الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الحقل الإلكتروني معرفيا..

عادل مرزوق الجمري

2005 / 8 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لي أن أعرف الإتصال الإلكتروني بأنه ذلك السياق الحاوي لعمليات إرسال الرسائل، إلا أنني لا "أحصر" بهذا الرسائل النصية، والتي تتبادل خلال الإستعمال المباشر من قبل الجمهور الإنرنتي في شبكات الإتصال والحاسبات، بل أحاول أن أمدد من مفهومي للتعريف ليشمل كافة أشكال وأنواع المحتوى الإلكتروني content، سواء من الرسوم أو البيانات أو الرسوم التمثيلية أو الكاريكاتور.
ولابد من إشتراط أن يكون هذا الإتصال "الإنترنتي" مدركاً من قبل المشاركين بالكامل، بمعنى أن مشاركة الآخر في التفاعل مع الرسالة الإلكترونية هي خاصية رئيسة في تحديد الفعل الإنترنتي الإجتماعي، بل إن إدراكه للقصدية الإجتماعية في هذه العلمية التبادلية هو جوهر الفعل المجتمعي.
هؤلاء المشاركون في هذا التفاعل الإلكتروني هم بمثابة جالية إجتماعية متكاملة، هذا ما جعل "هاوارد" يحاول جاهداً تأسيس هذه الجالية وتحيد معالمها في كتابِه "الجالية الإفتراضية"، وفي الجالية الإفتراضية عرض علينا "هاوارد" سمات الجاليات الفاعلة في الإتصال الإنترنتي، ويعلق في إحدى أهم فقرات كتابه قائلاً "أكثر الناس الذين يحصلون على أخبارِهم من أجهزة الإعلام التقليدية، كانوا غافلين عن التشكيلة المختلفة من الثقافات الجديدة التي تطورت في شبكات الحاسوب العالمي خلال السنوات العشر الماضية.".
أستطيع تلخيص ما حمله هاوارد إلى أنه يعتقد بأن المجتمع الإنترنتي يحتوي على جاليات وتقسيمات ثقافية مختلفة ومتنوعة، وأن الشبكة بدأت تحتوي تعقيدات إجتماعية مشابهة لتلك الموجودة في المجتمعات الإنسانية الواقعية. العملية أصبحت خاضعة لإشكاليات حديثة تتم في سياقات إلكترونية أكثر تعقيداً، وهذا ما يحملني إلى إعتبار هذه الجالية تتسم بخاصية هامة، وهي "السرية"، إذ أن أكثر ما يميز العمل الإجتماعي الإنترنتي أنه يتصف بالسرية، والتآمرات والصراعات الخفية على المتابعين.
تأسيس الحقل الإلكتروني
يميز عالم الإجتماع الفرنسي Bourdieu العلاقات الإجتماعية ضمن سياق يدعوه "الحقل"، ويعرفه كنظام تنافسي من العلاقات الإجتماعية يشتغلُ طبقاً لمنطقه الخاص أَو قواعده المعترف بها. ويشتمل الحقل على الكثير من مظاهر الصراعات من أجل السلطة بين الأصناف المهيمنة عليه. ولكل سلطة شرعية تمنحُ على شكل رأسمالِ رمزي. هذه الحقول قد تَتفاوتُ في تركيبها، لكن العملية الكفاحية للرأسمال، خاصة خلال عمليات البناء والتحشيد لرأسمال الهيمنة، ثابتُ في كل حقل، مهما تمايزت أصناف السلط وأدواتها.
ويأتي ثانياً، المفهوم الرئيسي الآخر في نظرياتِ Bourdieu، وهو habitus، والذي يعرف كنظام الترتيبات المكتسبة، ويشتغلُ على المستوى العمليِ تحديداً، كطبائع الفهم والتقييم أَو كسلسلة المبادئ الفاعلة والمسيطرة، وهو الذي ينظم التفاعلات ضمن الحقل في إسلوبِ "موضوعيِ"، يتصف بقدرتنا على ملاحظته، وبأنه ممتد الفاعلية في منظور عكسي.
أما البعد الثالث في النظرية فهو "الرأسمال الرمزي"، ويعرف Bourdieu نوعان أساسيان من الرأسمالِ الرمزي: الرأسمال الإقتصادي، والرأسمال الثقافي. يمككنا مجملاً، إحالة الرأسمال الإقتصادي للمفهوم الماركسي، إلا أن الرأسمال الثقافي، على أية حال، هو المفهوم الفريد في نموذجِ Bourdieu النظري،
الرأسمال الثقافي يمكن أَن يوصف كقدرة ثقافية. وهو يشابه الرأسمال الإقتصادي، إذ لابد أن يحمل شرعية، وهذه الشرعية تنظم عبر المؤسسات الفاعلة ضمن المجتمع. بمعنى أنه في حالة الرأسمال الثقافي، شرعية رأس المال الثقافي لا تنظمها "الدولة"، بل المؤسسات التربوية والفنية والمدنية ككل.
إنّ الأهميةَ الحقيقيةَ للرأسمالِ في نموذجِ Bourdieu النظري، هو ذلك الدور الذي يلعبه في الكفاح المستمر بين السيطرة أو الإنعتاق على الأصناف الأخرى من الرساميل أو السلط الفاعلة. هو خلال إستملاك الرأسمال، وصولاً في مرحلة متقدمة إلى إستعمال الرأسمال الرمزي لممارسة العنف الرمزي.
إلا أننا لا نغيب عن تمام الرساميل في النظرية، فثمة رأس المال الإجتماعي، ويتمثل في تلك المصادر المستندة على عضوية مجموعة من المجموعات، بما يشمل العلاقات، وشبكات التأثير والدعم. أما أخر الرساميل، فهو الرأسمال الرمزي، بما يتضمن، السمعة المتراكمة، الشرف، وكافة المضامين الأخلاقوية.
حدود الحقل الإلكتروني
لكي نوظف نظريات Bourdieu في سياق الحقل الإلكتروني الإنترنتي، لابد أولاً، من تعريف حدودِ الحقلِ المفترض بشكل واضح، وأصناف الهبيتوس habitus، والرأسمال الرمزي، الذي يسيطر على السياق. وهذه المهمة ليست صغيرة أو سهلة.
نظرياً هناك الكثير من المناقشات حول حدود وتخوم البيئة لهذا المجتمع الإفتراضي، خاصة مع إعتماد هذا الحقل "المتحرك" على التقنيات المتغيرة بتسارع ملحوظ. هناك طريقتان لتصور حدود هذا الحقل، الطريقة الأولى/ هي أَن نرى أن كل نظام يكون أساسه إلكترونيا يعتبر حقلاً مستقلا؛ الإنترنت حقلَ واحد، الأرشيف الإلكتروني حقل آخر. وهكذا..، الطريقة الثانية/ هي أن نرى كل هذه المكونات حقلاً وحيداً، وأن المكونات الأخرى هي أنظمة ضمن هذا الحقل الوحيد.
سأستعين بالرؤية الثانية مؤيدا ما ذهبت له إليزابيث لَين لولي "باحثة أمريكية إجتماعية"، إذ أنها إعتبرت مفهوم بورديو للحقل مفهوماً سائلاً بما فيه الكفاية لدمج هذا التداخل المربك نوعاً ما، إستعانت "إليزابيث" على هذا الخيار بأن بورديو نفسه إستعرض "الجامعة" كحقل واحد، رغم تداخل الكليات "الطب، الهندسة، الفنون الجميلة". ورغم الفروقات الكبيرة والقلقة بين هذه الكليات، إلا أنه آثر إعتبار الجامعة حقلاً واحداً، وهذا ما يحيلنا إلى فهم رجاحة هذا الخيار "التجميعي"، على الخيار الأول.
بعد تعريفَ الحقل وتحديد تخومه وحدوده، لنا أن نعطي الإعتبار للتركيباتِ التابعة habitus، والرساميل الرمزية، التي يجب أَن تكون ثابتة في الحقل. وفي هذه المنطقة بالتحديد نحن نعتمد على التخطيط الأكثر تجريبية. بمعنى أنه لابد من الإلتزام في تعريفها على ننائج البحوث الإمبريقية، والتي تصدق بالدليل التجريبي، وتجمع عبر الملاحظة والتفاعل.
habitus "السلطة القديمة"
ثمة "تأريخ" إمتلاك لأفراد معينيين على أماكن الشبكة، هؤلاء لهم مواقع ثابتة في مساحة السلطة داخل الحقل الإنترنتي، وهم في أغلب الأحيان يشعرون بأنهم أصحاب سلطة، لهم حق إملاء شروط الممارسات الحالية داخل الحقل، هم بمثابة سلطة ضبط إجتماعية، هذا النمط من التفاعل مشابه للنمط السائد في المجتمعات الصغيرة، حيث أن سلطة الشيوخ كمجموعة تعتبر سلطة ضبط فاعلة في مجتمعات القبيلة.
ويعرف هذا التقليد بأكثر أنماط التفاعل فاعلية. هذه السلطة القديمة، تكتسب نتائج تراكمية بمرور الوقت، عبر بروز رأسمال ثقافي متغول، فضلاً عن الرأسمال الإقتصادي، وهذا يوضح بالتحديد مفهوماً رئيسياً في نموذجِ Bourdieu للتفاعل وإعادة الإنتاج الثقافي.
إمتيازات النخبة
إمتيازات صنف ما داخل الحقل لها فاعلية هامة ومؤثرة،، خصوصاً على أجهزةِ الإعلام داخل شبكة الإنترنت، مثل إنتساب أي فرد مَع نظام "بيت" معين، يتميز بمعاملة خاصة وفريدة، هكذا، مستعملو "الحسابات الخاصة"، كالحساباتِ في الجامعات والمراكز البحثية الرفيعة المستوى، يمتلكون منزلة أكبر داخل الحقل، مقارنة مع أولئك المستخدمين الإعتياديين للأنظمة التجارية، الأعضاء الذين يمتلكون حسابات خاصة "مدفوعة" أو مجانية، يعتبرون بمثابة الطبقة الأرستقراطية داخل الحقل، أما البقية فهم أفضل تمثيل لبوليتاريا المجتمع الإنترنتي.
الرأسمال الثقافي
أصحاب "المنزلة العالية" في النظام، لهم رأسمالهم وسلطتهم المستقلة، وتستعمل لفرض قيود وضوابط إجرائية او أدبية على الأعضاء الآخرينِ في الحقل، المستعملون الجدّد لأنظمة الحقل دائما ما يتعرضون للسخرية من قبل الأعضاء من الطبقة المثقفة داخل الحقل، وهم متهمون في الغالب بالجهل، أَو قلة الخبرة، وتتراوح ردود أفعال الصنف الثقافي المهيمن من الرعاية لهؤلاء المستخدمين الجدد إلى العدائية في التعامل معهم، وقد تصل الصورة إلى كارثية في إرسال المشاركين الجدّدِ الذين لا يعرضون إستملاكاً كافياً من هذا "الرأسمال الثقافي" إلى خارج الحقل كلياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد