الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حظائر داعش

محمد ابداح

2014 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حظائر داعش

بعدما قُصف مصنعه في مدينة حلب شمال سوريا، كان أمامه أحد خيارين فإما أن يبقى في منزله منتظراً قصفه في الغارة الجوية القادمة، أو أن يرافق النازحين إلى مخيمات الذل، فقرّر الرجل الانتقال إلى مدينة مجاورة تدعى الرقة، عاصمة الجهاد الأسرع نموًّا في العالم، فوجد فيها بعضاَ من الأمن، وهو ما تفتقر له أجزاء مدن سوريا الأخرى، وعلى الرجل أن يعيش حياته.
وقبل وقت طويل من ذهابه للرقة، كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد سيطر على محافظة الرقة، التي تضم نحو مليون سوري، ومن خلال الإدارة الاستراتيجية العجيبة، بدأت المجموعة التي تدعو نفسها الدولة الإسلامية، بفرض رؤيتها للدولة، التي تمزج تفسيرًا أصوليًّا للإسلام مع الجوانب العملية للحكم، على أهل المحافظة.
وقد فاز التنظيم ببعض الاحترام من المواطنين الذين أنهكتهم الحرب، كحالة رجلنا هذا، والذي قبل بأي سلطة يمكنها استعادة شبه حياة طبيعية، فالمناطق التي يسيطر عليها باقي الثوار، لا يزال يعصف بها الكوارث، ولكن ثمة جانب مظلم للحكم الإسلامي، وهو سياسة الإعدام والقواعد الصارمة، وهو ما ترك الكثيرين في هذا المجتمع المتسامح قلقين إزاء المستقبل.
في مدينة الرقة، الأمور منظمة نسبياً، والجريمة مسألة نادرة، وجباة الضرائب يقومون بإصدار الإيصالات، الأماكن العامة مؤمنة بأعلام داعش السوداء، واللصوص تمّ قطع أيديهم أمام العامة، ويبدو أن الدولة الإسلامية لديها رؤية لإقامة دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولأولئك الذين يدخلون الرقة، داعش توضح على الفور، مَن هو المسؤول، فعند المدخل الجنوبي للمدينة، اعتاد زوار الرقة مشاهدة لوحة فسيفسائية للخليفة العباسي هارون الرشيد ، وأما الآن فثمة لوحة سوداء تحيي داعش وشهداءها الذين ماتوا من أجل قضيتها.
مجلس مدينة الرقة يضمّ الأن لجنة الخدمات الإسلامية، المكتب السابق لوزارة المالية يحتوي على المحكمة الشرعية والشرطة الجنائية، شرطة المرور تتمركز في مدرسة الشريعة الأولى الثانوية، بنك الائتمان في الرقة هو الآن سلطة الضرائب، حيث يجمع الموظفون مبلغ 20 دولارًا شهرياً من أصحاب المحلات رسوم الكهرباء والمياه، مقابل إيصالات رسمية مختومة بشعار داعش، والرسوم أقلّ ممّا كانت تدفع كرشاوى لرجال الأسد.
ثلاث كنائس في الرقة، والتي كانت موطنًا لأقلية مسيحية ، جميعها أُغلقت، وحُوّلت إلى مراكز إسلامية تبث مشاهد المعارك من أجل تجنيد مقاتلين جدد، ولا يزال في الرقة عدد قليل من المسيحيين، مقابل دفعهم بضعة دولارات في الشهر كجزية، وعندما تقوم دوريات ضباط الشرطة الدينية لداعش بالتأكد من إغلاق المحلات التجارية خلال وقت صلاة المسلمين، يجب على المسيحيين طاعة ذلك أيضًا.
الشرطة الدينية منعت التدخين في الأماكن العامة، وأغلقت المقاهي والنوادي، مما قلل من مظاهر الحياة الاجتماعية في المدينة، كما تأمر داعش النساء بتغطية الرأس في الأماكن العامة، وتمكنت داعش من الحفاظ على المواد الغذائية والإستهلاكية الأساسية بالأسواق، والمتطرفون الأكثر عنفاً يفتقرون إلى المهارات المختلفة، مما دفع البغدادي، إلى الطلب من الكوادر المهنية للمساعدة ببناء دولته الإسلامية، ويبدو أن هذه التعبئة قد آتت أُكلها، فالمسلحين هم من مختلف الدول.
ولم ينجح ثوار سوريا في ملاطفة البغدادي, فداعش تقتل الثوار, وتسجنهم, وتكفّرهم, وتصادر أسلحتهم, وتحتل مقراتهم, وللبغدادي الدخيل رأي آخر في الأمر، فهو لا يملك إلا مفاتيح أبواب حظائر التبن، أي فكراً دامياً خالياً من أي مضمون إنساني, ومن الواضح قطعاً أنه أداة لتحقيق أهداف تدميرية, فما يقوم به النظام السوري والبغدادي هو ذات الهدف.
ولم يحتاج الأمر هذه المرة إلى فتنة, فمنذ اقتحام البغدادي الثورة بدأ بنشر عقيدته المنحرفة, واستقطاب المقاتلين من كافة الدول وهم في الغالب مراهقين يغلب عليهم التسليم المباشر, قام بعدها البغدادي بتوزيع المهام عليهم فمنهم من جعله مفتياً ومنهم من ومنهم من جعله والياً، ومع أن هؤلاء كانوا لا شيء ،إلا أن الامتيازات التي منحت لهم ليست سوى مصائد للموت.
ومن المعلوم أن الدولة كيان سياسي منظّم, مكون من بشر يقيمون على إقليم معين, ويعيشون في ظل حكومة مستقلة, تحظى بشرعية وقبول سكان تلك الدولة، والتي لها نظام قانوني واقتصادي واجتماعي وسياسي وحقوقي, تسعى السلطة إلى تحقيقه، إلا أن أمير المؤمنين، أبي بكر البغدادي له دولة ذات مفاهيم ومضامين جديدة باسم الإسلام، يبايعه الناس فيها من الصين عبر الفيس بوك والتويتر، وممن تتفق أهواءهم مع سياسة التكفير والتفجير، ويعد الممتنع عن المبايعة خارجي يحلُّ قتله , ومجرم سفاح لا فرق بينه وبين كل هؤلاء الحكام الذين يحكمون الناس بالحديد والنار, وبعد القتل الذي مارسته داعش ( العدنانية)، علم ثوار سوريا بأنها كارثة عليهم, وعزز ذلك رفض الظواهري ومناصريه ( القحطانيون) لفكر البغدادي علانية، وعليه فإن داعش وما تحمله من أفكار قاتلة، ما هي إلا ذروة سنام الأزمة الفكرية بل والحضارية العربية الشاملة .

المحامي محمد ابداح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل من مرشد؟
سلام عادل ( 2014 / 8 / 15 - 17:25 )
ما هذه الحضارة العربية الشاملة التي ختمت مقالتك بها؟ اين توجد هذه الحضارة؟ وما هي سماتها؟ وما الذي قدمته للبشرية؟ الى متى سيستمر تكرار عبارات بلا مضمون، ارحمونا يا كتاب -الحوار المتمدن-.

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran