الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب فعلها: حسَمَ الجدل و التردد بفصل السياسة عن الدين (برافو موروكو)

التهامي صفاح

2014 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بتاريخ 4/4/2011 وتحت عنوان :-حرية الإعتقاد و الدولة العصرية- نشرت هنا بالحوار المتمدن مقالا عن حرية الإعتقاد كان قد نشر في موقع مرايا بريس المغربي بتاريخ 24/07/2010 بعنوان (هل حرية الإعتقاد و سيادة الناس على أبدانهم مكفولة في الدولة العصرية؟).وبينت في المقال أن الإعتقاد هو عملية ذهنية تحدث في الدماغ الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من جسم الإنسان وبالتالي فالتدخل في الإعتقاد يشبه تدخل الدول الأجنبية في شؤون دول أخرى تماما.ولذلك فإن سيادة الناس على أبدانهم و إستقلالهم يبدآن بإحترام إعتقاداتهم إذا كانت لا تدعو للكراهية أو الحرب أو العنف أو العنصرية .ولا يمكن للإنسان أن يكون إنسانا عاقلا ومفكرا كما يسمى في علم التصنيف البيولوجي إلا إذا كان حرا في التفكيروالتعبير و الإعتقاد.
في نفس المقال تساءلت :
(و لِم لا تقوم الدول بتعويض ذلك الفصل من الدستور الذي ينص من المحيط إلى الخليج على أن "الإسلام دين الدولة و الدولة تضمن لكل واحد ممارسة شؤونه الدينية " بفصل ينص صراحة و بوضوح تام على أن :"الدولة دولة مدنية لا تسيس الدين أو تدَيِّن السياسة والتشريع فيها يتم بالقانون داخل مؤسسات الدولة .و حرية الإعتقاد والضمير والوجدان هي مِلك لكل المواطنين دون تمييز كما تنص على ذلك المواثيق المتحضرة الدولية مالم تُستعمل هذه الحريات للدعوة للعنصرية أو العنف أو الكراهية أوالحرب أو تغيير النظام بالقوة.و تَعتبر الدين شأنا شخصيا؟
فتخوصص هذه الدول الدين أي تجعله شأنا خاصا و فرديا بحيث تحرر أولئك الذين يضطرون للظهور أيام الجمعة يمثلون مسرحية الورع و التقوى مع ما يستلزمه ذلك من إستعدادات وتدابير و إجراءات هم في غنى عنها ،و تقتصد أموالا تُصرف على قطاع غير منتج فكريا و تجعل المؤسسات الدينية للخواص يبحثون فيها في الأديان كثراث بشري إن شاؤوا بأموالهم الخاصة و تحرر الفضاء العمومي وتنسجم مع الإنتقادات الموجهة لإستغلال الدين في السياسة التي ظهرت في الآونة الأخيرة على لسان أحزاب مقربة من صناع القرار في هذه الدول . فتكون فعلا دولا تعيش القرن الواحد والعشرين تجسد العدالة كقاض نزيه و محايد و تنسجم مع "لا إكراهية الدين" الفعلية و مع نفسها في محاربة الإرهاب و مع المنطق و الحق الكوني .فتفتح بذلك الباب على مصراعيه أمام حرية التعبير والإبداع و إستغلال الطاقات المعطلة و دخول مواطنيها لحلبة التنافس الدولي الفكري و غيره ليدخلوا التاريخ عوض التذرع بالخصوصية الدينية؟؟)

في هذا الإطار أجرت صحيفة العلم المغربية حوارا مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية الأستاذ الجليل أحمد التوفيق نشرته بعددها بتاريخ 21 يوليوز 2014. وفيما يلي أحد أجوبة معالي السيد الوزير على أحد أسئلة السيد الحسن الياسميني الذي أجرى معه الحوار بمناسبة صدور ظهير شريف مغربي بمثابة قانون ملزم ونافذ نشر في الجريدة الرسمية المغربية ينظم مهام القيمين الدينيين في المغرب أي الذين يقومون بمهام الوعظ أو الإرشاد أو الخطابة أوغيرها و يمنع بحق في مادته السابعة أثناء العمل في المساجد التطرق للسياسة أو العمل النقابي.
سؤال السيد الحسن الياسميني عن جريدة العلم المغربية :هل يمكن القول أن المغرب بفضل هذا التوجه يوجد بمنأى عن مخاطر التطرف؟
جواب معالي السيد الوزيرالمغربي :(إن مناعة أي جسم لا تكون مطلقة لأن الفيروسات جزء من نظامه المناعي ولأنه يعيش في وسط لا يجامله في جميع الحالات. إن ما يجري في الشرق الأوسط يستعصي عن الفهم البسيط، وهي فتنة فيها عدد من الأطراف يشتغلون على عدد من الوضعيات بحجج براقة يظن أصحابها أن يتركوا لتحقيق مصائر ليست مكتملة الصورة حتى في خيال أصحابها، ويتوقف الأمر على المخطط العام الذي سيفضي إلى نتائج أخرى غير التي يتوقعها من يشترون السلاح. وإذا اقتنعنا أن الفتنة من جهة والمكر من جهة أخرى، ليست قدرا مقدورا فإن الذي علينا أن نفعله هو التمييز بين السلوك الذي يملي علينا التنافس في الحقوق والإصلاحات وبين السلوك الذي يمليه علينا حماية الكيان والوجود، فقلة التمييز في هذا المستوى يفتح مجاري الرياح. وهذا ما قصدته عندما قلت إننا نخاف على السياسة من الدين، إذ ما دام حفظ الدين عندنا مكفولا بتدبير إمارة المؤمنين فإن الذي نحن مطالبون به هو ممارسة السياسة بقواعدها ولغتها وأسلوبها، وهي قواعد ولغة وأسلوب مختلف عما في الدين، وإلا أخطأنا الدين وأفسدنا الدنيا وصرنا من المتناحرين بالتأويلات الفاسدة. إننا في نموذج فريد إذا استوعب السياسيون نجاعته أفلحنا، ونحن في مخاض هذا الفهم الذي لا يجوز أن يمتد أكثر من اللازم، وللإعلام في هذا كله دور كبير." (السؤال و الجواب منقولان عن موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية بتاريخ 22/07/2014)
وبغض النظر عن الملاحظات التي يمكن إبداؤها على تصريح معالي السيد الوزير و بالنظر للإيجابي الكثير فيه الذي يتغيأ المصلحة العامة بكل صراحة ، وإذا أضفنا لهذه الخطوة ، توقيع المغرب من بين أكثر من 60 دولة عربية و(إسلامية) في أبريل الماضي على قرار أممي لحرية الدين والمعتقد ،يمكن القول أن المغرب قد خطى خطوة عملاقة تفصل العمل السياسي عن الدين وتضع المسؤولين الحاليين في المغرب الأولين الذين يبصمون تحولا تاريخيا عميقا بكل تأكيد.وهو ما يترجمه الواقع الفعلي للتشريع في المغرب و القديم جدا و الذي يجد سنده في الدستور المغربي الذي ينص في مادته السادسة على أن القانون أسمى تعبير عن إردة الأمة. إذن التوجه الآن في المغرب هوما يمكن الاصطلاح عليه ب( قانونية الدولة المطلق) وليس العلمانية طالما أن إمارة المؤمنين لا تزال موجودة والدين لا يزال في المجتمع بل شهدت حركة بناء المساجد و الإهتمام بالأوضاع الإجتماعية للقيمين عليها من طرف المسؤولين في الآونة الأخيرة نموا غير مسبوق.وهذا ما قصده معالي الوزير حين قال ( فإن الذي علينا أن نفعله هو التمييز بين السلوك الذي يملي علينا التنافس في الحقوق والإصلاحات وبين السلوك الذي يمليه علينا حماية الكيان والوجود ).فقانونية الدولة أي جعل الدولة دولة الحق والقانون الفعلية الذي يترجم إرادة حقيقية في التغيير للأفضل و إحقاق حقوق المواطنين الأساسية وعلى رأسها الحق في الحياة و الحق في حرية العقيدة والتعبير و الحقوق السياسية والإقتصادية والثقافية لكل النسيج المغربي ..هو ما يمكن فهمه من هذا الإصلاح العملاق والقفزة النوعية التي هي قفزة عن بصيرة أثبتت جدواها تجارب شعوب أخرى مجاورة للمغرب و ليست قفزة في الظلام .وهذا ما توقعته في مقال سابق بمناسبة توقيع المغرب على القرار الأممي لحرية الدين والمعتقد..
الدولة أصبحت قانونية وليست دينية ، بمعنى أن الدولة لا تلغي الدين و إنما تحقق ،بأدوات جديدة ،ما إستهدفه الدين كحدث تاريخي و هو تحقيق إزدهاروكرامة الإنسان وحريته و المجتمعات عموما وليس تحقيق رغبات الأفراد في الريادة وهم غير مؤهلين.وهذا ما قصده معالي الوزيرحين قال (الذي نحن مطالبون به هو ممارسة السياسة بقواعدها ولغتها وأسلوبها، وهي قواعد ولغة وأسلوب مختلف عما في الدين، وإلا أخطأنا الدين وأفسدنا الدنيا وصرنا من المتناحرين بالتأويلات الفاسدة ) . أي أن للدين أناسه و للسياسة أناسها و هذا صحيح .الدين نفسه هنا بدأ يخضع لقانونية الدولة والظهير الذي صدر في المغرب كقانون ينظم الدين و يمنع الفوضى و يؤدي للتخصص و الإتقان دليل على هذا التوجه الصحيح والذي يصب في الصالح العام بل سيكون له تأثير في المنطقة كلها بكل تأكيد.
حياة الناس و الأجيال المتغيرة والمتجددة ليست لعبة أوهزل وتحتاج لدولة متجددة هي أيضا نساؤها و رجالها مفكرون و فلاسفة وحكماء وتقنيون متخصصون في حل المشاكل بسرعة ومهنية و علم حديث تُطور الإنسان و تؤدي لتحضره و جعله إنسانا مسالما متفتحا على العالم يساهم في التاريخ ولا يعادي الأمم الأخرى ويستحق إسمه البيولوجي الإنسان العاقل Homo sapiens و ليست دولة تحتاج للمبررات كي تتحاشى إعتراض الأموات كإبن تيمية و مسلم و سيد قطب و غيرهم .
في الواقع لا يمكن ممارسة السياسة بأدوات القرن السابع الميلادي وما قبله ومفاهيمه لانها ببساطة محدودة.من الآن على من يريد ممارسة السياسة يا إما أن يكون تكوينه أكاديميا في القانون والسياسة و الإقتصاد و غيرها أو له ممارسة فعلية وتجربة مشهود له بها في تدبير شؤون الناس ..فالسياسة و الاقتصاد هي علوم حديثة فيها نظريا ت ومذاهب ومدارس و ليست مجالا سهلا على من يحملون دبلومات في اللغة العربية أوما يسمى العلوم الدينية وهي ليست بعلوم حديثة .والذي يجب أن يحدث هو أن نحكم نحن كمتطورين في العقل على زماننا بعيوننا و على الغابرين من الاموات المرتبطة أسماءهم بالدين لا أن يحدث العكس فتعيش الأموات وزمانها فينا و تسرق منا حياتنا وزماننا .هذا غير معقول.و المثل المغربي يقول (من أكل حقه فليغمض عينيه) .فنحن مسلحون بفكر علمي وعلوم حديثة وتكنولوجيا لم تتح في العصور الغابرة للذين أنتجوا تلك المؤلفات الموغلة في التخلف والجمود والمضادة للتقدم في زماننا .بل يجب محاربة تلك المؤلفات و كل المعيقات التي تمنع تقدم أوطاننا بكل حزم و جدية ..فلا مجال لمداهنة التخلف أو الداعين له المرتدون إلى الخلف في الزمان المعادون بجهلهم للتقدم إلى أمام.ببساطة لأن الزمان الماضي و ظروفه لا تعود أبدا .هذا مستحيل .و فشل الإرهابيين في أعمالهم هو بالضبط بسبب هذه القاعدة البسيطة التي لم يستوعبوها و هي (مافات من الزمان و أناسه فقد فات ولا يعود أبدا).
بقي لي هنا التذكير كما وعدت في مقال سابق بتهنئة المسؤولين المغاربة و شكرهم على هذا الإنجاز العظيم و أقول بأنهم كما قلت سابقا ينتظر منهم الكثيرلانهم شجعان و مقدامون لا يهابون ركوب الصعاب و لا الأمواج من اجل الشعب.و لذلك فإصلاح التعليم وتنويره وملاءمته لعصر العلوم الحديثة وتقنياتها و ملاءمة القانون العام المغربي و غيره من القوانين حتى تنسجم مع هذا التوجه السعيد الذي ليس سهلا ولا رخيصا وبالسرعة المناسبة التي تخدم المجتمع وتجعل الاغلبية متشبتة بقادتها العظام بانجازاتهم و أفكارهم و تواضعهم المتوجهين نحو إقرار الشرعية الديموقراطية وبالحسم الواجب خلال ما تبقى من سنة 2014 سيجعل هذه السنة في المغرب سنة القطع مع عصور الظلام و عاداتها وتقاليدها الموغلة في فرملة إنطلاق المجتمع نحو التقدم والآفاق الرحبة للحرية في معانيها السامية ،كل هذا هو الرد على التطرف والإنحراف والاسترزاق بالدين إن بجهل أو عن وعي و تعمد .و يكفي المسؤولين المغاربة فخرا أن التاريخ سيسجل أسماءهم بحروف من ذهب بكل تأكيد كفاعلين وشاهدين على هذا الزمان وتحولاته .
وتحياتي الخالصة لكل من يُفرح ويُحب الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال يستحق مكانه في اعلى الصفحة
ميس اومازيغ ( 2014 / 7 / 23 - 17:42 )
يا رجل تقبل تحياتي /اعتقد جازما ان هذا المقال يستحق مكانه باعلى الصفحة.انه الدرس المغربي في تدبير الشان الديني تدبيرا عقلانيا باستهداف مداخله الأساسية التي قد يعول عليها من قبل تجار الدين.غير ان الأمر لا يجب ان يبقى محصورا في النصوص القانونية وانما يتعين تطبيقها الم ياتيك خبر الداعية الأرهابي المسمى ابو النعيم الذي كفر علانية احمد عصيد ودعى جهرا الى اراقة دمه ولم يحرك اي من المسؤولين ساكنا؟
ان هذا الشخص بعد ان حوكم في سابقة مشابهة وعوقب عقوبة مخففة متمثلة في شهر واحد حبسا موقوف التنفيذ وغرامة بحساب 50 اورو لم يرتدع الأمر الذي يستوجب تعريضه لعقوبة اشد كي يدرك انه في المغرب وما ادراك ما المغرب انه بلد ذلك الشعب الذي يضع الدجالين في اقفاص كالقردة ويطوف بهم.

تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah


.. 236-Al-Baqarah




.. 237-Al-Baqarah