الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنتِ فايروس !

محمد ابداح

2014 / 8 / 6
المجتمع المدني


أنتِ فايروس
إن هذا العمل لن ينتهي اليوم، وحتماً لن ينتهي الغد، عطاءات مستمرة وتقارير ميدانية عدة ومستمرة، يجب فرزها كلها، وتحليلها، وتقديم توصيات ومقترحات، ومن ثم طباعتها، وإرسالها للجهات المعنية، لدراستها وتقيمها، والخروج بقرارات حول إعادة إعمار غزة، فالمصيبة كبيرة والنتائج كارثية، والجو مشحون بمشاعر الغضب تارة، والصمت القسري تارة أخرى، فيجب عدم الإفصاح عن كم الحقد الهائل الذي يثور في نفوسنا تجاه ما يحدث في غزة، وخصوصاً بأننا نعمل ضمن فريق غربي في الأمم المتحدة، لديهم عيون وجواسيس، وأقل كلمة تخرج من أفواهنا تعبر عن سخطنا لهذا التجاهل الدولي وللأسف الإقليمي العربي، للمجازر الرهيبة التي تحدث في غزة من قبل العدو الصهيوني، قد تتسبب في فصلنا من الوظيفة، فمال العمل إذن ، تساؤلات تدور في عقلنا ذهاباً وإياباً، وفجأة يتعطل الحاسوب، تباً ..، ربما هي الفيروسات، أو أن الحاسوب قد صرخ من هول الكارثة في غزة، ومن حجم البيانات والمعلومات الدامية التي أدخلناها فيه، فقد أعلن اعتصامه ورفضه لكل هذا الألم، وكل هذه المهازل الدولية التي لاتكترث بالمواطن العربي، حسناً يجب أن أنهي تلك التقارير، وسأقوم بوضع برنامج مضاد الفايروسات جديد، إذن فالحل هو في أنتي فايروس ، نعم قلتها بصوت عالي وأنا في المكتب، ( أنتِ فايروس!) وفي نفس اللحظة حضرت لمكتبي الآنسة تسنيم ، وهي سكرتيرة القسم وبيدها بعض الملفات والتقارير الجديدة، وقد سمعتني وأنا أحاور نفسي مردداً الكلمة المذكورة، فغضبت مني قائلة: أنا فايروس يا استاذ محمد! الله يسامحك، ثم ألقت التقارير على مكتبي وهمت بالخروج، فأخبرتها بسرعة، بأنني كنت أقصد أنتي فايروس ( Anti Vairous )، أي برنامج مضاد الفايروسات، لأن جهاز الحاسوب قد تعطل، وليس كما فهمتي أنت!، ثم كان علي مغازلتها قليلاً ببعض كلمات المدح، فقلت لها بل أنت دينمو القسم وفاكهة الدائرة، وباربي الفتيات، فابتسمت في بلاهة أول الأمر، ثم ضحكت حين أدركت الأمر، وعلى أية حال، قد يتبادر لأذهاننا وعقولنا تفسيرات مغايرة للواقع الذي نعيشه، فهل هو فايروس يصيب عقولنا، إسمه سوء الفهم، قد يصل حد الوهم! .
و رغم عدم شيوع مصطلح فيروسات العقل، إلا أنها حتماً منتشرة بين الناس وخصوصاً الإنسان العربي، ولا بد أن الغالبية منا قد أصيبوا بها في مرحلة ما، ولكن لم يتم تشخيصهم بعد، واللافت في الأمر أنه في كثير من الأحيان قد يتسبب الطبيب أوخطيب المسجد، والإستاذ الجامعي، ومعلم المدرسة،أوحتى الأب في بيته، بإصابة المرء بهذه النوعية من الفيروسات، فالمقصود بـفيروسات العقل هو التشكيك، على اختلاف أنواعه الذي يحدث للمرء بين الحين والآخر، فعلى سبيل المثال، عندما يقوم الطبيب بإعلام المريض عن الأعراض الجانبية السيئة لمرض معين، فإنه دون قصد يمكن أن يزيد من فرص التسبب بإصابة المريض بتلك الأعراض.
كما أن من يرغب في ممارسة رياضة معينة يمار تساعده على إنقاص وزنه، أو المحافظة على لياقته البدنية، ستجد كثرة المنظرين له ( الفايروسات) المتحدثين عن تجاربهم السابقة ، وفي هذه الحالة لو قام ذلك الشخص بإخبار من حوله عن خطته لإنقاص وزنه، ربما يجد شخصا أو أكثر ينصحونه، ولكن الأغلبية ستخبره بأنه لن يستطيع الاستمرار لأكثر من أسبوع، من خلال الحديث عن تجاربهم الشخصية التي واجهت الفشلفي النهاية، مما قد يؤثر عليه سلبياً.
ويمكننا أن نستنتج أن فيروسات العقل، ما هي إلا موروثات فكرية سلبية مبنية على تجارب سابقة كالخوف والوهم والوهن أيضاً وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين، فعبارات مثل :
إن مشروعك هذا سيحتاج لسنوات طويلة كي يحقق النجاح !
لو كنت مكانك لن أقوم بمثل هذا الأمر !
يعني بصراحة أعتقد أنك كبرتي كثيراً على القيام بهذا الأمر!
فجميع تلك العبارات السابقة وغيرها، يمكن أن تشكل ضررا على من يؤمن بها فكرياً، ولذا يجب علينا الإدراك التام بأن التشكيك في قدراتنا يعد أولى خطوات الفشل، وغالبا ما يصاب المرء بالوهن أو الخوف أو اللامبالاة ( فيروسات العقل)، بسبب أقرب الأشخاص لديه، لذا فإن ردة فعل المرء على هذا الداء هي التي تحدد حجم تأثيره، وحتى نتمكن من مقاومة هذا المرض النفسي يجب علينا إمتلاك قناعة راسخة بالهدف الذي تسعى من أجله ومن إمكانية تحقيقنا لذلك الهدف، فعند قيام أحدهم بإلقاء كلمة قد تؤثر على ثقتنا بأنفسنا، فيجب مباشرة بتفعيل الأنتي فايروس، أي مضاد الأفكار السلبية من عقولنا، وكما نفعل في أجهزة الحاسوب عند تعطلها بفعل الفيروسات، يجب علينا أن نحذف من عقولنا أي أفكار سلبية قد تؤدي بنا للضعف أو الخوف، وأن نقتنع بأننا تستطيع حذفها فعلا، كما يجب أن نحرص على أن نحيط أنفسنا بأشخاص يؤمنون بنا وبقدراتنا.

محمد ابداح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة




.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين


.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت




.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا