الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصعود من القمة

محمد ابداح

2014 / 7 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لطالما إعتقدت أن بلوغ القمة يعني الوصول لأعلى قمة شجرة التين المعمّرة، والقابعة خلف فناء منزل جدي لأبي ، ومن ثم الجلوس فوق أحدى جذوعها الكبيرة ، والفوز ببعض ثمرات التين الناضجة والتي لا يستطيع الوصول إليها وتذوق طعمها اللذيذ سواي أنا وأخي الأصغر مني، فقد كان ذلك الموقع المرتفع من الشجرة مبلغ هدفنا كل صباح، وسرّنا المشترك، حيث تكون ثمار التين رطبة وندية، وقد إعتدت الإحتفاظ ببضع ثمرات لوالدتي كي إعطيها إياها في كل مرة ، إلاّ إن ضبطتني جدتي لأبي متلبساً بالجريمة أثناء نزولي من الشجرة، فكانت تنهرني كمذنب، ثم تصادر الثمار مني وتأكلها، ولم أكن ألومها وربما لو عاد الزمان بي لجعلت لها نصيبا حتى وإن لم تشاهدني .
وقد كنت بعدهاأصعد مجدداً لأعلى الشجرة كي أحضرحضر حصة أمي اليومية من التين ، فور إنشغال جدتي بإستخراج البيض الطازج من بيت الدجاج الكائن في الطرف الآخر من حديقة المنزل، وعلى الرغم من ذلك إلاّ أني كنت أشعر بأن جدتي كانت تسلب مني شيئاً ثميناً حينها، وعلمت لاحقاً بأن ذلك الشيء يدعى سرقة الجهد.

ويبدو أنه كان ثمة من يعلم بسر تلك الثمار فيشاركنا متعة التذوق الصباحي، ولم يكن الأمر بحاجة إلى محقق على طريقة (شيرلوك هولمز) لمعرفة الجاني، والذي كان يترك أثاراً واضحة على بعض ثمار التين،تبدو كنقرات محفورة تخلفها مناقير طيور البلابل وعصافير الزرزور، غير أن تلك الطيور لم تكن تتذوق، بل كانت تأكل لتعيش، وقد لاحظت بأن تلك الطيور لم تكن تشاركنا في تناول ثمرات التين في الصباح ، وإنما كانت أيضاً تشاركنا في وداعة طفل وتأمل حكيم وتنهد عاشق، مشاهد منظر غروب الشمس الرائع وهي تختفي خلف جبال القدس قبيل المساء، وإني لأكاد إجزم بأن تلك الطيور كانت تتأمل وتشعر مثلي بالفرح والسكينة.
وربما قبل أن أملّ الطفولة كغيري، تعلمت من شجرة التين تلك الكثير، فأفضل الثمار توجد بقمّتها، وأن الحصول عليها يستحق العناء، وأن الجلوس على جذوعها وتأمل المناظر الطبيعية، يولد شعوراً رائعاً، ويبعث فينا طاقة نفتقد إليها اليوم، وأن الإحتفاظ بالسر مهما كان بسيطاً فهو بمثابة المحفاظة على مصدر الرزق، وأنه ثمة كائنات أخرى تعيش بيننا وتشاركنا متعة الحياة، وبأن ما يكون للبعض مجرد لهو ممتع، هو للآخرين سبيلاً للبقاء، وأن الحفاظ على جهودنا من تعدي الآخرين هو واجب، غير أن الأهم من ذلك كله، أننا وبقدر ما كنا نمّل الطفولة، بقدر ما شكلت لنا طفولتنا قمة صعودنا، بكل ما تحمله من براءة وإصرار ، لذا على الإنسان أن يتذكر دوما أنه حيثما كان فهو في القمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جهود إيجاد -بديل- لحماس في غزة.. إلى أين وصلت؟| المسائية


.. السباق الرئاسي الأميركي.. تاريخ المناظرات منذ عام 1960




.. مع اشتعال جبهة الشمال.. إلى أين سيصل التصعيد بين حزب الله وإ


.. سرايا القدس: استهداف التمركزات الإسرائيلية في محيط معبر رفح




.. اندلاع حريق قرب قاعدة عوفريت الإسرائيلية في القدس