الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يُمثل الإسلام الصحيح

أحمد خيري مشاري

2014 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عبارات نسمعها دائماً ويرددها المسلمون بإستمرار مثل أن؛ تنظيم القاعدة لا يُمثل الإسلام الصحيح.. طالبان لا تٌمثل الإسلام الصحيح.. الإخوان المسلمون لا يُمثلون الإسلام الصحيح.. بوكوحرام لا تُمثل الاسلام الصحيح.. داعش لا تُمثل الإسلام الصحيح.. إلخ..
والإستنتاج المنطقي السهل الأول المُفترض من هذه العبارات، أن لدينا فعلاً نسخة من "الإسلام الصحيح" الواضحة التي يُقاس عليها كافة تجارب التطبيق ونستخلص منها بسرعة هذه الأحكام. والإستنتاج المنطقى السهل الثاني المُفترض من هذه العبارات، أن كل مسلم يعرف تفاصيل وتعاليم هذه النسخة بشكل جيد ما يجعله قادراً على ترديد هذه العبارات بثقة عالية جداً.
ولكن على أرض الواقع فإن الإستنتاجين خاطآن. حقيقة الأمر أن تعاليم الإسلام رغم مرور ما يقرب من 1500 عام على وجود نصوصها (القرآن والحديث)، لم تنتج لنا بعد نسخة التعليمات النهائية المُتفق عليها. كما أن حجم الإختلاف فى فهم التعاليم يزداد بمرور الوقت، لأن النصوص والمصادر التى لم تُثمر عن فهم ومنهج واحد منذ قرون، يستحيل أن تثمر عن فهم واحد، مع تشعب الحياة وتعقيداتها وإستحداثاتها المستمرة.
والإستنتاج الثاني خطأ أكبر، فرغم أن كل مسلم تقريباً، يؤكد أن تعاليم الدين هى المصدر الأول والرئيسي فى حياته، إن لم يكن الوحيد، لكن نظرة سريعة إجمالية على محيط معارفك، في الأسرة والدراسة والعمل، ستعرف معها أن أغلب المسلمين لم يقرأوا في حياتهم كلها، ولو مرةً واحدة, كتاب لتفسير القرآن بشكل كامل، أو كتاب شرح أحاديث، ومن الطبيعي جداً أن تجد شخصاً يحفظ عدة سور ويرددها يومياً فى صلواته، لمدة عشرات السنين، دون أي إستيعاب أو فهم لمعاني بعض الكلمات والجمل.
والسؤال الآن، ما دام متوسط المستوى المعرفي العام لجمهور المسلمين بهذا الشكل المتواضع -ولن أقول المُتدني- فما هو تحديداً مصدر الثقة العمياء في تكرار عبارة (هذا لا يمثل الإسلام الصحيح)!!؟
ما يحدث ببساطة، أن كل شخص يعيش الآن في سنة 2014 لديه تركيبة سلوكية وأخلاقية، مستمدة من خليط معرفي من كل المصادر السابقة فى تاريخ البشرية، ولهذا ستجد الغالبية في أي مجتمع على سطح الأرض حالياً، تستنكر فكرة "العبودية" مثلاً، وهى فكرة لم تكن تُمثل مشكلة للغالبية منذ عهود قريبة. فبمجرد أن تسأل أحدهم عن موقفه من العبودية، ستسمع غالباً إستنكاراً ورفضاً لها، يتضمن تلقائياً وبشكل آلي جملة (العبودية حرام)، رغم أن كل الأديان الإبراهيمية لا تحتوى على أية نصوص قاطعة بتحريمها، وفى تاريخ المسلمين بالأخص، كانت العبودية نشاط مستديم ومقبول، منذ فجر الإسلام وحتى العصور الحديثة، والتي أرغمتنا فيها القوانين والمواثيق الدولية وحدها على الخلي عنها ومنعها.
لذا فهي حالةٌ من الإسقاط والربط التلقائي فى المواقف والأحكام الأخلاقية بالدين، حتى لو كانت مصادر الدين ونصوصها لا تدعم هذا الربط، ويمكنك مراجعة تصريحات العديد من شيوخ الإسلام في مسألة العبودية. لكن الشخص الغير مطلع، سيميل فوراً للرأي والفتوى التي توفر له الحكم المتعايش مع روح العصر، والتي تقول بأن العبودية لا مكان لها فى حياتنا.
السيناريو السابق تكرر عشرات المرات في السنوات الأخيرة؛ مجموعة من الإسلاميين المتشددين يريدون تعديل قوانين الزواج، لتسمح بزواج الأنثى في أي سن، وهو ما كان مقبولاً ويحدث فعلاً في عصر النبي والمسلمين الأوائل. أما القيم المعاصرة فلا تتقبل فكرة الزواج من طفلة. الإسلاميون المتشددون إذاً لا يُمثلون الإسلام الصحيح؛ ولكن أين النص الذي يمنع أو يحرمذلك؟.. لا يوجد، ولكن توجد ثقة عمياء لدى أغلب المسلمين اليوم بأن الإسلام الصحيح لا يسمح بذلك, وهذه الثقة ليست نابعة من الفكر الإسلامي أو النصوص الإسلامية, ولكن نابعة من الخليط المعرفي التي نعيش في كنفه اليوم والناتج من التقدم الحضاري للبشرية وتمازج الثقافات المجتمعية المختلفة.
هل يجب إعدام المرتد؟ سؤال بسيط وواضح، عمره أكثر من 1400 عاماً، وستسمع فيه حتى الآن إجابات مختلفة من الشيوخ والفقهاء, منهم من يرى وجوب ذلك إستناداً الى القرآن والسنة النبوية، ومنهم من يرى أن "إعدام المرتد" موقف تاريخي وسياسي لا علاقة له بالدين, وسيميل للرأي الثاني كل مسلم ينظر للعالم ويرى حرية العقيدة من الحقوق الضرورية المكفولة في أي دولة متحضرة ومتقدمة، وسيستخدم تلقائياً (هذا لا يمثل الإسلام الصحيح) لوصف أي كيان أو تنظيم يدعم العكس.
(هذا لا يمثل الإسلام الصحيح) في الحقيقة هي مجرد عبارة إستنكارية تلقائية غير منطقية يرددها المسلم في مواقف مختلفة، عندما يجد تناقضاً غريباً بين ما يجده ضرورياً وإنسانياً ومنطقياً وأساسياً في بناء المجتمع المتحضر، وبين ما يراه على أرض الواقع مع نتائج تجارب تطبيق الشريعة وإستدعاء نصوصها، لكن "الإسلام الصحيح" مجرد مصطلح لوصف شيء غير معروف وغير محدد، ولا يوجد له معيار قياسي حقيقي على أرض الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 133-Al-Baqarah


.. 136-Al-Baqarah




.. مستوطنون يقتحمون ساحات المسجد الأقصى ويرفعون العلم الإسرائيل


.. كلمة أخيرة - علاقة الكاتبة ريم بسيوني بالصوفية عميقة جدا.. ش




.. السيسي وسلطان البهرة.. من هو زعيم الطائفة الشيعية الذي حضر ا