الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتقال مناضل معه كتاب

ربحان رمضان

2014 / 8 / 12
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


مرة وكنت حينها شابا يافعا .. في الستينات من القرن المنصرم بعثتني أمي لاشتري شيئا من البقالية التي كانت بجانب بيتنا .. بعد قهوة "مستو أجكر" في ساحة شمدين قبل أن يدخل بيتنا في قائمة البيوت التي يجب هدمها من جانب محافظة مدينة دمشق كي تصبح ساحة شمدين حديقة تحته ملجأ ..
بقالية مجيد حمو ليلى ، الذي أطلق عليه أهل الحارة اسم : " التسعيني " رحمه الله والذي أذكر له موقفا بطوليا تجاه قرار هدم زاوية من جامع ركن الدين في عام 1964 على ما أذكر حيث اعتصم " التسعيني " في الجامع وقال لهم اهدموا الجامع فوقي .. لن اخرج ولن اسمح لكم بهدمه ..
دخلت دكانه وكان يعمل فيها ابنه الكبير ، أيضا لايحضرني اسمه ، فاشتريت شيئا ً بحاجة لورقة يصره فيها .
أمسك بكتاب مرمي فوق الطاولة لديه ، شق ورقة منه ليصر ّ لي فيها ما اشتريته فلفت نظري كلمة كردستان مكتوبة على الورقة ..
أمسكت الكتاب واذ به كتاب حول الكرد وكردستان وبدون مقدمات سألته : هل تبيعني الكتاب ؟
أمسكه بدوره ، قلبَه ، لم يعي مافيه .. ، سألني لماذا تريده ، أجبته أحببت ان اشتريه ، هل تبيعني اياه ؟
فكر قليلا ثم أجابني نعم .
سألته بكم .. فكر قليلا ثم قال بثلاث فرنكات .
أخرجت المبلغ وأعطيته اياه وأسرعت فرحا الى البيت ومعي كنز ..
قرأت عنوانه وعناوين فصوله .. كان كتاب عظيم للكاتب علي سيدو الكوراني هو " من عمان إلى العمادية ، أو جولة في كردستان الجنوبية ، ترجمه للعربية المرحوم محمد علي عوني ، والد الكاتبة المصرية درية عوني .. أخفيته عن اهلي في مكان أمين .
بعد فترة قصيرة لففته ، وأصطحبته وقلبي يهف حبا له ، إلى سوق المسكية الواقع في نهاية سوق الحميدية ، بالقرب من جامع بني أمية ، ابحث عمن يجلده لي ، فوقفت أمام محل للتجليد العربي والافرنجي ، كان صاحبه رجلا مسنا ً يقارب الثمانين عام من العمر ، سألته ان يجلد الكتاب لي ، فقال ممكن لكن اجرة تجليده ليرة ونصف .
قبلت العرض ، فسلمته اياه على أن أعود فيما بعد وآخذه مجلدا .
فعلا عدت بعد أسبوع تقريبا ، أعطيته المبلغ وعدت فرحا به إلى البيت ..
أقرأ منه يوميا عدة صفحات ثم أخبأه في مكان على السقيفة المطلة على الساحة التي نعيش فيها ..
مرت سنوات حتى انتسبت إلى البارتي قبيل مؤتمر ناوبردان التوحيدي بسنتين ، عن طريق المرحوم معين حمو ليلى ، في تلك الفترة كنت في خلية مؤلفة من ثلاثة اشخاص ، هم المرحوم غسان شكو ، وعدنان كيكي "زين خوشكة" وأنا ، وكان مسؤولنا مأمون قره جولي ..
حافظت على كتابي كما يحافظ الرجل على ابنه ، لم أعيره لأحد إلا بعد تفكير ووعد من المستعير بالحفاظ عليه ، واخفاءه عن أعين الآخرين مثله مثل الجريدة المركزية "دنكي كرد" التي كنا نقوم بتوزيعها سرا ً خوفا من الاعتقال ..
ثم تغيرت شخصيات خليتنا الحزبية وتتداول على قيادتها عدة رفاق مثل الأستاذ فهد ديركي "أبو سعيد" وسليم دقماق " ابو جومرد" وابراهيم ملا رحمه الله " أبو آزاد " إلى أن عقد مؤتمر ناوبردان فعاد الرفاق بين مؤيد للقيادة المرحلية وبين معارض ، اخترت حينها الاتجاه اليساري الذي انتسبت اليه منذ البداية .
أيضا بعد سنتين أو ثلاثة تأطرت ضمن هيئة كنا فيها خمسة رفاق هم مزكين ميقري وعمه خالد ميقري ، ومحمد ديار بكرلي ، وعبد الباقي يوسف الذي كان خلال تلك الفترة طالبا في المعهد الصناعي ويقيم في حارة أبو نوري القريبة من المعهد ، وأنا ربحان رمضان .
الكتاب انتقل من رفيق لأخر ، ومن بيت لبيت حتى استقر في بيت عبد الباقي " أبو آشتي" وفي وجوده لديه كنت مطمئن عليه ، لكن وذات يوم أرسل المرحوم " محمد نيو" وكان يومها عضوا في المكتب السياسي لحزبنا ، ومسؤولنا المباشر في منظمة دمشق رفيقين من حلب ليأخذوا البريد الحزبي الموجود في بيت الرفيق عبد الباقي ، فصاحبهم عبد الباقي ومعهم حقيبة كبيرة مليئة بنسخ من قرارات المؤتمر الثالث للحزب المنعقد في تلك الفترة من عام 1973 ، وتقويم سنوي باسم فرقة "سه ر كاوتن" الكردية في لبنان والتي كان يرأسها الأستاذ محمود عزيز .
اتفق الرفيق عبد الباقي مع الرفيقين المراسلين أحدهما كان الدكتور صالح على أن يقوم الرفيق عبد الباقي بحمل البريد ووضعه على ظهر باص السكانيا في تلك الأيام ثم يعود إلى البيت ، ويقوم الرفيقان الآخران باتمام المهمة بتوصيل البريد إلى حلب ، اذا لم يجري تفتيش من قبل أجهزة الأمن في الطريق ، متوقعين أنه اذا جرى تفتيش فسيكون الشخص الذي وضع البريد على الباص غير موجود وغير معروف ولن يعتقل احد ..
إلا أن الحظ لعب دورا في هذه اللحظة حيث توقف " الحمال " الذي حمل الحقيبة على ظهر الباص وطلب من عبد الباقي أن يفتحها ، فرفض عبد الباقي ، وأصرَ الحمال أن يفتح عبد الباقي الحقيبة وأيضا رفض ، فتجمع الناس ، وضغطوا على عبد الباقي : افتحها .. افتحها ..
لما فتحها تفاجأ الناس بكتب وروزنامات .. إنها جريمة في بلد تحكمه أجهزة قمع لفت هذا التجمع نظر أجهزة المخابرات التي سارعت إلى المكان وقبضت على عبد الباقي صالح ..
لم نعرف في أي فرع من فروع القمع اختفى الرفيق عبد الباقي حتى أطلق سراح أحد رفاق حزب العمل الاشتراكي العربي الذي كانت تصدر عنه صحيفة اسمها " الفجر الجديد " وأبلغنا عن صمود الرفيق عبد الباقي رغم حمامات التعذيب التي كان الجلادون يمارسوها بحقه ، وأخبرنا الصديق المطلق سراحه عن ملف التحقيق وعن أجوبة رفيقنا عبد الباقي وعن صموده في مواجهة المحققين .
تنفسنا الصعداء ، ذهبت إلى بيته ابحث عن كتابي .. لم أجده ، كانت أجهزة القمع قد اعتقلته مع رفيقنا في زنازينهم ..
فيما بعد أفرج عن رفيقنا أبو آشتي ، ولم يفرج عن الكتاب ، بقي الكتاب معتقلا ..
حللتها .. أنه وربما قامت أجهزة القمع باعدامه اسوة بالكثير من المعارضين للنظام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟


.. سيارة جمال عبد الناصر والسادات تظهر فى شوارع القاهرة وسط أكب




.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم