الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقي والكذب

محمد لفته محل

2014 / 7 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الكذب ظاهرة نفسية واجتماعية ولا بد لكل شخص منا أن تصادف وتعرف على شخص كذاب في حياته العملية بالشارع أو الوظيفية أو العمل أو المقهى أو الجامعة، والكذب مدان أخلاقيا ودينيا واجتماعيا مع ذلك الكذب منتشر اجتماعيا نسبيا؟ ولكن اللافت للنظر إن للكذب قبول ضمني اجتماعي غير معلن في حالات خاصة مثل الكذب في البيع والشراء أو الكذب في المزاح أو الكذب في المجاملات والآداب الاجتماعية وهذا ما سأبحثه الكذب بين الإدانة الأخلاقية والقبول الاجتماعي له في مجتمعنا العراقي.
من المستحيل أن يوجد إنسان لا يكذب أبدا، وكل من يدعي خلاف ذلك يكون كذاب في نظر العراقيين، فهناك أسرار شخصية ومواقف محرجة أو خطره تقتضي الكذب أي تدفعنا إليها ضرورة قاهرة على الكذب وليس قصدا أو دافعا داخليا، وهذه الدرجة الخفيفة العامة من الكذب لا تحتسب في أنواعه، فالكذب أنواع ودرجات فمنه المنصب على شخص الكاذب الذي يتخذ من شخصه بطلا في كل المواقف والأمور ويكون منتصرا على خصومه وظروفه، فنسخر منه مبتسمين مستهزئين به، ومنه الكاذب في نقل أي خبر ومعلومة أو وعد وهذا يكون أسوأ من الأول لأنه يضر الآخرين أيضا يؤدي إلى مشاكل كبيرة، والكذاب درجات فمنه من يكذب في كل شيء، وبعضه يكذب في بعض الأشياء، والكذب منه نفسي واجتماعي، ومنه الكذب المتقن والكذب التافه حسب شخصية صاحبه، ونحن نسمي الكذاب (هلاش، يحمه، يطير فيالة، ابو فخري)، والمثل يقول إن الكذاب احترق بيته فلم يصدقه الناس حين راح يستغيث بهم، أو (يفوتك من اﻟ-;-ﭽ-;-ذاب صدﮒ-;- ﭽ-;-ثير) أي أن الكذاب لا نصدق حتى صدقه، بسبب فقدان ثقة الناس به، وهي جزاء له على خداعه، مع ذلك لا يتغير الكذاب عن كذبه! ورغم هذه الإدانة الأخلاقية للكذب هناك قبول اجتماعي ضمني له غير معلن في البيع والشراء يكون من حق البائع خداع المشتري ببضاعته ببيعها بأغلى سعر ممكن بإقناعه بمواصفات بضاعته الممتازة مهما كانت رديئة حالفا بأغلظ المقدسات، من جانبه يكون المشتري حذرا من البائع فيبخس من حق بضاعة البائع والتقليل من قيمتها وسعرها المعروض إلى الحد الأدنى الممكن حتى يصل الطرفان إلى التوافق في لعبة صراع الكذب المتبادل الذي يسمى بالعامية العراقية (عِملة، معاملة) وبعد أن ينتهي صراع الكذب على اتفاق وسطي يختم البائع كلامه بكذبة أخيرة حين يسدد المشتري المال (خليهَ على حسابي) مدعيا بيع بضاعته مجانا على حسابه!! هذا الكذب المقبول اجتماعيا ومن حق كل بائع أن يكذب على الشاري، والشاري يعلم بالكذب فيحاول أن لا يقع في خداع البائع فيكذب هو الآخر بالتقليل من قيمة البضاعة وسعرها، فيكون الكذب مزدوج بين البائع والمشتري، وحين ينخدع المشتري يقع اللوم عليه كمغفل والقانون لا يحمي المغفلين كما يقال! وهذا يعني إدانة الضحية وتبرئة البائع الكذاب (الجاني)! ولا حيلة للضحية غير اتهامه (ما يخاف من الله) والدعاء له بالبلاء الإلهي. كذلك يكون الكذب مقبولا في المزاح والذي يسمى أحيانا الكذب الأبيض، وهو مشروع في ما يعرف إصلاح ذات البين، أي إصلاح بين متخاصمين، وفي والمجاملات كعدم ذكر مساوئ وأخطاء وعيوب الآخرين حتى لا تجرح مشاعرهم، والكذب مقبول بل وملزم في الآداب الاجتماعية كدعوة الآخرين للضيافة (يله تفضل ويايه، والله) أو حين تأخذ مالا دينا (خليهَ خاف ما عندك) أو حين يهم الضيف بمغادرة منزلك يجب أن تقول (وين رايح؟ بعد وكت) أو (أبقى عالعشى أو عالغدى) أو تقول له بعد الضيافة (اعذرنا عالتقصير) فيرد عليه المدعو (شكرا، رحم الله والديك، دايم الله يخليك، الله يزيدها عليكم) وهو كذب يقر به المجتمع ويلزمه، بغض النظر عن صدق النية، بل مجرد كليشة يجب أن تقال في مواقف محددة، وكل من لا يلتزم به يكون قليل الأدب! والناس تقول عن هذه الآداب (ﺤ-;-ﭽ-;-اية اﻟ-;-ﺗ-;-ﻨ-;-ﮕ-;-ال ولو باﻟ-;-ﭽ-;-ذب) أي تقر بنفسها بشرعية الكذب، وهو كذب مزدوج أيضا يعلم به الطرفان الداعي والمدعو، وهناك كذب قيمي نتيجة القيم الاجتماعية مثل الكذب الذي يكون خوفا من الحسد حيث الغني يدعي العوز أو يكذب بشأن ثروته وأملاكه، أو كذب الرجال بقوتهم الجنسية الاستثنائية أو كذبه بأنه زير نساء أو انه لا يُغلب في أي شيء، وهناك كذب بالعكس يأتي لغياب أشياء وليس لوجودها وهو أيضا كذب قيمي، فلأن الفقير محتقر اجتماعيا يكذب الفقراء بأنهم أغنياء، أو الادعاء بالنزاهة وهو فاسد وهكذا.
الذي أريد أن أصل إليه أن تبرير الكذب ضمنيا اجتماعيا هو احد أسباب الفساد الأخلاقي في المجتمع، ووجود ثغرات أخلاقية تتيح لنا غش الآخرين بالكذب عليهم بدون إدانة، انه كذب متعلم من المجتمع وليس من الأفراد، ولا علاقة له بنفسية الشخص، فنرى الكذب في البيع وفي أصحاب المهن برفع أجورهم وسوء تنفيذ العمل إذا لم يكن الزبون (صاحب المال) مشرفا على الحرفي، ونرى كثير من العلاقات الاجتماعية يشوبها النفاق والنميمة رغم الود المتبادل اجتماعيا، لكن هذه الأكاذيب أصبحت تقاليد ومن الصعوبة اقتلاعها من المجتمع، بالتالي تحتاج إلى جهد تربوي وإشاعة ثقافة النزاهة والصدق في حياتنا الخاصة والعامة والمهنية، من خلال العقوبات والمكافئات، والنموذج الأمثل في النزاهة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا