الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك شيء واضح المعالم إسمه (الإسلام)!؟

أحمد خيري مشاري

2014 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت قد تابعت قبل عدة سنوات مناظرة بين الداعية الاسلامي أحمد ديدات والقس جيمي سواجارت.. يومها قال ديدات: ان كل مسيحي يتبنى فهما خاصاً به للمسيحية ولذلك عليك قبل أن تحاور المسيحي أن تسأله: كيف تفهم المسيحية؟..
كان كلام ديدات صحيحاً ودقيقاً، اذ لا يوجد فكر مسيحي موحد وانما هناك أديان مختلفة تنادي برسالة المسيح وفق فهمها الخاص مما يجعل الحوار مع المسيحي أمر صعباً، فما أن تحاوره حتى يقول لك: هذا الكلام لا يلزمني.. أنا أفهم المسيح والمسيحية هكذا..!!
ولكن بمرور الوقت اكتشفت أن هذه المشكلة لا تقتصر على المسيحية فقط، وانما هي داء موجود في جميع أديان الأرض، وقد بدأت تبرز بقوة في الاسلام ذاته ايضاً..
لم يعد هنالك شيء اسمه (الاسلام) وانما هناك اسلامات متناقضة متصارعة حتى بات من الصعب الحديث عن اسلام موحد النظرة والفكر والمرجعية يمكننا الحوار معه.. فهناك الاسلامات المذهبية (السنة والشيعة والسلفية والصوفية والاباضية والزيدية.. الخ) وتنقسم هذه الاسلامات بدورها الى اطياف فكرية مختلفة ومتناقضة: اسلام القتل مقابل اسلام الرحمة.. اسلام العقل مقابل اسلام النص.. اسلام التسامح مقابل اسلام التعصب..
بل لم يعد الأمر قاصرا على طرق الفهم وانما تعدى ذلك الى مصادر الفهم ذاته!! فكنا نعتقد أن مصادر الاستنباط التشريعي اربعة: القرآن والسنة والاجماع والعقل.. فجاء من جعلها اثنان فقط: القرآن والسنة، ثم جاء من جعلها واحداً فقط: القرآن، ثم جاء من جعل القرآن ميدانا لتأويلات ذاتية شخصية خاصة به، فأجاز لنفسه تعطيل (أو بمعنى أصح نسخ) أحكام وتشريعات قرآنية ثابتة مثل الحجاب والجهاد والجزية والرق والتمييز في الحصص الارثية بين الذكر والانثى وتحريم الربا وتطبيق الحدود.. الخ فكلها أصبحت –وفق هذه الرؤية– أحكاما تاريخية خاصة بمجتمع النبي محمد ونحن اليوم في حل من تطبيقها.. بل لقد جاء من جعل باب النبوة ذاتها مفتوحا على مصراعيه لظهور أنبياء جدد!! وسنده في ذلك القرآن ذاته!! كل هذا تطبيقا لمبدأ التأويل والتفسير الذاتي والشخصي للقرآن بمعزل عن القواعد التقليدية لتفسير القرآن ومرويات التفسير بالمأثور..
والمشكلة هنا أن كل فريق يزعم لنفسه أنه المصيب والمتحدث باسم الاسلام الحقيقي وكل من عداه على باطل!! (أتذكر محاورة من هذا القبيل جرت في قناة الجزيرة بين أبو قتادة على ما أذكر والدكتور زكي بدوي امام مسجد لندن، ويومها راح كل واحد يسخر من افكار الآخر ويتهمه بأنه يخالف الاسلام ويزعم لنفسه الاعتصام بالاسلام الحقيقي.. والحق أن المشاهد المحايد سيحتار في أمره وسيشعر أنه امام اسلامات وليس الاسلاماً واحد!!) وأمام هذا الواقع يحق لنا أن نسأل: من الذي يحق له الحديث عن الاسلام والتمييز بين الاسلام البريء المثالي الطاهر وانحرافات اتباعه؟
من الذي يمثل الاسلام الصحيح ومن الذي يمثل الاسلام المنحرف؟
لعلك ستقول لي: دونك الكتاب والسنة، فهما المعبران عن الاسلام.. مجددا أسألك: أوليس كل اسلامي ينهل من الكتاب والسنة ويجد لفكره وافعاله بل وحتى انحرافه دليل من الكتاب والسنة؟؟
اذن اين المشكلة؟ هل هي في المنتسبين الى الدين أم في الدين ذاته الذي يشكل تربة خصبة لانتاج أديان متقاتلة تخرج من بوتقة دين واحد!!
هل المشكلة في المنتسبين الى الدين أم في الدين ذاته الذي يفسح المجال لتقديم تطرف وقتل وعنصرية وكراهية في مقابل الاعتدال والرحمة والتسامح والمحبة.. ولن يجد كلا من الفريقين صعوبة في تأييد موقفه هذا بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة ايضا بل والزعم أنه هو الممثل الوحيد للاسلام الحقيقي!!
اذن مشكلتنا هي مع النص الديني (ايا كان اسمه) الذي يفسح المجال لتقديم تفاسير متعددة تصل الى حد التناقض!! ويمكنه بشكل عجيب أن يدعم كلا من المتطرف والمتسامح في آن واحد!! بل ويستطيع أي مسلم أن يجد المستند الشرعي لموقفه سواء بإهدار دماء الآخرين أو بحقن دمائهم!! (يقول علي بن ابي طالب: القرآن حمال أوجه).. ويزداد تعقيد المشكلة عندما نجد كل طرف يزعم لنفسه أنه هو من يتمسك بالاسلام الحقيقي الطاهر النقي ومن عداه على باطل.. وهذا ما يجعل الاسلام الواحد اسلامات يصعب الحوار معها..
أحيانا أشعر أن الحوار مع المسلم المتدين بات مسألة عبثية لا تستند الى قواعد ثابتة متفق عليها عند المسلمين، فما أن نحاور مسلماً في واحدة من المبادئ الاسلامية والفقهية حتى يفاجئك بقوله: مهلا.. كل كتب التفسير وأسباب النزول وأحكام الفقه المذهبي لا تمثل الاسلام ولا تلزمني في شيء!! حاورني بالقرآن والسنة فقط!! هكذا وبكل بساطة تفقد مئات الكتب والمصنفات والمراجع الاسلامية كل قيمتها الدينية.. ولا نفهم اذا كانت هذه الكتب تخلو من أي قيمة دينية فلماذا تُطبع وتنشر وتوزع وتدرس حتى هذا اليوم؟؟ لماذا لا يعلن المسلمون صراحة: القوا بهذه الكتب في سلة المهملات فهي تزيد على الاسلام ولا تمثله!!..
هكذا وبكل بساطة يتنصل المسلم من كل هذا التراث الديني الضخم عندما يشعر بالاحراج..
اذن ما الذي يمثل الاسلام؟؟ يقول لك: القرآن والسنة فقط.
حسنا.. مجددا نأخذ عينات من الحديث فيأتيك من يقول: هذه الأحاديث لم تصح عندي!! فهي غير صحيحة ولا تعبر عن الاسلام!! ونحن نعلم بالطبع أن ليس كل ما ينسب الى النبي محمد من الحديث صحيح، ففيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع.. ولكن الغريب في الأمر أن مسألة التعامل مع مرويات النبي تصبح عند الحوار النقدي مع المسلم مسألة مزاجية بحتة، فكل حديث لا يعجبه يصبح ضعيفاً!!.. هذا اذا لم يفاجئك مسلم بالقول: السنة كلها جملة وتفصيلاً، الصحيح منها والضعيف لاحجة تشريعة فيها!!
حسنا.. ما الذي يلزمك اذن؟؟ يقول: القرآن.. نأتيه ببعض الآيات وكل ظننا أننا أخيرا سنلزمه بما يؤمن به.. ولكننا سرعان ما نتفاجأ بالمسلم وهو يقول: لا.. لا.. ليس هذا هو المقصود بهذه الآية.. أنا شخصيا افهم هذه الاية هكذا............. ولُتضرب عرض الحائط كل كتب التفسير وقواعد التفسير وأسباب النزول وعلم اللغة، وطبعا بعد ان يكون قد حاول القفز بين مختلف التأويلات المحاكة بحنكة..
اذن.. هل هناك شيء واضح المعالم اسمه الاسلام!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - علاقة الكاتبة ريم بسيوني بالصوفية عميقة جدا.. ش


.. السيسي وسلطان البهرة.. من هو زعيم الطائفة الشيعية الذي حضر ا




.. فنيش: صاروخ الشهيد جهاد مغنية من تصنيع المقاومة الإسلامية وق


.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي




.. 121-Al-Baqarah