكسب رضاها ويتفادى غضبها؛ متى يلاعبها ومتى يتركها لحالها. باختصار، كانت العلاقة بينهما ستكون أكثر تفصيلاً وعمقاً بكثير من مجرد علاقة المشتري ببضاعته. هي عندئذ لن تكون بقرة مثل أي بقرة والسلام لكن البقرة الأفضل والأحب إلى قلبه من بين كل البقر على وجه الأرض حتى لو كانت أكبرهن سناً وأقلهن جمالاً. خلاف جميع الأبقار الأخرى، ثمة معرفة وعشرة مشتركة (علاقة حب؟!) جمعت بينهما ولا يستطيع أن يعوضها لا سن أصغر ولا جمال أكبر.

في عالم الإنسان، نفس علاقة المعرفة والعشرة هذه هي التي تجعل في نظر كل واحد منا أباه الرجل الأفضل في العالم، وأمه المرأة الأفضل في العالم، وهو شخصياً الشخص الأفضل في العالم لا لشيء سوى لأنه الأكثر معرفة وعشرة بهم وبنفسه من بين كل الرجال والنساء والشخوص على وجه الأرض. علاقة التبضيع لا تقوم في وجود المعرفة والعشرة المشتركة (أو علاقة الحب).

هكذا، طالما حرمت الفتاة من الشروط اللازمة لإقامة علاقة معرفة وعشرة مشتركة (حب) مع الفتى، ستظل في نظره مجرد بضاعة أنثوية (فتاة مثل أي فتاة) توزن بمقاييس انتفاخ الصدرين وانحناء النهدين واحمرار الخدين والشفتين وكحل العينين حتى لو كانت أغبى وأنكد فتاة في الكون، وهو في نظرها مجرد مشترى (الذي يدفع أكثر يكون صاحب الحظ والنصيب). في مثل هذا الوضع الغائبة منه شروط المعرفة والعشرة المشتركة (علاقات الحب) لا يلتفت كثيراً لسمات شخصية ذات قيمة جوهرية وحاسمة بخلاف ذلك مثل المستوى العلمي، الثقافي، الذكاء، الذوق، العطف، الرقة، عذوبة الحديث، المرح، الانضباط، الاقتصاد،...الخ. هكذا ينتهي الحال بأفضل البنات إلى العنوسة، ببساطة محزنة لأنهن قد اخترن لأنفسهم طريق العلم وبناء الشخصية وسط بيئة متخلفة لا تزال مصرة ببلادة نادرة على معايير صغر السن والقوام الممشوق فوق وأهم من أي معايير أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 11 - 20:08 )
شروط عقد النكاح الإسلامي :
الأول: أن يتخذ المجلس الذى صدر فيه الإيجاب والقبول .
الثانى: أن يسمع كل واحد من العاقدين كلام الآخر ويفهم ما يراد به، فلا ينعقد الزواج إذا كان أحد العاقدين أصم، ولا إذا كان أحدهما لا يفهم المراد من الكلام.
الثالث: ألا يخالف القبول والإيجاب فى شئ يُعد عند التحقيق مخالفة، وذلك بأن يختلف المعقود لهما أو أحدهما أو يكون ما ذكر فى عبارة القبول شرًا مما ورد فى الايجاب سواء أكانت المخالفة فى كل جزء من أجزاء الايجاب أم كانت فى بعض أجزائه دون بعضها الآخر.
وفى هذا أكبر دليل على مساواة المرأة بالرجل فى حقها فى قبول الزواج أو رفضه والاعتداد بإرادتها فى هذا العقد .

اخر الافلام

.. المحامية انتصار السعيد


.. في يومه الثاني ملتقى العنف الرقمي يناقش الوقاية والاستجاب




.. اليمنيات بين التحديات والإنجازات المسيرة مستمرة


.. الحروب والكوارث الطبيعية تُعرض الأطفال للإصابة بالاكتئاب




.. الشهباء تكتسي ثوبها الأخضر بقدوم فصل الربيع