الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة في الفلسفة وحدود التعبير

أيوب أمغار

2014 / 7 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لاشكَّ أن تناول مسألة اللغة في الفلسفة بصفة عامة، وفي العلوم الإنسانية بصفة خاصة؛ إشكال قديم، باعتبار أن اللغة شكلت الشغل الشاغل للفكر الفلسفي منذ الحضارات الشرقية؛ من مصر والهند والصين وغيرهما. لكنّ اللغة وبحكم التطور والتجدد المستمرّين اللذان يحكمانها؛ هي في نفس الوقت إشكال جديد؛ إذ يكفي النظر إلى مواضيع الفكر الفلسفي المعاصر المرتبطة بالجانب السيكولوجي النفسي للفرد، وبالأخص المشاعر والأحاسيس الفردية واستعصاؤها على اللغة، وما يرتبط بذلك من ميادين اللسانيات وسيكولوجية اللّغة.
إن اللغة إذاً ووفقاً لهذا المسار الفكري؛ كنسق رمزي وكيفما كانت لا تقدر على مجابهة عمق الإحساسات النفسية للفرد، نظرا لأن هذه المشاعر من جهة تتسم بالكثافة والتجمع كمخرجات، ومن جهة أخرى يحكمها الوعي الإنساني الذي لا تستطيع ولا لغة من لغات العالم أن تقيسه بالمعنى الكمي للكلمة. ومن هذا المنطلق بالذات فنحن هنا لا نشرع أطاريح وهمية بمعزل عن التجارب المعاشة، فكثيراً ما وقفنا أمام حالات بل وأحوال نفسية صعبة، فرضتها ظروفٌ قائمة في الزمان والمكان؛ نكون فيها على وعي تام بالموضوعات حولنا، لكن ورغم إتقاننا لأكثر من لغة واحدةٍ، نجد أنفسنا عاجزين كل العجز عن التعبير عمّا يجول في خواطرنا. لكن السؤال المنطقي الذي يذهل العقل يكمن فيما نصَّ عليه الموقف الوسطي المبتعد من جهة عن الأنساق الوظيفية، والتيارات الصراعية من جهة أخرى في تناوله لموضوع اللغة، والذي يؤمن بانفصال واتصال اللغة والفكر في نفس الوقت. لكن ليس لأن هذا الموقف يرفض الانضمام إلى الرأي الكلاسيكي المتشبع بالأفكار الزائلة القديمة، والذي يدرج اللغة ضمن عالم الإشارات والرموز، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تحيل عليه هذه الأخيرة من معانٍ دينية. بل إن الحقيقة الوحيدة تكمن أساساً في أن "أرسطو" وغيره أناس ولدوا كما نحن، لكن تكوينهم مكنهم من بلورة الأفكار والنماذج التطبيقية الواقعية انطلاقاً من اللغة ذاتها؛ فهم يبحثون عن الإبداع كما يبحث العامة عن السعادة، وكما يبحث الجندي عن النصر، أي أن طريق "ميكيافيلي" سالك في هذا النحو وما يستجديه من اعتماد كلّ الوسائل الممكنة. لكن التأمل في المسألة يؤدي بنا إلى استنتاج عدم عقلانية تصور كهذا في مجال الإبداع الفلسفي، لأن هذا الأخير لا يرتبط بالجماعة بقدر ما يرتبط بذات الفرد كعقلٍ مبدع، وبالاتجاه الذي اختار كفرد الانضواء تحته.ولهذا السبب بالذات نلاحظ دوماً ذاك التشابه النسبي إن لم نقلْ الكامل بين فوضى الفكر من جهة، والفلسفة من جهة أخرى.
ألهذه الأسباب إذاً وقف المتدينون ضد فعل التفلسف؟ ربما شكل هذا الأخير مقاومة للنص المعياري الديني في طبيعته الثابتة، التي تختلف عن طبيعة النصوص الفلسفية المتّسمة بالتعدد في التأويل والتجدد في المعنى. هذا حقاّ أكثر من كافٍ إذا نظرنا إلى الكمّ الهائل والانتشار الواسع للنظريات الناعمة والتمثلات المغلوطة في حقِّ الفلسفة والفلاسفة. إن الاشكال إذاً كما قلنا آنفاً يتجلى في كلمة واحدة؛ اللغة، فهي ليست بمعناها الزائل مجرد رموز ترمي غاية الاتصال والتواصل بين البشر باختلاف ألسنتهم، إذ لا يمكن الأخذ بتاتاً بهذا التعريف، لأن اللغة تجاوزت طابعها التخيلي منذ زمن طويل؛ أي أن محاولة تعريفها في السياق ذاته رغم طبيعته الفلسفية صعبٌ للغاية. ومع كل هذا فإن ترجيح مسألة التعريف مع مسألة التواصل الإنساني، يفضي بالضرورة إلى مسلكٍ وسطٍ تصبح فيه مسألة التعريف ممكنةً إلى حدٍ ما. إن اللغة إذاً هي؛ "مجموعة من المسالك الفكرية والذهنية، التي تؤدي بفردين على الأقل إلى نقطة نهاية يتفهم فيها أحدهم الآخر من جهة؛ أو نقطة اختلاف يهاجم فيها أحدهم الآخر من جهة ثانية، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستجابات النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تُستثار في كلا الموقفين".
لاشك أن هذا التعريف يظهر اللغة كسيرورة؛ وجهها الإيجابي ينتهي إلى تفهم الأفراد لبعضهم البعض، ووجهها الآخر السلبي؛ يفتح إشكالات أخرى قد يستعصي الوصول بعدها ولو إلى أدنى درجات الفهم والتفهم. وبتعميق أكثر فإن اللغة تتجاوز أحياناً البعد الذاتي المنتج في الفرد كعاكس لها تجاه الغير، لتدل على أبعاد أخرى تنعكس هذه المرّة على شخصية الفرد، بل وتأثر فيه تأثيراً عميقاً، يمس بشكلٍ أو بآخر الجانب النفسي فيه من ناحية؛ خاصةً موضوع الثقة في النفس وفي الآخرين باعتبارهم المحاورين أثناء اشتغال عملية اللغة. ومن ناحية أخرى يتأثر الفرد باعتباره عضواً في المجتمع، أي أن الجانب الإجتماعي المؤسساتي يتأثر هو الآخر بهذه السيرورة المتعددة الجوانب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق