الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الخامس

طوني سماحة

2014 / 8 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المستغرب أن نبحث عمّا علمه المسيح عن الزواج و هو الذي ربما يكون الوحيد بين مؤسسي الديانات الذي لم يتزوج و لم يرتبط بامرأة قط. بالعودة الى التاريخ، نعرف أن آلهة الديانات القديمة كانوا إما متزوجين أو مرتبطين بنساء. فعشتروت إلهة الخصب لدى الكنعانين و الآراميين هي زوجة أدونيس. و جوبيتر حسب تسميته اللاتينية أو زوس حسب التسمية اليونانية كان رئيس الآلهة لدى الإغريق و هو زوج و شقيق هيرا أو جونو التي سعت للانتقام منه بسبب علاقاته الغرامية الكثيرة. أما آلهة الهنود فلم يكونوا استثناء إذ كانوا يمارسون الزواج شأنهم شـأن البشر و آلهة الامم الآخرين، فكانت بارفاتي أو شاكتي زوجة لشيفا و كان لهما ابنا إلها اسمه سبرمانيا، كما أن شيفا أنجب إلها آخرا اسمه شاستا من خلال علاقته بإلهة اسمها موهيني.

أما مؤسسو الديانات، فأبرزهم كونفوشيوس، بودا، المسيح، و محمد. ارتبط كونفوشيوس، و هو صيني الاصل، بزوجة اسمها "كي غوان شي" و أنجب منها صبيا و ابنتين، لكنه هجرها فيما بعد كيما يتم له التفرغ لدعوته، و يذكر عنه التاريخ أنه لم يكن ودودا لزوجته. أما الامير بودا، و هو هندي الاصل، فقد تزوج من الاميرة يسودارا ابنة عمته و هما في السادسة عشرة من عمرهما. و لما أتما التسعة و العشرين، أنجبت له الاميرة طفلا. و بحسب التقليد، هجر بودا زوجته في اليوم ذاته الذي أنجبت فيه، كيما يتفرغ للعبادة و طلب الحكمة. كان وقع الصدمة قويا على الاميرة الشابة التي قامت فيما بعد بخلع مجوهراتها و ارتداء ثوبا أصفر اللون و الاكتفاء بوجبة من الطعام يوميا حتى نهاية عمرها. أما فيما يتعلق بمحمد، لا شك أن القارئ العربي و المسلم على معرفة به أكثر من غيره من مؤسسي الديانات. فهو تزوج من إحدى عشرة امرأة كان أولهن خديجة التي كانت تكبره بخمسة و عشرين عاما ، فيما كانت عائشة أكثرهن قربا منه و كانت تصغره بما يزيد عن أربعين عاما.
أشرنا في المقدمة أن المسيح لم يرتبط بامرأة من خلال علاقة عاطفية أو زواج. كما ذكرنا في المقال السابق أن المسيح ابتدأ رسالته على أرضية ثقافية يهودية. فالدين اليهودي، هو دين و دولة في آن معا، و هو يشرّع كافة تفاصيل حياة اليهودي بما فيه الزواج. و كما في أمور أخرى، كذلك أيضا في ما يتعلق بالزواج، انطلق المسيح من العهد القديم اليهودي ليبني عهدا جديدا، يكون جوهره الروح و الحق. في ملكوت الروح و الحق الذي اطلق عليه المسيح تسمية " ملكوت السماوات"، تختلف المعايير و المقاييس فتسمو بالانسان في فضاء رحب و عال.

أباح سفر التثنية في العهد القديم الطلاق شرط أن يعطي الرجل زوجته كتاب طلاق في حال وجد فيها عيبا ما. كانت مدرسة "شاماي" اليهودية تحصر الطلاق في حالات الخيانة الزوجية فقط. أما مدرسة "هلال" فكانت تتيح للرجل تطليق زوجته لأي سبب حتى لو كان هذا السبب لا يتعدى إحراق رغيف خبز بطريق الخطأ. لكن و في كلتا الحالتين، أباحت المدرستان حق الرجل تطليق زوجته. و لتأجيج هذا الجدل الحامي، أتى الفريسيون مرة كي يجربوا المسيح فسألوه " هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟". كان السؤال بحد ذاته فخا يريد السائل من خلاله استدراج يسوع لجدل حاد يضعه في صف فريق ضد آخر. و بدل أن يؤيد المسيح أو يعارض أحدى هاتين المدرستين، وجه أنظار السائلين الى هدف الله من إرساء مؤسسة الزواج ألا و هو وحدة الزوجين العاطفية و النفسية و الجسدية، فأجاب " أما قرأتم أن الذي خلقهما من البدء خلقهما ذكرا و انثى؟ من أجل هذا يترك الرجل أباه و أمه و يلتصق بامرأته و يكون الاثنان جسدا واحدا. إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (متى 19: 1-6)

فهم السائلون قصد المسيح من عدم قبوله بمبدأ الطلاق جزئيا أو كليا، فسألوه " فلماذا أوصى موسى أن تعطى كتاب طلاق فتطلق؟" بدا للسامعين و كأن يسوع كان بجوابه ينقض تعليم العهد القديم. لكن المسيح أجاب "إن موسى من أجل قساوة قلوبكم إذن لكم أن تطلقوا نساءكم. لكن من البدء لم يكن هكذا." حوّل المسيح بجوابه هذا أنظار اليهود عن الطلاق الى الهدف الإلهي من مشروع الزواج ألا و هو وحدة الزوجين، لكنه في المقابل برر التشريع الوارد في تثنية 24 و الذي يحلل الطلاق بما أبداه اليهود من قساوة قلب و عدم نضج روحي. و لم يكتف المسيح بهذا القول، بل كعادته انطلق من التشريع اليهودي الذي أعطي لشعب ما زال دون المستوى الروحي للقصد الإلهي، و انطلق بسامعيه الى ملكوت السماوات ألا و هو عهد الروح و الحق، فقال "إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا و تزوج بأخرى يزني، و الذي يتزوج بمطلقة يزني". من الملفت للنظر أن هذا القول صعب حتى على تلاميذ المسيح الذين كانوا يفقهون الامور من خلال فهمهم للثقافة اليهودية آنذاك، فأجابوا "إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج". و بدل أن يوافق المسيح على قولهم، قال لهم " ليس الجميع يقبلون هذا الكلام، بل الذين أعطي لهم..."

إذا و في خلاصة القول، أن المسيح علم أن ارتباط الرجل بالمرأة جزء من مشروع إلهي، يبنى على علاقة مقدسة تربط طرفين في وحدة غير قابلة للانفصام، إلا في حالة الزنى. لكن الله سمح بالطلاق في العهد القديم لأن الإنسان كان آنذاك غليظ القلب و غير مهيإ روحيا لاستيعاب مستوى قداسة الفكر الإلهي. أما في العهد الجديد أو ملكوت السماوات، فالإنسان مطالب بمستوى سلوك ينسجم مع فكر هذا العهد، ألا و هو عهد الروح و الحق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran