الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام و العلمانية : خرافة التوافق

محمود جرادات

2014 / 7 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع انتشار التطرف الإسلامي في البلاد ذات الأغلبية المسلمة ، و في المقابل التقدم العلمي و الأدبي و الفني في الجزء الآخر من العالم ، أو ما يسمى في أدبيات الإسلاميين (بلاد الكفر) كان من الطبيعي وجود فئة مسلمة مثقفة كرست نفسها للتوفيق بين الإسلام و العلمانية ، و ذلك لهدفين أساسيين ... أولهما تجميل الدين الإسلامي و تصويره بأفضل صورة ممكنة في مواجهة المد الإلحادي الذي يرفض الإسلام جملة و تفصيلاً، كما يرفض الأديان الأخرى معه أيضاً ، و إقناع (العالم الآخر) أن الإسلام بريء من تخلف و رجعية الجماعات المتطرفة التي لا تمثل الدين حسب وجهة نظرهم .
و ثانيهما هو محاولة الإلتحاق بركب العالم المتطور اقتصادياً و علمياً و ثقافياً ، و الذي لم يصل إلى هذه الحالة ، إلا بعد صراع مرير و مخاض عسير ضد الحكم الكنسي الذي ساد أوروبا طيلة قرون طويلة. و من أشهر الجماعات التي تعتمد مبدأ التوفيق هما (القرآنيون) و (المعتزلة) ، و الجماعة الأولى ترفض اعتماد السنة النبوية لأنها في رأيهم مصدر النصوص المتطرفة المشوهة للإسلام، في الوقت الذي يُعتبر فيه القرآن حسب وجهة نظرهم (الغريبة جداً) مصدر نصوص التسامح و الإعتدال.
على الأرجح فإن من مصلحة الشعوب المسلمة ، أن يتوافق الإسلام مع العلمانية ، و أن تدعم نصوص دينية هذا المبدأ ، طبعاً بعد عصرها و لي عنقها و تأويلها 180 درجة . من مصلحة المنطقة و الشعوب أن ندعم مشايخ (المودرن) من أمثال عدنان ابراهيم و حسن المالكي و إياد جمال الدين و الحبيب الجفري ، للتخفيف من التطرف و لجر الناس إلى الاعتدال و الوسطية و التسامح ، و محاولة الحاق الدين الإسلامي بركب التطور الغربي كما أسلفنا ، و الحفاظ على الشعوب من إجرام العصابات و الميلشيات الإسلامية المجرمة ، بغض النظر عن حقيقتها و الدافع وراء وجودها ، و هذه مسألة أخرى ليست صلب موضوعنا هنا.
لكننا أمام مفترق أخلاقي في هذه الحالة ، إذ أن الحقيقة المرة تقول ، أن العلمانية في الإسلام، بما تتضمنه من ايدولوجيات تحسب ضمن إطارها ، من ليبرالية و شيوعية و اشتراكية و قومية .... الخ ،و فصل لأحكام الدين عن التشريع ، هي كفر بواح ، و ذلك لما ورد في القرآن : " و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" و في موقع آخر " فأولئك هم الظالمون" و هنا تستوي كلمة الكافرون و الظالمون لأن آية أخرى تقول " و الكافرون هم الظالمون" و يقصد هنا بالظلم هو ظلم الناس لأنفسهم من خلال ابعادها عن الحق (من وجهة النظر الإسلامية) و القائها في التهلكة " و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون"
و جاء أيضاً في القرآن " فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليما" و هذا كله يصب في أن الحكم الإسلامي هو الحكم الوحيد المسموح فيه و لا يمكن تجاوزه أو تحكيم ايدولوجية أخرى مكانه ، و عدا ذلك يعتبر كفراً صريحاً و مسوغاً شرعياً للإطاحة بنظام الحكم.
أما عن علاقة المسلمين بغيرهم ، و التي تعتبر من النقاط المهمة في العلمانية التي تساوي بين الجميع على اختلاف معتقداتهم، فقد ميز الإسلام بين أصحاب العقائد الأخرى و بين المسلمين ، فالبشر مصنفون في الدين حسب معتقداتهم إلى مراتب وفقاً لأديانهم ، المسلم يأتي في المرتبة الأولى و أهل الذمة في المرتبة الثانية و البقية في مرتبة ثالثة ، مع الاعتراف أن اصحاب المرتبة الثانية و الثالثة متساوون في مصيرهم النهائي في جهنم خالدين فيها ، و يشبه هذا الترتيب بوجه ما ، التصنيف النازي للبشر ، و نظام الطبقات في الديانة الهندوسية ، مع التنبيه على وجود اختلافات جوهرية أيضاً .
لم يتردد القرآن في إهانة غير المسلمين بطرق عدة وصلت درجة الشتيمة المباشرة و أقل من ذلك أحياناً ، فقد جاء في أهل الذمة " حتى يعطو الجزية عن يد و هم صاغرون" و جاء في وصف اليهود " مثل الذين حُمِلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" و جاء في وصف الكفار " أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا".
من هنا تتحدد علاقة المسلمين بغيرهم من خلال علاقة استعلائية فوقية تمييزية ، "لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين" حتى لو كانوا من أقرب المقربين إليهم "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" و هذا ما يسمى بعقيدة الولاء و البراء ، و يمكن مراجعة الكثير بل و الكثير جداً من الكتب و المقالات حول الولاء و البراء و اتفاق العلماء حولها، بدعم نصوص شرعية واضحة مثل تلك التي أوردناها، و التي حرصت أن تكون من القرآن فقط حتى أجاري اولئك الذين يحاولون التوفيق بين الإسلام و العلمانية و بالأخص جماعة القرآنيين .
للإضافة نورد رأي بعض المفكرين في الدول الإسلامية في مسألة العلمانية و الدين، و إن أوضح كلام ورد في المسألة هو ما قاله عبد الوهاب المسيري، عندما صنف العلمانية إلى جزئية و شاملة . الجزئية تعني فصل الدين عن المعاملات العامة و القوانين و التشريعات، و إن كان لا بأس باستلهام (روح) بعض الأساسيات في الشريعة بما لا يتعارض مع روح الدولة المدنية ، أما العلمانية الشاملة فهي تحييد الدين بشكل مطلق تماماً و الحجر عليه قدر الإمكان ، فيما يشبه ما حصل في الاتحاد السوفييتي سابقاً، و لو بصورة قانونية و ليس بالعنف الذي استخدمه رؤساء السوفييت سابقاً ، أو ما يسمى علمانية متشددة على غرار النموذج الفرنسي و التركي الأتاتوركي .
راشد الغنوشي ، القيادي الإخواني التونسي ، و الذي يعتبر نسبياً (غير متطرف) و تحتمل افكاره حداثة لا بأس فيها ، يوافق (بشروط) على مبدأ العلانية الجزئية ، و إن كانت وجهة نظره تحتمل براغماتيةً أكثر من كونها فكر أصيل ، في حين يرفض بشكل قاطع العلمانية الشاملة .
المفكر المصري الشهير ، سيد القمني ، يربط تقدم أي مجتمع بتخليه عن الخرافة و الأوهام الغبيبية كما يسميها ، و يقول أن الدين و التطور لا يجتمعان ، على الأقل في الزمن الحاضر ، و أن التوفيق بينهما هو ضرب من العبث لا طائل منه ، فكيف يمكن الجمع بين العلم (الذي هو أساس تطور المجتمعات و الدول ) و بين نقيضه ( الدين) !!
أعتقد جازماً ( و الكلام هنا يعود لي) أن العلمانية و الدين لا يمكن التوفيق بينهما في إطار مشترك ، المعضلة في الأساس تكمن في نقض الدين لكل ما ينتقص من شموليته و كماله المفترض ، و بالتالي لا يمكن مزاحمة أي إطار فكري آخر للدين الإسلامي لأن النتيجة الطبيعية لذلك هو الإقصاء الفكري و أحياناً الجسدي لحاملي هذا الفكر (المناقض) . و أميل هنا بالتأكيد للرأي الأخير الذي يتبناه المفكر المصري سيد القمني في استحالة جمع المتناقضات و التأليف بينهم.
كما ذكرت في البداية ، من وجهة النظر البراغماتية من مصلحتنا دعم هذا التآلف المزعوم لما له من ايجابيات عديدة في نقل الفكر إلى منطقة الوسط بعيداً عن التطرف، لكنني لا أجد أن هذا التقاطع ممكن من الناحية الفكرية ، في الحقيقة ، الفكر المتيقن الواضح لا يمكن ان يكذب من أجل أهداف معينة حتى و إن حملت الكثير من الإيجابيات.
في الحقيقة .... الإسلام و العلمانية لا يجتمعان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ل
rami ( 2014 / 7 / 12 - 22:58 )
اخي الاسلام الحالي و العلمانية لا يجتمعان ، لكن لو نسخنا القران المدني و حولنا الدين الى مجرد اعتقاد شخصي (لا اكراه في الدين ) فيمكن جمع العلمانية و الاسلام الجديد ( او كما يسميه الاسلاميون الاسلام منزوع الدسم )


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 12 - 23:26 )
أولاً : لا أعلم ماذا عملت العلمانيه للبشر؟... نرى دول علمانيه (أفريقيا + آسيا + شرق أوروبا) تقبع في وسط التخلّف , فما هو تفسير العلمانيين لهذا التخلّف؟ .
ثانياً : من قال أن الإسلام هو بيئة تخلّف؟... لو كان الإسلام بيئة تخلّف (ركز على كلمة بيئه) لما وجدنا علماء كبار , من أمثال : (ابن سينا , الرازي , الحسن بن الهيثم , البيروني , ابن حيّان... ألخ) يخرجون من هذه البيئه .
ثالثاً : لا يوجد تمايز في الحكم الإسلامي ؛ بين المسلمين و غيرهم , فقد قرأنا عن وجود (وزراء و حجّاب) للخلفاء من ابناء الديانات الأخرى .
رابعاً : تابع :
مناظرة العلمانية والإسلام - د. هيثم طلعت و مصري ملحد :
https://www.youtube.com/watch?v=RJijFFi01aA


3 - الصراحه واجبه
على سالم ( 2014 / 7 / 13 - 01:07 )
اتفق تماما مع وجهه نظر السيد الكاتب ,نعم انه من السخف ان يحاول الاسلامجيه المنافقين الكذبه التحايل لكى يجعلوا العلمانيه تتفق مع دين محمد الصلعم بكافه الطرق والاكاذيب والحيل البلهاء ولى النصوص الوحشيه فى كتاب القرأن الغير شريف ,العلمانيه ودين المخبول صلعم ماهم الا خطان متوازيان ولايلتقيان ابدا ,لابد للمسلمين المعتدلين ان يكفوا عن هذا العبط واحلام اليقظه والاستهبال وان يعملوا العقل ,لابد لهم ان يعلموا ان الاسلام دين غير حضارى ودموى ووحشى وبدوى والواجب ان يتشجعوا ويلقوا هذه العقيده الشريره فى صندوق القمامه ,لابد لهم ان يصلوا الى هذا الاستنتاج حاضرا او اجلا

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah