الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيعة وداعش وموازين القوى في العراق

عبدالله الجنابي

2014 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشيعة وداعش وموازين القوى
هناك عوامل دائمة وحاسمة في تغيير موازين القوى لصالح طرف ضد اخر في مختلف انواع الصراعات ، وخصوصا الاستراتيجية منها . ومن تلك العوامل مادي : القوة العسكرية ( التقنية العالية ) ومعنوي : المعنويات ( الايمان والعقيدة ) . لااريد الاستعانة بالتاريخ لإيراد أمثلة عن انتصار طرف بفضل هاتين العاملين او احداهما ، ذلك لان الظروف المتغيرة تجعل من التاريخ شاهدا بعيد الملامسة للواقع ومتغيراته السريعة ، لكن العاملان المذكوران كان على الدوام فاصلين على مدى التاريخ في تغيير ميزان القوى . ففي بدر رجحت قوة المعنويات على القدرات التقنية وانتصر المسلمون ، لكنهم سرعان ما فقدوا تلك المعنويات ( الاهتمام بالغنائم ) فانتصرت القوة التقنية لقريش . وما انتصار الجيش الأمريكي في حروبه مع المجموعات المسلحة والأنظمة المعادية له الا بفضل تفوقها التقني ، فالمقاتلون الأمريكان لا يمتلكون عقيدة ، بل ان بعضهم مرتزقة ليس لديهم اي دافع معنوي للقتال ولا يعرفون من يقاتلون ولماذا . وما يسوق من غاية
لا نكشف سرا اذا قلنا ان معنويات داعش عالية جدا ، ذلك بفضل العقيدة ( لاشأن لنا بصلاحها او فسادها ) التي يؤمنون بها ، فالحياة الدنيا لا تساوي في عقيدتهم شيئا ، وهي مكرسة _حسب فهمهم_ للقتال (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) اية محمد 35 ، وان الاخرة ستقدم لهم تعويضا باذخ الرفاهية التي لم ينعموا بها في الحياة الدنيا شرط مقتلهم ( جهادا ) ضد اعدائهم الذين يستحقون ما تذكره الاية الكريمة _ كما يفهمون _ ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) اية المائدة 33. ان الهدف ( الاغراء الماورائي ) واضج جدا لديهم وهي تتفق مع احادية النظرة الى الدين والتي ترى ان الاخرة هي المبتغى الوحيد وان الخروج منها بسرعة هو هدف كل ( مسلم ) . لا ننكر انهم استعانوا بخبرات رفاقهم في الهدف التكتيكي ( البعثيين ) في التخطيط والخبرات في طريقة استعمال التقنيات الحديثة . اما من حيث قلة العدد قياسا باعداد الشيعة فهم يؤمنون بفهم حرفي ومجتزأ لايات من القران الكريم مثلا ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَ يفقهون ) اية الانفال 65 .
وفي مقابل ذلك فان الشيعة هو قادة حكومة ولديهم جيش يستخدم التقنيات الحديثة واهمها الطيران ، كما ان لديهم مستشارون من دول صديقة تتفق معهم على الهدف التكتيكي وهم متفوقون في العدد ايضا ، وبذلك فهم يمتلكون العدة والعدد ، ولكنهم في ذات الوقت مدنيون ، وكثير منهم يؤمنون بالحياة الدنيا ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الاعراف 32 ، وهم يحبون الحياة ولا يؤمنون بالانتحار طلبا لنعيم الاخرة . وكان للتاريخ وحوادثه المأساوية اثر بالغ على تشكيل الروح الشيعية التي استسلمت للحزن ، فاسترقت قلوبهم ، ونعمت ايديهم ، بعد سلسلة من سيطرة طاغية لاعدائهم على مقاليد الحكم الذي مارس قوة مفرطة في ابعادهم عن الحكم ، وذلك امر لم يعترف به الاخر لحد هذه اللحظة . فالسلطة وشعوبها لا تعترف بالنكبات التي اصابت الشيعة على مدى التاريخ منذ حرب صفين مرورا بالجمل وواقعة كربلاء ثم تنكر العباسيين لابناء عمومتهم العلويين ، بل وحتى حين سيطر البويهون الشيعة على الخلافة العباسية ( 334هـ / 946م ) ، لم يستطيعوا الاعلان عن دولتهم الشيعية بل فضلوا الابقاء رسميا على زعامتها (المقدسة ) لدى المسلمين من غير الشيعة . وهكذا عاش الشيعة وسط بحر من المختلفين معهم بل و(المضطهدين) لهم مقتنعين بانهم غير قادرين على تحقيق ذواتهم الا بانتظار المهدي المنتظر الذي وفر لأرواحهم الراحة وطمأنينة الانتصــــار الحتمي الختامي .
لقد استلم الشيعة الحكم في العراق ، وكان يمكن لهم ان يمتلكوا التفوق التقني في السلاح والعتاد والتدريب ، وقد مضت سنوات كافية لتحقيق الغلبة على اصحاب العقيدة والمعنويات العالية ( داعش ) ، فما هي اسباب فشلهم في ذلك :
1- لقد استطاعت القاعدة و داعش ان يشنوا حرب استزاف ناجحة بالتفجيرات الانتحارية وكان الرد ان اقتنع الشيعة بعمق مأساتهم وقسوة اعدائهم فركنوا الى ممارسة طقوسهم بقسوة وتلذذ شديدين ( مازوخية ) .
2- تأخرت القوة الضامنة لاستقرار الحكم في العراق ( متعمدة ) تسليح الجيش ( غالبيته شيعة ) ، وذلك لعدم ثقة الغرب وامريكا باصطفاف الحكم في العراق كليا معهم كما هو الحال مع الاردن مثلا ، فضلا عن غياب اي علامات تطبيع مستقبلية مع اسرائيل .
3- وجود مليشيات مسلحة شيعية تقف مع الجيش وهي تابعة لايران ومعادية للغرب .
4- نقص الخبرات لدى القادة الشيعة في ادارة دولة ناجحة قوية .
5- الخلافات التي ظهرت بين مختلف القوى الشيعية على امور تكتيكية ، غافلين الأهداف الإستراتيجية ومصير وجودهم .
6- وفرة اموال النفط لدى دول لا ترغب في قيادة شيعية موالية لايران في حكم العراق.
7- الانفصال بين كثير من السياسيين الشيعة وبين قواعدهم الشعبية نتيجة الفساد الذي لوحظ على السياسيين مع بطأ التخفيف من الفقر عن الغالبية الشعبية الشيعية .
8- لم يستطع القادة الشيعة دق إسفين بين داعش والقوى السنية المشتكية التي تدعي التهميش .
ان القوة المعنوية لداعش وعقيدتها الماورائية بل وقدرتها على اقناع الكثير من المسامين الحالمين بخليفة يمكنه الاستيلاء على اسبانيا من جديد ... لا يمكن للشيعة مواجهتها الا بتحالفات دولية وامتلاك قوة عسكرية كافية تمكنهم من الرد المناسب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي