الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات قرآنية خاصة.

مختار سعد شحاته

2014 / 7 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




أعرف أن هذا المقال ربما يراه البعض تكئة للهجوم، أو لتحميلي ما لا قبل لي به، فما سأورده في تلك السطور محض تأملات خاصة رأيتها في اللفظ القرآني، وقمت بنشرها فرادي في شهر رمضان الفضيل، ورأيت أنه تأكيدًا لما أؤمن به من فتح دلالات الأمر "اقرأ" أن أعيد نشرها، فلربما تجرأ البعض ليكشف لنا عن مكنون قلبه حين يستوقفه النص القرآني المبدع لغة وبلاغة، وربما يجري الله الحق على لسان البعض ممن هم ليسوا أهلا لها، فالحكمة ضالة المرء المؤمن ينشدها أينما كانت، وهنا رأيت ضالتي في تأملاتي تلك والخاصة، والتي لا تعبر بحال عن تفسير أو تأويل بقدر ما تمثل –انفتاحًا ما- قراءة مغايرة للنص.

1- "إياك نعبد وإياك نستعين":
أي أن كل العبادة مقطوعة عليك وموقوفة فلا يجوز القول بالعبادة لما سواه، وفاسد منطق من يدعي عبادة لغيرك.
وكذلك فكل الأعمال مبدوءة بقرينة الاستعانة إذ يختلف أثر هذا العمل على صاحبه المستعين فما ينتهي اليه المرء المستعين حقاً يخالف كل مظنون عن طبيعة العمل وصفته؛ فالصبر حلا ليعقوب وكان جميلا حين استعان على افتراء ولده إثر فقد يوسف، ويظن الظان بالظاهر إنما صبره على العمى والحقيقة إنما الاستعانة بالله هي ما جعلت العمى والكاظم منتهاه غير متوقع فكان صبره جميلا ونال من بشر الصابرين؛ إذ رد إليه يوسف وانتصر له ونزع الحقد من بين ولده بعدما نزغ الشيطان بينهم، ورفع الله بأمره أجره في الدنيا والآخرة ثمرة للعبادة والاستعانة وقصر ضمير ها إياك على الله وحده.
فاللهم نحن عبادك نصوم كما أمرتنا وعلمنا رسولك واستعنا بإياك على الضجر والحر والجوع والعطش وشياطين الإنس؛ فتقبل واقبلنا. سورة الفاتحة.

2- "نساؤكم حرث لكم:"
لفظة الحرث إشارة وانتصار للمرأة بأنها أرض؛ والأرض بفطرتها سبخة نقية، فلاحها من يستثمر خصبها أو يزيد ملوحتها؛ لذا فكل رجل بعد الزواج واقع عليه أمر تلك الأرض وهو لذلك مردود عليه كافة الإشكالية، وهنا تقع المظلومية على النساء متى لم ينتبه الرجال لكونهما معها يجعلون تلك السبخة تثمر إما طيبا وإما أثلة. والآيات بعدها برفع درجة الرجل تأكيد على تلك المساهمة لا تفضيل للرجل عليها، إذ بها تستقيم أمور الأسرة.
فاللهم اجعلنا ممن يحسن إلى حرث الله وفطرته في النساء وانزع من قلوبنا كبر الرجال ونطاعتهم. سورة البقرة.

3- "لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة:"
لعل السكن هنا يمكن رده إلى معنى آخر ومن زاوية أخرى؛ إذ كل زوجين يجب أن ينتهيا كل منهما إلى الآخر طلبا لهذا السكون، فمتى غضب أحدهما عليه أن يسكن في وجود الآخر، وأن يزول عنه سبب الاضطراب مهما كان ليضمنا أن تتحق في زواجهما آية الله بالسكن، وهي تلك التي تكون سببا لمودة جمعاء لا تقف حدودها على الزوجين وفقط بل تتسع لتشمل الذرية -إن كان لهما ولد- وتشمل أهليهما ليتحقق الضمير الجمعي في بينكم، وهذه المودة الراتبة لسكن الزوجين إلى بعضهما هي سر التراحم الشامل بين الأهلين وكل من يهمه أمر هذا الزواج. إذن فكلما وجد السكن بين الزوجين كلما زادت المودة بين أهلين وتحققت الرحمة لكل من له صلة ببيت زوجيتهما.
فاللهم اجعلنا ممن يسكنون إلى زوجاتهم وممن يسكن إليهم زوجاتهم، واجعلنا وأهلينا من أهل الحظوة بالمودة والرحمة الراتبتين لهذا السكن. آميـــــــــــــن. سورة الروم.

4- "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ومنهم من ينتظر":
لعل الذكر هنا مقصور على الرجال من دون النساء، ربما لما يعرفه عنهم من حمية التسرع فقرر أن بعضهم فقط من يعرف ثقل العهد مع الله ويلتزم به ويثبت لحظة الوفاء به، والأصل أن الرجال ملزمون بالدفاع لا النساء وهو بعيد عن الذكورية وإنما قريب من الفطرة، وهكذا فقليل من الرجال من يصدق ويعرف أن مسئولية الصدق كبيرة وأن أسبابها من الله وحده تأتي بعلمه وقدره لا برغبة الرجال، وهو ما لا يدركه إلا الرجال بحق وبحق عبوديتهم في ربوبية كلها شرف ومسئولية.. والمعنى الآن لو تم وقفه على ظاهر الآية وفقط فأرى فيه تعطيل لباب حصيف نعجز عنه نحن الرجال، وفقط نتشدق به. هو الصدق يا سادة ما يميز رجالا مؤمنيين بحق.
فاللهم ارزقنا رجولة الصدق والعهد لا رجولة الجنس وفقط. سورة الأحزاب.

5- "يرفع الله الذين آمنو منكم والذين أوتوا العلم درجات:"
هما رفعتان منفصلتان؛ الأولى لمن آمن حق الإيمان، والأخرى لمن فتح الله عليهم بالعلم فكان منهجهم بعد تسليم الإيمان به، يعرفون قدره وقدر من حمله، وهو ما جعل فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، فلا عبادة بلا علم..
ولعل المرء حين يؤمن يرفعه الله درجة، كذلك من تعلم وأخلص قضى الله على نفسه أنه مرفوع بأمره، واللافت أنها رفعة من الله ومن رفعه الله لا جابر ولا كاسر لرفعته إلا بالله و بمثل ما رفعه به. إذن الإيمان وحده لا يكفى للرفعة، وهو ما يفسر حال كثير مؤمنيين علو لكنه علو منقوص أو مشابه لعلو سابق. وهو ما يفسر علو بعض وإن خلوت قلوبهم من الإيمان.
فاللهم ارزقنا علو الإيمان ورفعته ورفعة العلم ودولته. سورة المجادلة.

6- "فهو في عيشة راضية":
يحتمل اسم الفاعل راضية التأويل المباشر وصفا للعيشة، إذ أنها عيشة من رضا الروح إليها حال، ورضا الحال نفسه للعيشة التي ترضي كل من تقسم له، وهو ما يجعل الروح مطمئنة إلى حالها فيها فتستحق أن توصف بعدها بقوله "يا أيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية"، وهذا حال من رضاهم عن عيشتهم ورضا المعيشة لذاتها فهو نفس راضية ترضاها عيشتها المرضية.
فاللهم ارزقنا طمأنينة النفس إلى عيشة راضية ومرضية. سورة الأعراف/ سورة الفجر.

7- "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا":
أقولها وأجري على الله وليزايد بوطنيته وعروبته من يزايد: رسول الله في غزوة مؤته لما رجع بالجيش خالد بن الوليد وصار أهل الحمية وهم تماما يشابهون حالنا نحن الفيسبوكيون، هرعوا يتصايحون "يا فرار يا فرار"؛ بيد أن رسول الله عرف أن حفاظ خالد على جيشه في حرب غير متوازنة هو عين الانتصار، إذ لا خسارة تعادل الموت وقال "بل الكرار بإذن الله". أي أننا مأمورون بالاقتداء بفعله، وهذا حاله مع جيش فاق قدرات جيش مسلم يسير بأمر الله ورسوله، ولم تعاد الكرة حتى ملك المسلمون زمام مبادرتهم مع عدوهم.. يا سادة في غزة لا نملك زمام مبادرة وفقط شعب أعزل محاصر يدفع ثمن للعبة السياسة القذرة ولن يرف له جفن بموت طفل تحت الحطام أو تفحم جسده.. لا تزايدوا.. فقط وجهوا لومكم على هوان الشعوب.. وهذا لا يتعارض مع ألمي وتعاطفي مع هؤلاء العزل المستضعفين وقود طموحات وعنتريات تستحق الوصف بالفرار. أقولها وأجري على الله. سورة الأحزاب.


8- "اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم":
ربط أمر القراءة بكرمه؛ فمن يكرمه لا مهين له ولا كرامة هنا إلا بالفعل قبلها، فنحن حين نقرأ، نعرف أن هذا من كرمه علينا إذ هيأ لنا العلم مقروءا، وهو بالغ الكرم من أبلغ الكرماء. إذن متى أردنا نيل كرم الله علينا بالقراءة ولا قراءة إلا لمكتوب، ولا كتابة إلا بعلم، أي يا أيها الإنسان تعلم أن تقرأ حتى تضمن أن ينالك من كرمه وهو العلم. وهنا لا يرتبط الكرم بجنس أو ديان قدر ما يرتبط بفعل القراءة ورواتبه من العلم والمعرفة، فهو سبحانه منحاز بكرمه نحو من أراد وطلب كرمه ففعل الأمر اقرأ.
فاللهم ارزقنا كرمك باتباع أمرك في اقرأ. سورة العلق.

9- "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر":
في روشتة مباشرة وضع صفة الإيمان، وهي لضمان عدم الخسران المؤكد بقوله "إن الإنسان لفي خسر"، وإذا كان أخبر سابقًا بأنه "مع الصابرين" أي من "تواصوا بالصبر" فيجب ألا نغفل أن من في معيته يكفيه فوزا تلك المعية وهي المشروطة بالإيمان ثم الحق. فكي تنال درجة الصبر ومعيته عليك أن تعبر نحو إيمانك به وأن تتمسك بالحق والأخير هو الصعوبة، فكل إيمان حقيقي يردفه حق متمسك به ومجتهد في تحققه وهذا الحق في أبسط درجاته يكون بتخلينا عن عصبيتنا والانتصار للحق فمتى أخطأ المرء فما ضيره أن يعود إلى الحق ويعتذر وهذا عدل الحق وأبسطه بل هو درب إلى الصبر المقصود. خلاصة القول الإيمان يولد الحق صفة له والحق بعدله طريق أوحد للصبر الذي يكون بمعية الله سبحانه.
فاللهم ارزقنا الإيمان وما تلاه من حق هو عدلك المفضي إلى معيتك حين الصبر. سورة العصر.

10- "قل هو الله أحد* الله الصمد":
ما دام فريد عن الأنواع غير محصور بها؛ فكل ما تعلق به مثله. ونحن فينا من هذه الصمدية بقدر النفخة فينا، لذا ليس عجيبا أن ينفرد كل منا بصمديته عن الآخر، فلا بصمتين متشابهتان، ولا قلبين متساويان في المحبة وغيرها، كأن السورة برمتها ترمي بنا أن نخرج من وحدانيته وصمديته إلى تفردنا الراتب عن روحه فينا، فنتعلم فضيلتنا الأهم وهي الاختلاف، كلنا مهما تقاربنا وتشابهنا فينا تفرد وصمدية تؤكد اختلافنا. وهو درس يفضي بنا إلي قبول الإنسان للإنسان بكل اختلافاته.
فاللهم علمنا فضيلة وحدانيتك ومنها ارمنا في تعلم فضيلة الاختلاف والتفرد. سورة الصمد.

كانت تلك عشر تأملات متفرقة ومختلفة رأيتها بشكل شخصي خاص وخالص، لا ألزمها لأحد إلا نفسي فقط.

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي
مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني


.. سياسي يميني فرنسي: الإخوان ساهموا في نشر الإسلاموفوبيا في أو




.. 163-An-Nisa