الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تدعيش المشرق العربي
شريف صالح
2014 / 7 / 12المجتمع المدني
تدعيش المشرق العربي
كأن المشرق العربي مصاب بلعنة شكسبيرية.. كأنه خريطة للدم والنفط والسلاح ورائحة البارود وأرواح الأبرياء وكلمة الرب ومعارك الأديان والمذاهب. خريطة منذوره للخراب والدمار والموت. وبعد أن كنا نتحدث عن نموذج "سايكس ـ بيكو" انتقلنا إلى نموذج "داعش" حيث تجري عملية تدعيش المنطقة إلى دويلات عرقية وطائفية تعيد إنتاج تخلفها وعجزها. ولا نملك هنا إلا أن نلقي نظرة عين الطائر على المسار العام للمنطقة طيلة سبعود عقود، كي نعي خطورة اللحظة الحالية:
1. يضم المشرق العربي ثلاث كتل رئيسية: منطقة الهلال الخصيب (العراق، سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن)، مصر والسودان، وشبه الجزيرة العربية. وفي لحظات كان كتلة سياسة واحدة، وأحيانا ينقسم إلى كتلتين أو ثلاث.
2. في مطلع القرن العشرين شهد المشرق العربي ثلاث ظواهر متشابكة: ثورات ودعوات للاستقلال عن الاستعمار والدولة العثمانية، السعي لإقامة إسرائيل، حُمى البحث عن النفط. والمفارقة أن الدول الاستعمارية نفسها هي التي تولت ترتيب عملية الاستقلال ورسم الحدود (سايكس ـ بيكو)، وأيضاً مهمة استخراج وتكرير النفط، كما تبنت بالطبع إنشاء وطن قومي لليهود إلى أن زرعت وسط هذه الكتل الثلاث دولة إسرائيل رسمياً عام 1948
3. في ضوء ذلك انقسمت كتلة "الهلال الخصيب" تباعاً إلى خمس دول، وشبه الجزيرة العربية إلى ست، يُضاف إليها اليمن، وانقسمت دولة مصر والسودان، إلى دولتين.. مصر، والسودان، ثم انقسمت السودان نفسها إلى دولتين، وظهرت سيناريوات تقسيم مصر إلى ثلاث دويلات.
4. هذا الترتيب، وإعادة التركيب، لجغرافية المنطقة، ضمن لمستعمر الأمس أن يحتكر استخراج وتكرير النفط وتقييد سعره في السوق العالمي، والتحكم في تجارة السلاح إلى دوله، إضافة إلى الحماية المطلقة لوجود وأمن إسرائيل بالفيتو والتفوق العسكري، والتحكم في المواقع والمعابر الإستراتيجية في المنطقة، وإدارة صراعاتها.
5. طيلة سبعة عقود لا توجد منطقة أخرى في العالم عانت ما عانه المشرق العربي من حروب، فالعراق وحده دخل ثلاثة حروب متواصلة لربع قرن، ضد إيران، ثم ضد الجارة الشقيقة الكويت، ثم حرب أميركا لإسقاط صدام 2003، ثم استكمل دائرة الدم بما يشبه الحرب الأهلية الداخلية في السنوات العشر الماضية انتهت بظهور "داعش"! كذلك مصر خاضت ست حروب: في 48، و56، و67 و73 عدا عن حرب الاستنزاف وحرب اليمن، ولبنان عانى حرباً أهلية لقرابة 16 سنة من 1976 حتى 1990 تلتها عدة حروب ما بين حزب الله وإسرائيل آخرها حرب تموز 2006، وفلسطين هي أساساً في حرب متصلة ومفتوحة منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى اليوم، تضمنت مجازر وإبادة جماعية وتهجير قسري، وحروب خاطفة ما بين حماس وإسرائيل آخرها المشتعلة الآن.
6. بحسبة بسيطة شهدت المنطقة خلال أقل من سبعين عاماً أكثر من 30 حرباً، معظمها حروب متصلة لعقود من الزمن! تقدر فيها الخسائر بملايين القتلى، وخسائر مالية تصل إلى أرقام فلكية جداً، ففي دراسة نشرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط قدرت تكلفة الحروب في المنطقة خلال عشرين عاماً فقط بحوالي 12 ترليون دولار (والتريليون يساوي ألف مليار، أي نضع أمام الرقم 12 ثمانية عشر صفراً!!) ما يعني أن تلك الحروب دمرت البنية التحتية، والحياة الاجتماعية للشعوب ورفاهيتها واقتصادها، ومستوى الخدمات فيها من صحة وتعليم ومواصلات.
7. كما أضعفت من فرصة إقامة أنظمة ديمقراطية، رغم أن دولة مثل مصر افتتحت برلمانا قبل أكثر من 150 عاماً!! وحالت دون وجود حكومات رشيدة تمتلك استقلالها وقرارها الوطني، حيث غلب على شكل الحكم النزعات الاستبداية والعمالة لقوى الاستعمار والخيانة والاغتيالات والفساد.
8. من الواضح أن ثمة إصرارا على إبقاء هذه المنطقة مشتعلة، بدءاً من ثورات الاستقلال ضد الاستعمار مروراً بالحكم العسكري الاستبدادي والاغتيالات وتأميم المجال السياسي، وصولاً إلى تفكيك هذه الكتل مرة أخرى، وتفتيت المفتت، إلى مزيد من الدويلات على أساس عرقي وطائفي، والظهور التدريجي لجماعات دينية إرهابية، سنية وشيعية، وتوسيع دائرة الفوضى والحروب الداخلية امتداداً من اليمن أقصى جنوب الجزيرة العربية، مروراً بما يحدث في سورية والعراق وحتى ليبيا. وقد نشرت صحيفة "الحياة" اللندنية نقلاً عن "نيويورك تايمز" وثيقة سياسية تشير إلى تفكيك 18 دولة عربية إلى دويلات إثنية وطائفية وعشائرية، ليصل عدد الدول العربية من 22 دولة حالياً إلى 40 دويلة، تضمن بالتأكيد تفوقاً مطلقاً لإسرائيل، والمزيد من النزاعات والتخلف، ورواج تجارة السلاح، ونهب الثروات منها النفط، والتحكم في المواقع والموانئ الاستراتيجية.
9. إن معظم ما نراه إذاً هي حروب تدار بالوكالة، ولأهداف لا علاقة لها بقيمة وطنية أو دينية يعتد بها، وما لم تتمسك حكومات هذه المنطقة بقرارها الوطني، وبالحد الأدنى من التنسيق فيما بينها، وما لم تتجنب شعوبها فخاخ الطائفية والعرقية، فإنها سوف تستمر في الانزلاق نحو المزيد من الخراب والفوضى، والذي يترجم إلى مزيد من القوة لإسرائيل، ومزيد من الأرباح لشركات النفط والسلاح في أوروبا وأميركا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. متحدث حركة فتح عبد الفتاح دولة: إذا كان اتفاق غزة مقتصرا على
.. عائلات محتجزين إسرائيليين يتظاهرون في واشنطن لحث ترمب على إع
.. مشاهد لعودة النازحين إلى ديارهم المهدمة في قطاع غزة
.. نازحة فلسطينية من ذوي الاحتياجات الخاصة تتحدث عن معاناتها لع
.. ترمب يعفو عن أنصاره المعتقلين بسبب أعمال الشغب في الكابيتول