الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلام النسوي ( حل لمشكلة العدم )

رفقة رعد

2014 / 8 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اعجابي الكبير بالنساء جعلني اراقب تحركاتهن و جلساتهن و طريقة عملهن ، جاءني هذا الشغف من صغري وانا اراقب النساء الأقل شأننا من الرجل ، و عندما بدأت افكر بالحرية كمطلب انساني ليس له علاقة بالنوع الجنسي لهذا الانسان ان كان ذكراً أو أنثى ، و عندما بدأت بالتساؤل عن القدرة التي تمتلكها المرأة كي تكن كائن غير مغبون الحق ، بل كائن يقف ليواجه العالم أو عالمه الطبيعي دون ان تشعر احداهن انها في مكان لا يمثلها .
اتحدث هنا عن نساء تركن حياة كاملة بعد رحيلهن ، نساء صنعن من حياة الآخرين مستقبل. و اثناء بحثي عن هذا النوع من النساء وجدت الكثيرات حولي بدءاً من أمي و انتهاءنا بامرأة تبيع الغاز في شوارع بغداد. لا فرق عندي ان كانت موظفة بدوام كامل أو بدوام جزئي أو كانت عاملة تنظيف ، هن عندي ملكات سعين طوال حياتهن ليكن موجودات هن واطفالهن ، تلك النسوة جعلنا من العراق رغم خرابهِ مكاناً جميل ، يسعني ان ابتسم اذا ما نظرت إلى جزئياته ، وان كان ملامح الألم هي التي ستصادفني في وجوههن ، لكن لم يمنعهن هذا الألم من انجاز الكثير ، حزني فقط على عمر تبدى دون متعة ، فمتعة نساء مهموات كانت بسيطة جداً ومحدودة ، لكثرة تعثرهن بالخيبات .
تواصلي المستمر مع النساء جعلني ادرك ان اغلب هؤلاء النسوة غير مدركات إلى غياب كينونتهن أو اسباب وجودهن في هذه الحياة ، و السؤال الفلسفي ( لماذا نحن موجودين في هذه الحياة ؟ ) اذا ما طرحته على احداهن ستبتسم دون ان تدرك حتى ما الغاية من السؤال . شعور المرأة بالعدم في عالم المفروض يكون من ضمن وجودها ، يحتاج إلى كشف هذا العدم اولاً اي ادراك المشكلة ، ومن ثم السعي إلى حلها ، المرأة العربية كائن معدم لا يجد نفسه ضمن عالم الرجل أو ضمن عالم خاص به ، لان وعيها بوجودها منقوص وهذا ما يجعلها قليلة الوعي في امكانية الحل و كيف يمكن ان تنتقل من ذات مخفية إلى ذات واضحة المعالم و مرئية . الشعور بالعدم يمكن نقله و التغلب عليه اي له حلوله التي كشفتها بعض من النساء أو ظروفها جعلت كشفه واضح ، و لعل من ابرز هذه الحلول هو الحوار النسوي ، أو الاجتماعات النسوية البحته على فترات زمنية متقاربه يتشاركن الحديث و الخبرات ، و اكيد استحضار الصدق في القول ، و في استقبال الخبرات بعيداً عن النميمة أو تداول الاخبار مع الغرباء .
لو راقبنا نساء جنوب العراق من نساء الاهوار أو نساء قرى حدود بغداد كمثال، سنجد ان النساء اكثر قابلية على التعبير عن الذات و ينتقص لديها الشعور بالعدم وذلك يعود إلى الاحتكاك المباشر بينها و بين باقي النساء ، فلا انعزال يمكن ان يمنعها من التحدث عن تجربتها أو ما تشعر به مع الاخريات ، و حتى احتكاكها مع عالم الرجال موجود لان عملها في الحقل أو الهور يجبرها على كل ذلك ، فنجد شخصيتها أكثر صرامة و قدرة على الاستنطاق.
الكلام عند افلاطون هو الديالكتيك الذي يكشف عن الحقيقة التي يبحث عنها الفيلسوف أو كل هاوي نحو المعرفة ، فما الضرر من كشف حقائق النساء لانفسهن بالديالكتيك ، بالتكلم و الاستماع و اللغة ، في ان يتشاركن لغتهن و مواضيعهن الخاصة ، في ركن خاص من هذا العالم ، خصوصاً اذا كان استخدام اللغة العامية هي الاساس في هذا الحوار والتقارب ، لان العامية أكثر قربا للذات من الفصحى ولربما أكثر قدرة تعبيرية للإنسان ، و يعتبر مصطفى صفوان ان كل لغة فيها متسع للتخيل الشاعري و للكلمة المناسبة ، فليس هناك من لغة سوقية ولغة نبيلة ، فالفصاحة و السوقية كلاهما ممكن في كل اللغات ، كما اكد دانتي مسبقاً على ان اللغة التي يتعلمها الإنسان على ثدي أمه هي الافضل. العامية لغة الحياة اليومية لا لغة السلطة أو الدولة ، لذلك هي تضمن للذات ان تكون ضمن بيئتها الصحيحة لبوح أكثر رصانة و صدق، وهذا ما تحتاجه المرأة ان تكون أكثر قدرة على التعبير عن ذاتها و بالتالي تشعر بحجم غيابها و تسعى للظهور.
هناك في داخل كل إنسان طبيعة فطرية للبوح ، مهما كتمنا في انفسنا ومهما حاولنا تقمص دور الصامتين ، هي حالة تشمل حاجتين تحتاج إلى اشباع ، تتمثل الاولى في الحاجة إلى البوح ، و الثانية هي الحاجة إلى مصغي جيد ، فالكلام ليس حالة سرد لغوي كما يمكن ان نفعل ذلك مع جهاز تسجيل صغير في غرفة معزولة ، الكلام تواصل مع الآخر ، هو فعل إنساني تفاعلي أكثر من كونه فعل ذاتي ، يمكن ان يحقق التعددية و الاستثناء بين الذات و الآخر ، فكما تقول حنا ارندت (( نحن ندرج انفسنا في العالم الانساني بالكلمة والفعل ، وهذا الادراج هو مثل ولادة ثانية ، نؤكد من خلالها و نأخذ على عاتقنا الحقيقة العارية لمظهرنا الجسدي الاصلي)) . رغم ان حنا تعتبر الفعل و الكلام غير مشروط و تنبع بواعثه من بداية مجيئنا إلى هذا العالم ، فهو بالتالي ليس حاجة ، ولكن ما يصيب الذات بشكل عام أو المراة بشكل خاص ، من عدم يقتل ذاتها و يجعل من حائط منزلها هو اقصى ما يمكن ان تراه هنا يكون الكلام و الفعل حاجة ملحة للحرية .
وهنا يأتي دوري و دور كل امرأة ، ليس في عقد لقاءات نسوية أو ممارسة فعل الكلام فحسب، بل دورنا كمصغيات جيدات ، نتعلم كيف تكون اعيننا بئر يستوعب ذات الآخر و كيف يكون حضننا فراغ واسع لأستيعاب ما يخزنه الآخر ، فنجمع في نهاية اللقاء كل ما جمعناه يوماً عن أب أو صديقة ، عن حبيب أو أخت ، نتشارك به بلغتنا فيخلق التواصل و يخلق الوجود، ولعل اغنية مشتركة نرددها سوية يمكن ان تشبع هذه الحاجة أو رقصة تتلامس بها اكتافنا يمكن لها ان تغير حال الذات و عدميتها إلى مكان اوضح لرؤيتها ، ربما رقص سماع كما يحب ان يصفه الصوفية ، وهذا ما تحتاجه كل النساء ، رقص سماعي يخرجهن من عالمهن النسوي إلى العالم الانساني ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرات بوينغ: لماذا هذه السلسلة من الحوادث؟ • فرانس 24 / FRA


.. رفح.. موجات نزوح جديدة وتحذيرات من توقف المساعدات | #غرفة_ال




.. جدل الرصيف الأميركي العائم في غزة | #غرفة_الأخبار


.. طلاب فرنسيون يطالبون بالإفراج عن زميلهم الذي اعتقلته الشرطة




.. كتائب القسام تقصف مدينة بئر السبع برشقة صاروخية