الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات ميتافيزيقية 1 - فى أصل وجود الإنسان

تامر عمر

2014 / 8 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يُعرف فى الثقافة الإسلامية أن إرادة الفرد عند الله شىء جليل وعظيم، بدليل أن الله سبحانه قد ترك للفرد حرية إطاعته أو عصيانه، وحتى الإيمان أو الكفر به. حتى أن الشيطان نفسه، له إرادة محترمة عند الله، والدليل على ذلك أن الله إذا أراد للشيطان ألا يمارس عصيانه وإغواءه للناس لما تركه يفعل، لكن الله قد شاء أن يحترم إرادات مخلوقاته حتى العاصى منهم والمارق، وصولاً إلى إبليس ذاته، رمز العصيان وأيقونتة.
ويُقال لك أن مكانك فى الآخرة مرهون باستخدام إرادتك، فلو أطعت الله كان مكانك الجنة، ولو عصيته فمصيرك جهنم، وأن الشر إذا وقع منك فما ذلك إلا لاحترام الله تعالى لإرادة عباده، حتى لو اقتضت تلك الإرادة ممارسة الشر وإنزال الضرر بالغير (لحين يوم الحساب فى الآخرة بالطبع).
من هنا، وحسب المفهوم الدينى، فأنت - بالتأكيد - حر فيما تفعل، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل. فقط جرب أى شىء يخطر على بالك وستجد أن الله لا يمنعك. فإذا أردت خيراً فستفعل، وإذا أردت شراً، فأيضاً، ستفعل.
ولا أكتمك سراً، فأنا سعيد بتلك الفكرة، ليس لأنى من هواة ممارسة الشر والإيذاء، ولكننى سعيد بها لأسباب تتعلق باحترامى العميق لإرادة الإنسان. وفى اعتقادى، فكلما اتسعت مساحة احترام إرادة الإنسان فى مجتمع ما، كلما دلّ ذلك عندى على رقىّ المنظومة الثقافية والقيمية التى يتمتع بها المجتمع الذى يعيش فيه هذا الإنسان. ومن هنا، تأتى أسباب سعادتى من هذا التصور الدينى لإحترام الله لإرادات مخلوقاته فى سلوكياتهم.
لكننى دائماً أساءل نفسى: إذا كان الله قد احترم إرادة الإنسان فى سلوكياته (على أن يكون حسابه فيما بعد فى الآخرة)، فهل احترم الله إرادتنا - من الأصل - فى أن نأتى إلى الدنيا أو لا نأتى؟ عندما تطرح هذا السؤال على أحد المشايخ، ففى الغالب ستكون إجابته كالتالى: "بالفعل، لقد اخترتَ أن تأتى إلى الدنيا بمحض إرادتك، ولم يجبرك الله سبحانه على الوجود فيها. فأنت قد اخترت وقررت أن تكون أحد المخلوقات على هذا الكوكب، ليس ذلك فحسب، بل إنك اخترت أيضاً أن تكون مخلوقاً عاقلاً، والعقل مناط التكليف والحساب، ومادمت تفعل الخير وتترك الشر فمصيرك الجنة، فاهدأ واطمئن".
لكننى فى الواقع لا أستطيع أن أطمئن. فهذا الإختيار وهذا القرار من جانبى، والذى أقررت فيه وأردت عن عمد - وبعد دراسة مفترضة وتفكير سابق - أن آتى إلى الدنيا، هذا القرار أنا، ببساطة، لا أتذكره!! هل يتذكر منكم أحد هذا القرار وذاك الإتفاق؟ بالطبع لا. إذن، فالسؤال لا يزال قائماً أمام العقل الدينى ينتظر الإجابة: نحن يا مولانا لا نتذكر أى شىء عن هذا الإتفاق وهذا القرار الذى اتخذناه، فكيف بالله عليك تريد أن تقنعنا بأنه قد حدث؟
يقول لك مولانا محاولاً الإجابة: "لأن هذا الإتفاق كان فى عالم آخر هو عالم الغيب، ولهذا السبب أنت لا تتذكر منه شيئاً". وأقول أنا: ولو، كان من العدل والإنصاف أن أظل متذكراً هذا القرار، حتى أظل باستمرار واعياً لفكرة إرادة الحياة، وحتى لا يأتى يوم أتذمر فيه من حياتى، إذ أن هذه الحياة قد وُجدت بناء على قرارى وإرادتى.
وعْى الإنسان المستمر وذاكرته الممتدة الموصولة بين عالمى الغيب والشهادة مهمان جداً فى الفكر الدينى. والمثال على ذلك أوضح من الشمس. ففى الآخرة (وهى غيب وعالم آخر غير عالمنا)، وعندما يحاسبنا الله على أفعالنا، فسنتذكر كل خير فعلناه وكل شر اقترفناه، فذاكرتنا يومئذ ستكون امتداداً لنفس الذاكرة التى عشنا بها فى الدنيا فى عالم الشهادة، وذلك أمر منطقى والعكس غير منطقى. ففى يوم القيامة، لو وقفت أمام الله ناسياً ما فعلته فى الدنيا فليس للحساب معنى. وإذا أنا نسيتُ فعلاً ما فعلته فى الدنيا أثناء حسابى أمام الله فى الآخرة، فسأزعم له - صادقاً - أننى لم أقترف هذا الشر أو ذاك، هذا ببساطة لأننى قد فقدت ذاكرتى. وبما أن الله يحاسب الضمائر والسرائر - وليس بالشواهد والقرائن كما يفعل القضاة فى الدنيا - فسيكون ضميرى مرتاحاً بالتأكيد، فأنا قد فقدت ذاكرتى وليس بوسعى الإعتراف بأى شر اقترفته!!
مسألة اختلاف عالم الغيب عن الشهادة لا يجب أن يُنسينا أى قرار اتخذناه هنا أو هناك. فهنا، فى الدنيا، يجب أن أتذكر هذا القرار الشخصى الواعى، الذى صدر منى فى عالم الغيب بالوجود فى الدنيا والتعرض لمتاعبها وآلامها. ذلك هو العدل والمنطق كما أراه، ولا أرى أى سبب وجيه لنسيان هذا القرار. فهل تراه أنت كذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 8 / 9 - 03:09 )
1- إن كنت لا تتذكر أى شىء عن هذا الإتفاق وهذا القرار الذى اتخذت , فلماذا لا تنتحر؟ .
2- من أجل إنتاج بروتين واحد بسيط وظيفي نحن بحاجة إلى برميل يوجد بداخله خليط من الأحماض الأمينية بشرط أن يكون حجم هذا البرميل (مليارات مليارات مليارات أضعاف حجم الكون) ويأخذ فترة من الوقت (مليارات مليارات مليارات أضعاف عمر الكون) , كل هذا من أجل انتاج بروتين وظيفي بسيط مثل بروتين الجلوبين الموجود داخل الهيموجلوبين الذي يحمل الإكسجين على كتفه وينقله من الرئة الى خلايا الجسم المختلفة ثم يأتي هذا الجسم ويطالب بعدم محاسبته! .

اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج