الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نتجه نحو دولة ديموقراطية لكنها شمولية قمعية ؟

عمر أبو رصاع

2005 / 8 / 9
المجتمع المدني


في عمق العقم السياسي العربي معضلته والآفة التي طالما آذته وحالة دون تقدمه وتغيره الظاهرة الإقصائية ، ظاهرة رفض الآخر أو الظاهرة التي أسميها بظاهرة التفكير الإجماعي ضداً على التفكير الجماعي ، ولهذه الظاهرة حقيقة جذورها الموضوعية المرتبطة بأسلوب الإنتاج وشكله والنظم الاجتماعية والاقتصادية التي تمحور حولها ، وهي ليست ظاهرة خاصة بالعرب دون غيرهم من شعوب الأرض بالمناسبة إلا أن لها من الجذور لدى العرب خاصة ما ليس لغيرهم من الشعوب بالمجمل تقريبا .
كان لدراستي المؤلف الموسوعي الهام مقدمة إبن خلدون الأثر الأكبر في توجيه فكري شطر التركيز على خصوصية التجربة العربية وسماتها كمدخل إلى فهم عملي لإشكالية السلطة وبنيتها لدى المجتمع العربي ، والحق أن لم تستوقفني كثيرا نظريته في العمران إلا من زاوية واحدة هي كونها محاولة في فهم التاريخ كحركة تطور وهي بذلك تمثل استثناء وبادرة تقدمية بالقياس إلى ما كان يكتنف العصور الوسطى جملة من فهم وتفسير لحركة ذلك التاريخ وإذا أردنا أن نؤرخ لأهمية الرجل في تاريخ المعرفة عامة لقلنا أنه صاحب قدم وإضافة من هذه الزاوية كأول من صنف في علم الإجتماع الانساني ، إلا أن ما لفت نظري في هذه الجولةعبر مقدمته تناوله بالتحليل بغض النظر عن النتائج التي استخلصها الحياة الاقتصادية للقبيلة ليصل عمق حقائق كامنة عزيزة على الدارس العربي الذي أنفق وقته متجولا في مدارس التفسير الغربية عامة من اليمين واليسار على حد سواء ثم حاول أن يسقط تلك التفاسير والقراءات على الواقع العربي فهما وعملا غافلا عن مسألة في غاية الأهمية هي أن هذه المنظومات الفكرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية إنما أنتجتها ظروف تفاعل مجتمعي آخر نمت وتبلورت في ثقافات مغايرة تحاكي ذلك النسيج تطوره وتتطور معه ، وهكذا جاءت الحلول الاسقاطية الجاهزة أبدا في واقعنا فجة في الفهم والتطبيق والنتائج بالضرورة لأنها فشلت أو فشل أصحابها في تبيئة تلك النتائج والاستخلاصات ، والتبيئة هنا إذا جاز لنا نحت المصطلح فبمعنى جعله منسجم مع البيئة كفاعل ومنفعل بها .
استوقفتني عبارة ابن خلدون " أهل المدينة العربية عيال على غيرهم في المحامة والمدافعة" طويلا بل وأجلت النظر في عالم عربي امتدت رقعته وترامت أطرافه فعبثا سقطت على حاكم واحد يمتد أصله إلى المدينة بل العكس إنما استند حكامنا إلى مناطق هي في الغالب الأعم الأكثر إيغالا في التخلف! وقد اسهم المفكر البحريني محمد جابر الانصاري في تعميق هذا الفهم حول هذه الاشكالية خصوصا في كتابه "السياسة جذر العطل العميق عند العرب"
أننتصر إذا لنظرية العصبية التي خرج بها ابن خلدون ؟
ليس تماما لكن هناك جسم كان يتحرك بضخامته داخل هذا التاريخ العريض يشكله ويفككه باستمرا هو القبيلة ، قريش مثلا وتفريعاتها أمية وهاشم ومن الأخيرة خاصة بنو العباس والعلويين والفاطميين ، وكذلك مثلا الموحدون والمرابطون ودورهم في تاريخ الأندلس و الدور الاستثنائي لبني هلال وهجرتهم إلى المغرب من شرق النيل جنوب مصر بأمر الدولة الفاطمية ودور بني هلال الاستثنائي في عروبة المغرب إلى اليوم الحقيقة التي لا يلتفت الكثيرون له ، بل حتى الأجسام القبلية غير العربية التي اخترقت هذا التاريخ عابثة بالنسيج الاجتماعي تمزيقا ورتقا إلى غير نهاية كالسلاجقة والبرامكة و ما نشأ أو تجمع منها بين ظهرانينا كالمماليك والأيوبيين وغيرهم !
كانت القبيلة وحدة اقتصادية اجتماعية تختلط فيها الملكية بالنسب بالعدد والعدة دون وضوح أو استقرار فبنو هلال مثلا خرجوا من نجد ليستقر بهم المقام أخيرا في المغرب العربي و عبر عشر سنوات فقط دفع الفاطميون بما يقدره المؤرخون بنصف مليون مقاتل منهم من شرق النيل إلى المغرب العربي!
قريش التي امتازت بما لم يمتز به أحد وهو انتساب النبي محمد لها لعبت أفخاذها دورا استثنائيا في هذا التاريخ بل وفي تاريخ البشر عامة هاشم و أمية وبني العباس والعلويين ليس فقط في الأحداث التاريخية بل أكثر وأبعد غورا مذاهب المسلمين من عرب وغير عرب ، كانت البلاد التي يجتمع منها اليوم جسم الوطن العربي كما عرفناه حديثا مسرحا لحراك قبلي عاصف قل نظيره وتدخل اجنبي أشد عصفا جعل من قراءة ديموغرافيا –الوصف السكاني – العالم العربي في حالة اسقرار ضرب من الخيال فقد ابيد أو هجر أهل مدائن ومراكز حضرية بحالهم واستقر مكانهم غيرهم في غير مرة في قرنين مثلا ولعل أشهر مثال على ذلك بغداد ، حال ذلك حتى دون أن تستقر أشكال الانتاج ، والملكيات تبدل وتمزق بين أمراء من كل جنس فلا يتطور شكل الانتاج ولا طبقاته ولا تنمو مثلا ارستقراطية اقطاعية ترسو جذورها وتنضج قيمها ، فتعز قبيلة اليوم لتذل وتسحق وتنزع ملكيتها بعد نصف قرن أو يقل أو يزيد قليلا وربما تباد عن بكرة أبيها وتحمل إلينا القبائل الجديدة قيما استمدتها من ثقافتها لتسود على قيم كانت سائدة وفي الأغلب أرفع وأكثر تقدما على سلم التطور من هذه الجديدة أو المعاد بعثها، هكذا ارتبطت الملكية بالقوة بدل أن ترتبط القوة بالملكية ، أي كان القانون السائد أن تجلب القوة الملكية والسلطة وليس العكس تتراكم الملكية لتجلب القوة والسلطة ، لذا فعلا كان أهل المدينة عيال على غيرهم من أهل العصبية والتماسك والقوة في المحامة والمدافعة ، ولم تكن ثروة وملكية الحكام وطبقتهم ترتبطة بالانتاج وملكية عناصره إنما بالتطفل عليها وإعاقة نموها وتطورها بل نزعها ومنحها وفق معادلات المصالح السياسية ، فيستحيل الحديث عن مجتمع يتشكل حول اسلوب انتاج بينما يمكن الحديث عن مجتمعات نشأت تحت قبائل أو عصبيات معينة فيتعذر تحليل تاريخنا على أساس دخوله مراحلا من التطور ترتبط بأشكال الانتاج وأساليبه بينما نظل نجد أنه من الأمثل أن يتم تقسيمه وفق مراحل ترتبط بالقبائل والعصبيات الحاكمة ، يندفع خلف ذلك مثلا مفكرنا محمد عابد الجابري ليقرر أن تاريخنا متداخل أوله في آخره ودونما اعتبار لجغرافيته كذلك رغم أنه يعزي ذلك لأسباب تتعلق ببنيوية العقلانية العربية ، على أي حال إن مراجعة تاريخنا المدون على تعذره بسبب صعوبة التعامل مع المراجع قديمها وحديثها على حد سواء لفقرها من الناحية العلمية ومبالغاتها التي تجافي المنطق وتميل إلى الهوى في معظم الأحيان هذه المراجعة إنما هي ضرورية لأنها من ناحية تؤكد خصوصية المجتمعات العربية بناء وتفككا واسلوب انتاج أو اثراء احيانا أميل لإعتباره قبيلي أو جهوي أو أسري واليوم مافيوي سلطوي لم يأتي عليه ويعرفه دارسي التاريخ من قبل ، ومن ناحية أخرى استمرار هذه البنية الاجتماعية سائدة أعني الأنماط الأبوية في السلطة والتي تعكس تحتها غياب أو ربما تشوه أسلوب الانتاج بحيث يتعذر بل يستحيل اتخاذه مدخلا لفهم علاقات مجتمعاتنا وتطورها من خلاله إلا إذا وقفنا على واقع واستطالات اسلوب انتاج قبلي أو أسري وجهوي أحيانا يصلح قاعدة للفهم والتحليل ، كما لا يمكن بطبيعة الحال أخذه معزولا عما أفرزه الاحتكاك بالغرب والتأثر فيه فكرا ومنهجا والحركة الاستعمارية بكل اشكالها الكلاسيكية منها والمعاصرة ناهيك عن أثر ثروة النفط في خلق المزيد من الاستطالات السلبية والايجابية على حد سواء والاسقاطات النظرية الغربية الجاهزة التي شوهت البنية المجتمعية وزادتها غموضا وتعقيدا .
ليس أقل مشاكلنا في ضوء ذلك انسجام المعارضة السياسية اليوم وإئتلافها حول مطلب الديموقراطية ، في ظل غياب انسجام لذلك المفهوم مع بواعثه وبيئته .
نحن هنا أمام معارضة تتجاهل حقائق تاريخية في عالمنا العربي ، حقائق تلح علينا فهل عبثا نجدنا في اثنين وعشرين نظام عربي مرشحة للزيادة أحادية ديكتاتورية وإن تفاوتت درجاته ؟! هل عبثا هذا الاجماع حتى في صور النظم ورؤوسها التي هي نتائج وافرازات لمجتمعاتها قبل أن تكون سببا لقهرها.
هل سقطت قواعد وقوانين القبيلة التي قررت منذ البداية أن ليس للمختلف معنا مكانا بيننا لأننا نفكر تفكيرا إجماعيا على المختلف أن يحمل فيه خيمته ويرحل عنا فهو خارج وربما خائن والأهم لم يعد منا وعليه أن يجد قبيلة أخرى تظله وتحميه لا تفكير جماعي نختلف فيه لنتفق بتحضر .
كيف يغيب عن الذهن العربي المعارض أن الديموقراطية هي وسيلة السلطة التي اتفق عليها المختلفون لتكون بينهم وسيلة لسياسة الأمر العام ولكن لأنهم مختلفون ولأنهم حريصون على حق اختلافهم أعملوا قبل كل شيء مبدأ الانسانية ومبدأ العقلانية ليجعلوا المواطنة على أساس المساواة التامة بين أفراد المجتمع وجماعاته أيضا من حيث هم بشر قبل أن يتمايز بعضهم عن البعض الآخر ولأنهم خلصوا إلى أن حرية الفرد الكاملة والمكفولة دستوريا هي أسمى مسلماتهم قبلوا حكم الأكثرية مشروطا بأن لا تعتدي الأكثرية على الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات وإلا هبت كل جماعة أو كل فرد مقاتلا أو خارجا على الجماعة كما كان الحال ولا زال عندنا.
لقد كان إعلان حقوق الانسان أسمى وثيقة قانونية عرفها التاريخ البشري على الإطلاق ولا يستطيع أحد اليوم أن يزعم أن أي قانون قبل إعمالها ألغى التميز بين البشر كرقيق وأحرار أبدا بل ولم يعترف قبله أبدا بحق كل المواطنين من حيث هم بشر أولا بحقوق وواجبات على قدم المساواة لقد ألغت ولأول مرة التمايز الذي ينشأ بين المواطنين على أساس الدين والعرق وأي مقومات تمايز أخرى ، ثم قادهم هديهم الناتج عن تفاعلهم وفق ديالكتيكهم – جدلهم – الخاص بثقافتهم إلى قبول الديموقراطية ، الغرسة التي لا حياة سليمة لها إلا في تلك البيئة الحقوقية الدستورية الضامنة أن لا تكون تلك الأداة وسيلة مدمرة ، فكيف تكون الديموقراطية أداة مدمرة؟
إذا ما كانت الديموقراطية وسيلة لإحلال التفكير الإجماعي محل الجماعي وإذا ما أصبحت كديموقراطية أنور السادات اصطلاحا "لها انياب" تنهش المختلفين والأقليات لتعدم الاختلاف وتقتله على طريقة ليس عندنا معارضة أو نعم لدينا معارضة عليها أن تحترم القانون الذي أنتجته الأكثرية ليكون وسيلة لقمعها!لتفرض التماثل وفي التماثل موت دائما.
ديموقراطية شمولية قمعية على طريقة إيران الملالي مثلا عندما تنظر جهة ما في أهليتك ابتداء لتترشح أو تنتخب ومن يدري لماذا أيضا أو على طريقة مستقبل النظام الأمريكي الذي أخذ فيه اليمينيون على عاتقهم مهمة تحويل الديموقراطية لأداة قمع للآخر تمنع وتصادر وتهجر وتكفر وتلعن.....الخ داخل مجتمعاتها وبمنتهى الديموقراطية .
عندما تصبح هذه الديموقراطية اسلامية كانت ، ويسارية أو يمينية وسيلة للإعتداء على حريتي باسم الاكثرية وما يرفع من شعارات وقيم كالديموقراطية والاسلام أو المسيحية وربما العدالة تحولنا إلى نظام شمولي وقمعي أيضا .
فعن أي ديموقراطية نتكلم اليوم ونريد سؤال نطرحه بإلحاح على المعارضة العربية من يسار الأقلية الغائب نسبيا إلى يمين الأكثرية الضائع عن قصد أو بدونه ونطرحه كذلك على كفاية وما شكلها من الحركات الداعية إلى الديموقراطية وعلى من غرق في هوى أمريكا بأثر رجعي فتسمى ليبرالي عربي يتغنى بالمثل الدستورية الأمريكية وهي تلقى بقيم الحرية إلى مكب النفايات التاريخي الواسع جدا بحجة حماية الديموقراطية وإرادة الأكثرية.
ربما تكون لدى مجتمعنا العربي الكثير من التحفظات على إعلان حقوق الانسان بصيغته الغربية وهذا منطقي بحكم اختلاف التجارب والثقافات ولكن ألسنا اليوم في أمس الحاجة إلى إعلان حقوق إنسان عربي يكفل لهذا الإنسان الذي طحنته التجارب الامبريالية الغربية منها والمحلية الصنع حقه في الحرية حريته في أن يعيش كيف يريد ويعتقد بما يشاء ويقول ما يعتقد أيا كان ووقتما يريد دون قيد أو شرط على أن لا يلحق ضررا ماديا بالآخرين وحقه بحياة تتوفر فيها أقل الضمانات المطلوبة اليوم للكرامة .
ان المعارضات العربية الآخذة بالقوة اليوم تجمع جهودها حول هدف واحد هو الديموقراطية وكأنه الحل السحري ناسية أيضا ليس فقط غياب هذه الضمانة الأساسية والتي سميناها حقوق الانسان العربي في خطابها بل أيضا غياب أي مشروع أو رؤية مستقبلية ايديولوجيا ، فهم إذا أقرب إلى التغزل بالمجتمع الغربي منهم إلى التغزل بالديموقراطية ذاتها كما كان الحال أبدا العناية بالقشرة والظاهر دون الجوهر والباطن.
هل نتجه في عالمنا العربي إلى نظام ديموقراطي؟ منطق تطور وحتمية تاريخية و احتمال كبير خاصة أن امريكا اليوم تتزعم الدعوة ولكنها وفق المعطيات الأولية التي ترسمها فسيفساء المعارضة ستنتج نظاما شموليا أشد قمعا بيد الليبراليين العرب وديموقراطية المال و البزنس كما تتمنى أمريكا أو بيد الجماعات الإسلامية السياسية وديموقراطية ما يسمى بالمشايخ أو الملالي ، فهل نحن على أعتاب نظم شمولية قمعية مع أنها ديموقراطية؟ سؤال نطرحه على كل القوى السياسية المعارضة أولا.
[email protected]











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري


.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان




.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو


.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا