الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلة والمعلول

سيد القمني

2014 / 7 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سيد القمني
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى
( 9 )
العلة والمعلول


تنويه عن خطأ في الفصل السابق : العبارة " ولم يكتشف العقل البشري أخطائه المنهجية إلا بعد ديكارت على يد مؤسس المنهج التجريبي الإنجليزي ( جون لوك) مًكتشف المنهج العلمي في التفكير ومن تبعوه بإحسان " ، وصوابها هو : " ولم يكتشف العقل البشري أخطائه المنهجية إلا بعد ديكارت على يد مؤسس المنهج التجريبي الإنجليزي ( فرنسيس بيكون ) مًكتشف المنهج العلمي في التفكير ومن تبعوه بإحسان " .
العلة والمعلول
في نص يعرفه كل من له حظ من معرفة ، يقول حجة الإسلام وفيلسوف السنة الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة ( ص 277 ) : " إن الاقتران بين ما يُعتقد في العادة سبباً ، وما يُعتقد مُسبباً ، فليس ضرورياً عندنا .. فليس وجود أحد السببين يقتضي وجود الآخر ، مثل : الري ( الارتواء من الماء ) والشرب ، والشفاء وشرب الدواء ، وأن اقترانهما هو لما سبق من تقدير الله سبحانه بخلقهما على التساوق لا يكون ضروريا في نفسه .. فالله قادر على خلق الشبع دون الأكل ، وخلق الموت دون حز الرقبة ، وإدامة الحياة مع حز الرقبة " .
يُريد الغزالي منا أن نُعطل حواسنا وعقولنا وأن ننكر ما نراه بحواسنا وتدركه عقولنا من أساب مادية لأحداث مادية بحسبانها من توهُمات العقل البشري ، وألا نرى الحدث المادي لازم وضروري عن سبب لولاه ما حدث الحدث ، وأن نُسلم له ومعه أن كل ما يحدث يرجع جميعه للإرادة الإلهية وحدها ، ثم يوضح ما يمكن تلخيصه في أن الله هو العلة الأولى لكل حدث ، وهو العلة الأولى لوجود الوجود ( الكون ) ، وخلق مع كونه عقل الإنسان الذي قام بالربط بين المتلازمين بحسبانهما سبب وحدث بوهم وحدس كاذب ، بينما ما يوجد في الواقع فعلا هو حدث يتلوه حدث وليس سبب يتلوه حدث ، ويكون كل ما نراه من علل هو وهم يصنعه العقل البشري بالعادة الرابطة للمُتتالي ، نتيجة رؤيته تلازُم الحدث مع الحدث ، فيصنع عقله مالا وجود له ( أي السبب ) ، بينما الله هو العلة الحقيقية لكل حدث ، فالعلل المحسوسة غير قائمة بذاتها إنما بذات الله ، ومن ثم لا توجد سوى علة واحدة هي العلة الأولى لكل حدث ، هي الله ، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ، وما رميت إذ رميت لكن الله رمى ، وأُس الإيمان أن تؤمن بقضاء الله وقدره !! .
لفهم هذا الإيمان يجب أولا تحرير مُصطلح ( العلة والمعلول ) وضبطه وتحديد دلالته بدقة ، وكي يتم ذلك يجب الإجابة عن أسئلة يفرضها العقل حتى يفهم ، مثل : ماهي علاقة العلة بالمعلول ؟ هل هي علاقة تحول كالقول : إن اللبن هو علة الجبن ؟ أي أن اللبن تحول عن كونه لبنا موجوداً إلى لون آخر من الوجود لم يكن موجوداً هو الجبن ، أم هي علاقة فاعل بمفعول كأن نقول : إن التخمُر هو علة تحول اللبن إلى جبن ؟ أم نقول : إن إنزيم التخمر الذي تفرزه بكتيريا المنفحة جعل اللبن يتخثر ويصبح جبناً ؟ فتكون العلاقة هنا علاقة تفاعل كيميائي طبيعي سواء أردنا أم لم نُرد وشئنا أم أبينا . نضع المنفحة في اللبن بالحتم يصبح اللبن جبناً .
في هذه العملية البسيطة أكثر من علة لزم تواجدها حتى تتم عملية تجبن اللبن ، لزم أولا وجود المنفحة الصالحة المُنتجة لبكتيريا التخمر ، ولزم وجود مُريد مختار حي وفاعل للفعل يقوم بوضع المنفحة في اللبن ، وعلى هذا المُريد قبل ذلك تدفئة اللبن عند درجة الحرارة المناسبة ، ويلزمه خلط الخميرة باللبن لإحداث التجانس بينهما ، وهي كلها أفعال بشرية عن قصد وإرادة وغرض ، استخدمت مجموعة من العلل الطبيعية الكيميائية التي لا خيار فيها لأنها حتمية الحدوث متى توفرت الظروف الملائمة . لذلك يكون توفر اللبن وتوفر المنفحة لا يصنع جبنا دون الحي المُريد ... (وهو هنا الإنسان ) .
يبدو لي واضحاً أن الغزالي والفلاسفة القدامى قد خلطوا بين مصطلحين لكل منهما دلالته المختلفة عن دلالة الآخر ، خلطوا بين ( العلة ) وبين ( الفعل أو الصُنع أو العمل ) ، وبين ( المعمول أو المصنوع أو المفعول ) وبين ( المعلول ) ، ونتيجة الخلطين خلطوا معهما خلطاً ثالثاً بين أمرين ، لا يمكن أن يلتقيا ناهيك عن أن يختلطا ، وهُما : ( الإرادة ) و ( الحتمية ) !!!
ان الفعل مُتعلق بوجود إرادة لمُريد اختار هذا الفعل وفعله ، أو رفضه ولم يفعله ، فأنا أُقرر وأختار أن أزرع أو لا أزرع ، أن أمشي أو لا أمشي ، فالفعل والصنع والعمل يحتاج لكائن بيولوجي حي يملك حواساً وعقلا وإرادة ، أما العلة والمعلول فتربطهما علاقة حتمية جبرية لا فكاك منها ، فلكل صنعة صانع ... نعم ، لكن ذلك لا يطابق مدلول العلة والمعلول ، لأن الصنعة تتطلب إرادة ، أن أُريد أو لا أريد هي قرارات الكائن الحي تقوم على قياسات عقله ، كالإنسان له حواس وعقل وإرادة تختار ، لذلك تخلو كل كواكب المجموعة الشمسية وأقمارها من الإرادة والصنعة والفعل ، وبالتالي من الخير والشر لعدم وجود الكائن المُريد ، لكنها غير محرومة من العلة والمعلول ، النيزك يضرب القمر فيملأه فجوات ، والشمس تلظيه بحرارتها فتُحدث به الشقوق ، هي علاقة علية بين علة ومعلول ، والمعلول حتمي الحدوث متى ظهرت العلة ، لا يمكن للمياه أن ترفض أن تغلي وهي على النار ، أو يرفض المغنسيوم الاشتعال في الأوكسيجين ، بينما كائن حي كالأسد شبعان لا يريد صيداً ، جاع يصطاد ، والحيوانات القابلة للافتراس موجودة في الحالتين ، فله أن يختار أن يفترس أو لا يفترس ، وأن يحدد فريسة بعينها ، ومثل هذه الخيارات لا تقع إلا في عالم حسي فيه من يملك الحياة والحس بالحواس والإدراك بالعقل وحرية الاختيار بالإرادة ، أن يفعل أو لا يفعل .
وفوق ذلك فإن ( الفعل أو العمل أو الصنع ) كفعل يصدر من مشيئة عاقلة لمُريد ، يمكنه توظيف علل الطبيعة الحتمية لينتج معلولا ، فقبل ظهور الكائنات الحية لم يوجد صانع ولا مصنوع ولا فاعل ولا مفعول ولا عامل ولا معمول ، فالقمر ظل خاليا من أي فعل حتى نزل عليه الإنسان ليفعل فيه ، أما العلة فهي موجودة سواء وجد الكائن الحي أو لم يوجد ، فتضاريس القمر تُعلن ألوان وأشكال من العلل التي شكلت سطحه ولا زالت تؤثر فيه . وتضاريس القمر ليست نتيجة فعل مُريد بل نتيجة علل كونية حتمية التلازم ، لأنها غير مرتبطة بإرادة يمكن أن تُقدم أو تحجم ، والعقل البشري يقوم بتوظيف علل الوجود الحتمية ليوجد معلولات . ولهذا السبب تحديدا حدث المزج بين العلة والفعل ، نتيجة قدرة العقل على توظيف العلل الحتمية بالتجربة والخطأ ليعرف النتيجة الحتمية للعلة ، ثم مزجها بالإرادة لتنتج معلولات . فعندما يهز الفيل جذع الشجرة ليسقط الثمار ، يكون قد مزج فعله الإرادي بالعلة الحتمية وهي الجاذبية الأرضية التي أسقطت الثمار ، والطائر عندما يرفرف بجناحية بإرادته يستثمر قاعدة حتمية : تفريغ الهواء يؤدي للتخلص من الجاذبية ، وعندما يطفو دون رفرفة يستثمر قانوناُ آخر هو الانزلاق على هواء الرفع الساخن الصاعد من الأرض ، ولو لم يوجد هواء ما طار لاستحالة الفعل ، هنا تكون هزة الفيل للشجرة ورفرفة جناحي الطير هي الفعل المريد المستثمر لعلل الطبيعة الحتمية ، وإلقاء خشبة في النار فعل إرادي يمكن فعله أو العدول عنه ، لكن إلقائها يتحتم معه حدوث الاحتراق ، ويكون الفعل المُريد فاعلا وليس علة ، هو فاعل يستثمر علل الطبيعة الحتمية ، لأن علة الاحتراق هي اتحاد الأوكسيجين بالخشب والنار ولا خيار للخشب في الاحتراق من عدمه ، فالعقل يوظف العلل عن إرادة واختيار فينشئ حضارات تقبل الزوال ، أما العلل الكونية ومعلولاتها فهي غير قابلة للزوال ، والوجود الكوني تنعدم فيه الصنعة والفعل ، لكن انعدام العلة والمعلول فيه فهو ما يعني توقف قوانين الفيزياء وانهيار الوجود .
اذن يجب تخطيئ الإمام الغزالي وفلاسفة زمنه لخلطهم الصانع بالعلة والمصنوع بالمعلول ، ومن المُعيب أن يظل هذا الخلط قائما دون أن يتعرض للإصلاح ، خاصة بعدما قطع الإنسان شوطاُ عظيماُ من التحضر بعد اكتشاف منهج التفكير العلمي الذي يعود بالفضل لمؤسس المذهب التجريبي ( فرنسيس بيكون ) وبعده فتوح ( كوبرنيكوس ) ، وانتقلت البشرية في قرنين نقلة هائلة باكتشافات ما خطرت على قلب نبي ولا إله . لنؤكد على وجوب الفصل بين ما هو علة وبين ما هو فعل أو صنعة ، وأن العلة لا تملك خيار أن تفعل أو لا تفعل فهي لا تملك عقلا ولا إرادة تثنيها عن الفعل ، طالما هي موجودة هي تُعلل لمعلول بالجبر والحتم ، لذلك لا تعرف ما هو واجب ولا ما هو حلال أو حرام على أي ملة أو دين ، فهذا كله شأن يتعلق بكائن حي يشعر بحواسه ويفعل بعقله وإرادته ليس بينه وبين ما يصنع أو يعمل علاقة ضرورة وحتم ، والعلاقة هنا علاقة صانع بمصنوع وفاعل ومفعول ليس بينهما علاقة حتم ، خاضعة لإرادة واختيارات العقل البيولوجي ، فيمكن للنجار أن يصنع الكرسي أو لا يصنعه أو يصنع بدلا عنه سريراً أو باباً ، لكن كتل الحديد في فرن صهر المعادن ستنصهر حتماً ، وخسوف القمر وكسوف الشمس حتميان عندما تترتب الكواكب بما يعطي هذه النتائج ، هي حتميات والحتمي يمكن توقعه وقياسه بدقة ، فعندما يتحول القمر عن الهلال إلى التربيع الأول إلى البدر إلى التبيع الثاني إلى المحاق ، يمر بمراحل معلولة حتميا لعلل هي الوضع الزمكاني للكواكب والشمس وليس لإرادة مريد . وعندما يجتمع قطيع الحمير الوحشية والأسد لا يشكلان سبباً حتمياً لفعل الافتراس ، فقد يكون الأسد غير راغب ، أو يحاول الافتراس ويفشل ويفلت الحمار بمهارته وقد لا يفلت ، نحن مع الإرادة الحرة أمام حدث غير مؤكد الوقوع لأنه فعل وصنعة ومهارة وإرادة ، والأسد يفهم ذلك ، والحمار يفهم ذلك ، لذلك يستخدم كل منهما كل مهاراته ، هذا للافتراس وذاك للنجاة .
النتيجة إذن أن امتلاك الإرادة لا يحول دون فقدها أو فشلها ، وأن الحيوانات شريكة للإنسان في امتلاك الإرادة ، لكنها أحيانا تتنازل عنها عن إرادة كما يحدث مع الحيوان في الأسر وتستبدل إرادتها بالسمع والطاعة ، فيصبح الحصان رهن إرادة السائس والوسيلة لجام وكرباج وطعام وماء دون بذل جهد ، فيتحول من كائن حر إلى عبد بالترغيب والترهيب كما في حيوانات السيرك ، وكما يمكن سلب الإرادة يمكن استردادها بالثورة أو الهرب أو العتق بإرادة السيد أو كمن يطلق طيراً أسيراً .
وهذه المعاني تؤدي لنتيجة هي أن جميع كواكب مجموعتنا الشمسية التي نعرفها جيداً هي بلا خطيئة لأنها بلا آدم وبلا أنبياء وبلا مسيح يُصلب عليها ، فهي لا تعرف سوى العلل والمعلولات الجبرية . وتخلو من الفعل والمفعول ، لذلك لا نجد لله بيوتا ومقدسات على كافة الكواكب ، لكنه موجود على الأرض وحدها حيث الصانع والمصنوع .
ويشترط لوجود الإرادة عدم القدرة على التنبؤ بها وما سوف يصدر عنها من أفعال ، ويمكن أن تأني بأفعال غير متوقعة ، وأن تتوافر لها شروط الاختيار ، فالنهر لا إرادة له في جريانه لأنه محكوم بمستوى الانحدار وكمية الماء وتدفقه وبالضفاف ولا سبيل أمامه غير ذلك . والإخضاع للإرادي يلزم أن تكون لدى الخاضع أولا إرادة يمكن سلبها منه لصالح غيره بإخضاعها لإرادة أخرى ، ويمكن للإرادة إيقاف فعلها الإرادي والتراجع عنه أو اختيار بديل له . والإرادة تبحث دوماً عن صالحها الخاص وتحاول الاستيلاء على إرادات الآخرين حيواناً أو إنساناً ، فيستولي الرجل على إرادة المرأة أو العكس ، ويستولي الإنسان على إرادة الحيوان ، ويستولي الاستعمار على إرادة الشعوب المحتلة ويستولي رجال الدين على إرادة المؤمنين وتسخيرهم وسوقهم إلى مجازر دموية بثمن دنيوي بحت وبخس للمصالح الخاصة .
لمزيد من الفهم لو تصورنا شخص يقف وسط ميدان تتقاطع عليه شوارع عديدة ، يتطلع للشوارع ليختار ما سيسلكه من بينها ، ولكونه صاحب إرادة لا نستطيع أن نحدد أي الشوارع سوف يختارها فكل الاحتمالات مفتوحة أمامه ، ولن نعرف متى سيتحرك ولا إلى أي الشوارع سيتجه ، لكن بالنسبة للشمس ولكونها غير ذات إرادة ، يمكنا أن نعرف بكل دقة متى ستأتي بأشعتها إلى الميدان ومتى سترحل ، ومتى سيتحرك شعاعها وإلى أي الشوارع سيتجه .
علينا أن نلاحظ أيضاً أنه حتى تنتج العلة معلولها يتحتم أن يجمعهما حيز واحد ، فمجرة درب التبانة تحوي ملايين الشموس والكواكب والأقمار ، لكن لا هذه ولا تلك تنير أو تضئ كوكب الأرض ، ولا تحدث لدينا نهاراً ولا ليلا لأنها خارج الحيز ، خارج مجموعتنا الشمسية ، وعليه فإن العلل الكونية التي جاءت الموجودات معلولة لها يجب ويلزم أن تكون داخل الكون والوجود ، ومن ثم لا يكون للوجود خارج ولا داخل ، لأنه حتى لو افترضنا بالخطأ وجود كون أو وجود خارج كوننا ووجودنا ، فإنه لن يؤثر في كوننا ولا في وجودنا لعدم وجود المعلول في حيز العلة . فإن كان الوجود موجوداً لعلة وجب أن تكون علته من داخله ، وأن تكون علة واحدة لوجود واحد ، وأن تظهر لجميع العقول بشكل واحد وبنفس الوضوح ، ويقع عليها الاتفاق لأنها علة حقيقية جاءت من مصدر حقيقي ، أما إن ظهرت كعلل متعددة تتعدد بتعدد العقول وتختلف من عقل لآخر فهو ما يعني أكثر من وجود ، ويكون لكل إله كعلة وجوده الخاص الذي أوجده ، ويكون لكل وجود علة تختلف عن علة الوجود المجاور ، ولو كانت علة الوجود خارجه لكانت معدومة فلا شيء خارج الوجود سوى العدم . ولما كان وجودنا واحداً لزم أن تكون له علة واحدةً ، ويكون ما يقدمونه لنا من علل عديدة حسب كل دين هي تصورات وليست عللا حقيقية . وبمعنى أوضح : طالما أن الوجود الذي أدركه هو نفس الوجود الذي يدركه الآخرون ، فهو ما يفيد أنه وجود واحد وإن تعددت العقول التي تدركه وكلها على اختلافها تقر أنه وجود واحد ، فكون الوجود واحداً هي قضية لا خلاف عليها كذلك إدراك هذه العقول المختلفة أن للوجود علة واحدة أوجدته ، لكنها لم تتفق على هذه العلة ، خلافاً على قضية وهمية لها علاقة بالمصالح أكثر مما لها علاقة بإيمان من عدمه .
والإصرار على وجود علة أولى يلزمه الاعتراف بوجود معلول أخير يكون وجوده حتمياً ، ووجود معلول أخير يعني التوقف والفناء ، فتوقف حركة الأرض حول الشمس يعني انتهاء قوة الطرد المركزي التي كانت تحفظها بعيداً عن الشمس ، فتجذبها الشمس وتبتلعها ، فالعلة في بقاء الأرض هو دورانها حول الشمس وتوقف الدوران كعلة يعني فناء المعلول ( الأرض ) وأيضاً فناء العلة وهي قوة الطرد المركزي ، فالعلة لا توجد من دون معلول . ووجود المعلول الأخير يعني التوقف عن استمرار الوجود ، ويعني التوقف ، والتوقف للوجود هو الفناء ، والوصول إلى معلول أخيرة يعني انعدام العلة نتيجة الوصول إلى معلول أخير لا معلول بعده ، أي انعدام العلة والمعلول معاً وانعدام الوجود . ولو افترضنا مجازاً إمكانية الوصول إلى معلول أخير مع وجود العلة الأولى باقياً ، فهو ما يعني إمكان وجود العلة دون أن يكون لها معلولا ، أي وجود وحيد بلا معلول ، وهو ما يعني أن العلاقة بين العلة والمعلول علاقة اختيار أي علاقة إرادة فالعلة الأولى وُجدت دون أن ينتج عنها معلول ، إذن هي لا تريد هذا المعلول ، وقواعد الإيمان الديني تستلزم الاعتقاد أن العلة الأولى مُريدة يمكنها أن توجد كعلة بدون أن تنتج معلول ، ويمكنها أن توجد ويكون لها معلولا عندما تقرر أن تخلق ، ويمكنها ألا تفعل حسبما تريد ، والله فعال لما يريد كعلة أولى لكنها ليست حتمية بل إرادية .
هكذا اعتقاد لا يعني إلا الفوضى وكوننا غاية في الانضباط ، فليس للأرض خيار أن تجذب الاجسام أو لا تجذبها ، فعلاقة العلة بالمعلول لا إرادة فيها ، وإذا كان في الوجود إرادة وخيار أن يكون أو لا يكون ، سيكون هذا عملا وفعلا وصناعة يكون أحد طرفيه كائن حي مريد إنسان أو حيوان أو حتى حشرة ، تكون علاقة الفعل بالمفعول مرتبطة ومتعلقة بالإرادة بعكس علاقة العلة بالمعلول ، فالأرض لا تمتلك أن تسرع في دورانها حول الشمس وليس لها أن تقلل من سرعتها ، ولا للماء اختيار ألا يتحول ثلجاً في درجة صفر ، ولا للمغنيسيوم ألا يشتعل مع الأوكسيجين . ولو تدخلت الإرادة هنا لسقط الوجود كله .
والفاعل والمفعول لدى الكائنات الحية محكوم عليه بالزوال فهو إلى نهاية ، ومن يقول بإرادة إلهية يُخرج الله من العلل الكونية الدائمة الوجود ، ويجعله كائناً فانياً مثل كائنات الأرض الحية ومن ثم لا تكون إرادته أزلية أبدية ، وهكذا صنع الإيمان آلهة على مثال الكائنات الحية وأعطوها حواساً وفكراً وإرادة ، فهو يعطي ويأخذ ويفرح ويغضب ، ولكن ذلك كله يعني أنه كائن حي بيولوجي ، يعني محكوم بالفناء وهو ما يناقض الأزلية والأبدية ، لذلك قاموا بإخراجه خارج الوجود ليمكنهم القول إنه كان وحيداً في الأزل ويبقى إلى الأبد ، لكن صفة الأزل والأبد مشروطة بدوران الأرض حول الشمس لتخلق الزمن ، ولو توقفت الأرض سيضيع الماضي والحاضر والمستقبل والأزل والأبد ويسقط يوم القيامة وقصة الخلق في ستة أيام ، فوجود الآلهة قائم على شروط لا بد من حدوثها ، وما يوجد على شرط يزول بزوال الشرط .
وللحسم مع أطروحة وجود علة أولى نفسر ما حدث بالمثال التالي : في حال وقف أحدهم أمام مرآة داخل غرفة ليس فيها إلا هو والمرآة ، فإن ظهور صورته في المرآة لم يضف شيئاً لمحتويات الغرفة ، فإن أدخلنا للغرفة مرآة أخرى ووضعناهما متقابلتين ورجلنا يقف بينهما ، فسيظهر في المرآتين ما لا نهاية له من الصور ، وكل هذه الصور لم تضف للغرفة شيئاً ولم تتبدل محتويات الغرفة بالنقص أو الزيادة ، لكن ما تبدل قد حدث في عقل الواقف بينهما ، نحن هنا بإزاء سلسلة لا نهاية لها من العلة والمعلول وكلها خيال ووهم وغير موجودة في الحقيقة ، ومهما بحثت عن العلة الأولى لكل هذا التعدد اللانهائي لن تجد سوى عيون الرجل وعقله ، ولو أظلمنا الغرفة وامتنع عنها الضوء ستتوقف حاسة البصر ولا ترسل للعقل الصور وهنا تختفي العلة والمعلول معاً ولم يزد ولم ينقص شئ من محتويات الغرفة ، وهو ما يفيد أن العلة والمعلول لا علاقة لها بالمادة الفيزيقية أو بالوجود ، وليست أكثر من توهمات عقلية ، فإن توقف العقل عن التخيل اختفت معادلة العلة والمعلول والموجد والموجود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 29 - 21:13 )
أولاً : نهدي للقراء الكرام , لقاء د. هيثم طلعت في قناة (الرحمه) , و فيه تم نسف الإلحاد من أساسه , تابع :
https://www.youtube.com/watch?v=RTTs_5v51Dc
ثانياً : في عام 1927 وضع (هايزنبرج) مبدأ (عدم اليقين) أو مبدأ (الريبة) , وهو مبدأ فيزيائي من المباديء التي تحكم الكون , ينُص هذا المبدأ على (أننا ممنوعون من معرفة الحقيقة الكلية , وليس لنا أن نختار إلا نصف الحقيقة أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون عنها) .
يعتبر مبدأ (عدم اليقين) لـ(هايزنبرج) قانون صارم من قوانين الطبيعة ولا يرتبط بأي شكل ببعض القصور الموجود في أجهزتنا , وهو مبدأ يُعلمنا أنه ليس في وسع الانسان إلا المعرفة الجزئية أما المعرفة الكُلية فهذه حكمة لم يُسمح لنا بالاطلاع عليها .
ويعتبر هذا المبدأ من أعظم المبادئ أثراً في تاريخ العلم الحديث حيث أنه يضع حداً لقدرة الإنسان على قياس الأشياء.


2 - ميكانيكا الكم
محمد علي ( 2014 / 7 / 30 - 05:28 )
ما علاقة البهائم بنظريات ميكانيكا الكم خليكم في بول البعير- الأطباء يؤكدون بول الإبل يسبب الفشل الكلوى- وارضاع الكبير ومفاخدة الصغير ونكاح الجهاد


3 - اللاحتمية
محمد علي ( 2014 / 7 / 30 - 06:16 )
من النتائج المترتبة علي نظريات ميكانيكا الكم هي ان الطبيعة ليست حتمية وتخضع لدوال احتمالية مما يؤدي الي انهيار السببية وامكانية حدوث الكون بدون الحاجة الي العلة الاولي والمحرك الاول


4 - اللاحتمية
محمد علي ( 2014 / 7 / 30 - 06:16 )
من النتائج المترتبة علي نظريات ميكانيكا الكم هي ان الطبيعة ليست حتمية وتخضع لدوال احتمالية مما يؤدي الي انهيار السببية وامكانية حدوث الكون بدون الحاجة الي العلة الاولي والمحرك الاول


5 - !!! هاهاهاها عبد اللات خلف
يحيى توتي ( 2014 / 7 / 30 - 06:45 )
اعتقد انك لم تقرء المقال وان قراته لم تفهمه لكنك لازم تدخل وتنهق نهيقك المزعج الممل والكريه وان نهيقك باعتقادك هو تغريد بلابل !! وعلى فكرة نسيت ان تذكر يسوعك الناصري !!!


6 - شكرا اخي يحيى ومحمد علي على ردكم
فراس ( 2014 / 7 / 30 - 08:27 )
شكرا اخي يحيى ومحمد علي على ردكم... اشعر بالغثيان عندما اقرا مقاله جميله للاستاذ القمني واجد حولها تحوم بهايم الصحراء وروثها الذي يغطيها من رؤؤسها لاسفل قدمها تلوث المكان وتزعج القراء وتطلب زياره اللنك الفلاني لنجد بهيمه يتحدث محاولا تقليد البشر


7 - تحيه طيبه
احمد ( 2014 / 7 / 30 - 13:55 )
دائما من اسعد الاوقات عندما نرى مقال للرائع سيد القمني .. تحيه من القلب لهذا المفكر الرائع والمحترم ...
ولصديقي فراس اسمح لي ان اكون بجانبك واشعر بالغثيان ايضا من بهائم الصحراء .. وكميه التعليقات السخيفه جدا جدا .. والمزعج انهم لايقبلون بكمله نقد واحدة عندما ندخل لنرد على مواضيعهم المكررة والببغائيه لتعظيم وتمجيد دين او موقف لايستحق الوقوف عنده ..
والاخ عبدالله بدر رجاء المرة السابقه تحديت بالعلم فارجوك ابتعد عنه واحصر مجالك في نقد الاديان المكدسه لتمتعنا ببشريه وسطحيتها ...
شكرا مرة ثانيه للرائع سيد القمني ولك مني خالص الحب والمودة


8 - رابط من هنا ورابط من هناك
محمد علي ( 2014 / 7 / 30 - 16:48 )
كل تعليقات المدعو تلف لينك من هنا ولينك من هناك ليس لها علاقة بموضوع المقال فيشوش علي القراء فيصرفهم عن المقال وعن موضوع المقال


9 - الي الاخ فراس
محمد علي ( 2014 / 7 / 30 - 19:03 )
شكرا لك اخ فراس
فعلا كل تعليقات المدعو تلف في كل المقالات بالموقع عبارة عن لينكات وروابط الي مواقع البهايم فهو لايستطيع ان يكتب تعليق من عنده كله نسخ ولصق


10 - مش عارف ليه
ابراهيم المعلم ( 2014 / 7 / 31 - 00:54 )
مش عارف ليه قلبى حاسس ان كل التعليقات اللى فوق كتبها معلق واحد - بأسماء مستعارة - بيرد بيها على المعلق الأول
وتبقى حوسة لو كان اللى فى بالى


11 - ابراهيم
محمد علي ( 2014 / 7 / 31 - 11:59 )
خدلك شوب بول بعير وبالهنا والشفا


12 - ابراهيم المعلم
يحيى توتي ( 2014 / 7 / 31 - 23:00 )
اعتقد قلبك اخطء الاحساس لانك ماملبسه لباس -هاهاهاها -انا رديت بالفيس بوك على ابو علف الواوي لكن رقابة الحوار مانعة ظهور تعليقاتي للعلن فقط انا اراها ولتاكيدها اعيدها تعليقا هنا والاخوة فراس ومحمد علي لم اتشرف بمعرفتهم واذا كنت ذكي تقدر تعرف نفس الشخص من اشياء كثيرة لن اقول لك ماهي انت كون ذكي واعرفها - مثلا -والعلمو عند هبل تعالى -الاخ محمد علي وحسب تحليلي -يكتب في صفحة الفيس بوك الرائعة (العلم يكذب الدين ) ربما اكون غلطان لكن شفت اشياء وهو سيجيب مشكورا -تحياتي للجميع -عدا ابو علف الواوي -هاهاهاها - وشكرا لموقع الحوار المتمدن


13 - السيد القمنى
محمد الفاتح ( 2014 / 8 / 17 - 20:37 )
السيد القمنى اسم سيتذكره التاريخ الى جوار أسماء أخرى زينت سماء الثقافة المصرية الحديثة

ولكن السؤال المهم الآن: كيف يختم السيد القمنى حياته ؟
ماذا يكتب الآن ... وهل يستحق منه هذا الذى يكتبه اضاعة الوقت الثمين المتبقى ؟
فلسفة إيه اللى بيكتب فيها سيد القمنى الآن ؟

إسقاط الاسلام - أو الدوران حول جذوره - ليس شأنا يستحق أن يضيع المرء فيه حياته لأنه ساقط ساقط .. آجلا أو عاجلا

افهمنى يا عم سيد

انت عبقرى وهذا وصف لحقيقة وليس مدح

نريد من عقلك الفريد أن يدلنا على الطريق .. الطريق الى أن نكون كالأوروبيين .. طبعا فى مرحلة ما بعد سقوط الاسلام وليس الآن .. هى كتابات للمستقبل

كيف نصطنع سياسات من شأنها تحويل الشخصية الهمجية الى شخصية جسورة خلاقة .. تنهض بالبلاد الى أعلى عليين فى زمن قياسى لنناطح الغرب فى علمه وفنه وأدبه وقبل كل شىء فى ذوقه وخلقه

يا عم سيد .. استرخ واترك لعقلك العنان يصف الطريق فى سلسلة ذهبية تستحق ان يجمعها كتاب باسمك تحت عنوان : مستقبل العلوم والفنون فى مصر .. يتفوق على ما سبق وأصدره طه حسين فى ذات الموضوع بالرؤية العملية الأرحب

سنظل فى شوق وترقب

اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ