الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللازمان و اللامكان الداعشي

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2014 / 8 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اللازمان و اللامكان الداعشي
محمد طه حسين*
ليس لداعش زمن ضمن الخارطة الزمنية الجدلية و لا ينتمي لمكان على جغرافية الارض برمتها، انه خارج الزمان و المكان، ظهر العقل الداعشي في كثير من مفاصل التأريخ البشري حيث يرتبط بأطار فكري معين مبني على الاسس التدميرية للحضارة و كذلك ينحاز الى ابراز و اظهار غريزة الموت في مقابل حب الحياة و صناعة الحب، و بالقدر نفسه هو نبتة ضارة تمسك بجذور المحاصيل الانسانية و توقفها عن النمو و النضوج.
(الضرورة السلبية) لظهور الاسس العالية المتمثلة في الروح الكلية مثل ما يشير اليها هيغل في فلسفة التأريخ و اعادة الايقاع الطبيعي للجدل التاريخي هي التي تفرز الارواح السلبية الداعشية للوجود ريثما تستيقظ الحشود النائمة من الجمعيات البشرية كي تواكبون الحركة الجدلية الطبيعية للنمو و التطور، وفق هذا المنظور الفلسفي الهيغلي فأن الجهل الداعشي هو ضرورة سلبية لا تمت الى الواقع لا من حيث الزمان و لا من حيث المكان بصلة، و لكن ظهوره هو عقاب دنيوي و صفعة الى اوجه النيامى المتشيئين كي ينهضوا من غفلتهم و تنعمون بالحياة على الايقاع التاريخي الهارموني لها.
الاوحال و الاهوال و المستنقعات التي وقعوا فيها النائمون جعلهم ايضا خارج التأريخ و سلبهم روحهم و لهذا تأبد الزمن لديهم حيث لا حركة و لا تحول من وضع الى آخر و من حالة الى اخرى. كثيرا ما ظهرت الحركات اللازمانية تلك في الحضارات الشرقية بشكل شائع و واضح حيث الاشارة اليها من الممكن ان تجرح كبرياء الاقوام و الامم الذين يفتخرون بالشذوذ الزمنية تلك كأمجاد تاريخية و رموز لا تنفصل من التكوين القومي و الانساني لهم.
عندما ينحرف تيار تأريخي عن الخط التطوري و التحولي له فان الضربة القاضية للزمن لا ترحمه حيث تبقيه في دوامة حول حلقة مفرغة من حيث التطور السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الزمن لديه لا يتجاوز اسطوريته، فالزمن الاسطوري يدور حول الذاكرة الازلية و يعيد الانماط التقليدية و الانساق البالية من النماذج النفسية و الاجتماعية و الثقافية للافراد.
الزمن الكوردي بعد الانتفاضة الربيعية لم يتجاوز الدهور السابقة التي عانينا من خلالها أمر اللحظات، حيث النسق السياسي البديل لم يكن متعارفا في القواميس السياسية و النظم الحاكمة، و الاقتصاد لا يزال يدور في دائرة اللانظام أو بالاحرى ضمن الاعتباطية في حل الالغاز الحسابية من حيث البيع و الشراء و الانتاج و الصادرات و الواردات. و الانساق الاجتماعية تتبدل وفق التاثيرات بالموديلات و الموضات الخارجية حيث التغيير يتجلى فقط في الوجه الخارجي للشيئ و ليس للوعي الذاتي للفرد دورا في اظهاره.
الذات الكوردية لم تزل لا تعي نفسها و بهذا لم تستقل من قيودها الازلية المتمثلة بالمثيرات و المعطيات و الظواهر الطبيعية التي لم تفهمها، فالتفضيل الفكري الجمالي لها حينها التسليم لتلك الظواهر و القوى التي تظن انها المحركة لها. الذات اللامنتمية او اللامستقلة الكوردية كانت معرضة دوما لصفعات القوى الخارجة عنها لانها ذات ظلت مستلقية على سريرها و انبطحت حيث تأكل من خيرات الطبيعة دون ان تكلف نفسها عنان تذييت الأشياء و الموجودات من حولها كي توصم عليها أثر العقل الكوردي.
العقل الواعي و الفاعل يفكرن الشيئ تارة و يشيئن الفكر تارة اخرى مثل ما ينظم ريجيس دوبريه ايقاع تصوراته وفق هذه المعادلة المتفاعلة بين الفكر و الاشياء، حيث لا يستجيب بصورة انعكاسية بيوفيزيكية للمثيرات و الظواهر بل يوائم الشيئ مع النظام الابستيمولوجي لديه و ينشط المخطط المعرفي لديه لكي يتحول في حالة توازن معرفي الى حالة متوازنة اخرى.
العقل المسلوب من هذا النوع ينكص دوما الى ماضيه حيث الحنين الأبدي الى الزمن الاسطوري، فالزمن هذا يستعبد الانسان و يكبله كي لا يتمكن مرة اخرى الانفصال عن الطبيعة و يعيش فيها حياة بيولوجية بدائية بحتة. الزمن الاسطوري على حد قول (لايبنتز) ملئ بالماضي و المستقبل معا، و لا يمت الى الحاضر بصلة، و الذات التي لم تزل لا تعي نفسها تتراوح بين الزمنين المذكورين و تبني نظامها الفكري وفق المعادلة السلوكية الميكانيكية الواطسونية( المثير و الاستجابة) حيث العامل المحفز و الدافع النفعي و اللذوي لنتائج السلوك لم تكن حاضرة و لهذا يبقى الفرد دوما دون مستوى الروح و الوعي الفاعل و لا يتحمل اعباء الصراع مع محيطه حينها البديل الميتافيزيكي و الاسطوري يكون النموذج الذي يتمثله دوما، فالأنا هنا يكون واهنا و مسلوبا الى حد الاستسلام الى الأقدار و الصدف الحياتية. الأنا الواهنة لا يصنع الحدث في الحياة فالحياة في الاساس هي التفاعل النشط بين الذات الواعية و الموضوعات التي تحس بوجودها و تفضلها كي ترتبط بها و تتأثر من خلالها و بهذا تظهر الحركة و الأنشطة التي تتأطر فيما بعد ضمن الاحداث الحياتية.
ان ( الاحداث دوما تكون المظهر الخارجي للتفكير) سواء لدى الافراد او الجماعات، فالتأريخ الكوردي السياسي و الحضاري تكاد تكون خالية من الاحداث الكوردية البحتة، فالعتمة التي تظهر فيها التفكير مثل ما يقول هيراكليتس دفع الفرد الكوردي الى الاختفاء وراء النصوص و الأيقونات الاسطورية بدل ان ينشط ذاكرته نحو الخلاص الروحي و صوب الأمان من خلال التفكير كعملية عقلية راقية و يبدأ في بناء مكونات الحدث و يبادر في تفجيره، فالحدث وفق هذا المنظور يبنى على التفكير، غير هذا الرؤى فالاحداث التي تجري تدخل في دوامة التقلبات الاعتباطية للطبيعة.
فقر تأريخنا بالأحداث المحلية الصنع يبدوا سمة موروثة حيث هو اشارة الى الفقر الفكري و الوهن العقلي للفرد الكوردي ، كما و انه دلالة على جنينية وجودنا و عدم فطامنا النفسي و الاجتماعي من جهة أخرى، فالأقدار تلك تظهر دائما في حالة الأتكالية الأزلية على الغير من حيث الاحتماء الوجودي او السير صوب الطبقات الزمنية المتتالية.
نحن دائما نحس باننا فقدنا القدرة على حب الحياة و صناعتها على هوانا و نشعر بأننا في حالة حرب مستدامة و الاحساس هذا لم تأتينا هكذا غفلة دون مسوغ طبيعي، حيث البقاء الازلي المبني على التكيف مع معادلة المثير و الاستجابة لا يحول الفرد الى المرتبة الأرقى للوجود و هي الوجود العاقل المفكر بقدر ما يسلبه ارادته و يضعه في مرتبة ادنى مما يضعه عليه العقلانية. الاتكالية و عدم الثقة بالنفس و معرفتها و الوعي بها جعل من الفرد الكوردي عبر تأريخ وجوده ان ينتظر الاحداث التي تكون ضرورية في بعض الاحيان لكي تقفز به الى حالة اخرى و بعد ذلك سرعان ما يقع في فقدان في الوعي و يلجأ الى نفس الآليات للتعامل مع المستجدات الطبيعية و التأريخية.
الحدث الداعشي أو بالأحرى الزمن الداعشي هو زمن مريض ابتلا به المكان الكوردي و تسبب المرض هذا حمى في الذاكرة القومية التي كانت نائمة حيث يؤججها و من ثم يظهرها في طقوس ثورية هائجة و بركانية غير موزونة، في الحال هذا تبدأ الذات الاجتماعية أو القومية الجمعية بالاسراع الى الالتجاء الى القوى الخارجة عنها و التي بنت عليها الآمال ريثما تأتي و تتسارع في انقاذها، هذا الالتجاء نابع اصلا من بساطة العمل الفكري من جهة و سهولة التأثر بجماليات المكان الكوردي التي اعطته سمة التعلق الازلي به و كذلك العاطفية المفرطة التي عطلت الذهن الى الدرجة التي لا نرى طول التأريخ تجاوزه الحدود الجغرافية للغير و هذه هي سمة ايجابية انسانية مفرطة الى حد ما و انها تدل وفق موازنة القوة الى ضعف في ارادة الصراع حسب المنظور الدارويني للمفهوم .
اللحظة الداعشية اصابت (ذرات الزمن) الكوردي و هزتها و ان كنا في كثير من المواقف اعتقدنا بأن الداعشية و امثالها لا تؤثر في البنيان و الهيكل الاجتماعي الكوردي حيث الاستعداد الثقافي و الاجتماعي لرفض هكذا نماذج للحياة و العيش، و لكن اذهلنا سرعة انتشار فكرتها و ذراعها على الأرض العربية، حينها فقنا من غيبوبة الزمن و ادركنا ان الجسد القومي الكوردي لم تكن يوما من الأيام مصانا من المرض الداعشي و لا تبقى خارج تهديداتها.
هذه هي اللحظة التي تكون فيها العقل و الفكر في حالة صدمة حيث الوهن التأريخي للزمن الكوردي يضرب توازنه و يجعله جسما و كيانا مصدوما و الحالة هذه رأيناها منذ الالتفاتة الخنزيرية لما يسمى بالدولة الاسلامية صوب الوجود الكوردي. لا نقول ان اللحظة الداعشية هي ضرورة بالمعنى الحتمي للكلمة بقدر ما هي تحقيق و ظهور بوادر نبوءة سابقة لاصحاب الفكر قد حذرنا منها السياسيين و القوى الاجتماعية و الدينية المعتدلة من خطورة ظهور سلوكات اقصى متطرفة تلك.
القى المنظومات السياسية الكوردية بمختلف تياراتهامفهوم (العقلانية) جانبا و اشغلوا جل اهتماماتهم بالتوجه الفموي النرجسي لهم و الحال هذا جعل الجسد الكوردي منفصما حيث الرعية في وادي و الراعي السياسي في واد آخر و الوجود القومي في هذه الحالة يفقد المناعة و يكون ضعيفا امام تآكله البين من قبل الاجسام الخطرة تلك.
الفقه الداعشي و كثير من الأطر التكفيرية يتهمون غيرهم بالارتداد عن السلف الصالح و عن التعاليم السماوية ، و الدعوة هذه تعتبر جرم بل كفر بحق الله، هم يضعون انفسهم وكلاء الله على الأرض في حين لا يدركون ان (الله قد تجده في حب الحياة و بداخلك) و لا يمثله اية أيقونة معينة و محددة في المحيط بقدر ما هو موجود في الروح الانسانية و يطوف حولنا على حد رؤية الثقافة الصوفية العميقة.
هم الأقصى تطرفا (كهنة و أباطيل تمشون على الأرض) معتبرة أنفسهم وكلاء لله و الله بالمعنى الوجودي الديني براء من الفكر و النهج الذي يستخف بالبشر و يجرده من وجوده الأصيل و الكهنة الممثلون لتلك الأطر الرافضة للكل الانساني هم الذين يجعلون الامة ترتد عن الدرب الطبيعي و الانساني و ينفصل عن الواقع الذي ولدنا لكي نعيشه و نطبق الحد الاقصى من ارادة الله في الحياة و العيش، و بهذا يكون هم المرتدون و الذين يعيشون وفق الصراعات الطبيعية و ينتجون الثقافة بانفسهم هم يمثلون الانسان الحقيقي.
الارتداد الداعشي عن الواقع هو مرض اجتماعي له جذوره في اي جسم بشري سواء الجسم الفردي للبشر أو الجسم الاجتماعي ككل، فالحالة هذه هي تحذير بنهاية زمن قد اختل سيرورته و بواكير زمن آخر يجب ان يبدعه الجسد الاجتماعي المهدد، نحن الاكراد و الكثير من الامم و الاقوام ارتدنا عن الواقع و لكن ليس على النمط الداعشي و لكن الارتداد الكوردي عن الواقع ظهر في اللامبالات السياسية نحو مشروع بناء الامة او الكيان القوي المتمثل في بناء الحضارة و صرف جميع القوى صوب الارتقاء بالمجتمع و ترجمة وجوده الفكري الى الوجود المادي و الفيزيقي المتمثل في صناعة الثقافة و الزراعة و .....الخ أو بالاحرى صناعة الحياة بالمعنى المدني للمفهوم.
الارتداد الكوردي عن الواقع قابله في التأريخ ارتدادات اخرى لم تكن اقل خطورة من الارتداد الداعشي و لكن المؤسف من كل هذا ان الكورد و الجهات السياسية التي يمثلونهم باتوا غير مستفيقين و لم يسترجعوا المبادرة لكي يعيدوا السيطرة على التوازن. الصفعة الداعشية التي رأيناها اخيرا و نعيش آثار صدمتها الآن يجب ان تعيد اللاتوازن السياسي و الاجتماعي و الثقافي الكوردي الموجود الى السيرورة الطبيعية، و الاقل تقديرا يجب ان يعوا اصحاب القرار بكل ما يدل (الاصحاب) من دلالات بنيوية الى خطورة المرض هذا و ان اصدمتنا صدمة مذهلة و لكن نعتبرها (ضرورة سلبية) و المفهوم هذا هيغلي التأسيس حيث ابدعه هيغل كي يفسر بواسطته الانحراف الذي يأتي في حقب تأريخية و يشل حركة الحضارة لفترات حيث الاستئصال للمرض هو الذي ينقذ الامة و هذا يجعلنا من الآن ان نعيد النظر في كل التكوين الاجتماعي و القومي لنا.
.........................
*كاتب و اكاديمي /اربيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يدمر كنائس المسيحيين في السودان ويعتدي عليهم؟ | الأخبار


.. عظة الأحد - القس تواضروس بديع: رسالة لأولادنا وبناتنا قرب من




.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم