الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن تناقش حقّ الحياة والحريّة في القرن الحادي والعشرين

كلكامش نبيل

2014 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لكل من حلم بالتقدّم والحريّة في الشرق الأوسط، لكن من توقّع أنّ ما يسمّى "الربيع العربي" قد يأتي له بالخير وما قد يساعد بلادنا للتقدّم خطوة إضافيّة نحو الديمقراطيّة والسير على خطى العالم الحر، أقول لكم قفوا قليلا! بل توقّفوا كثيرا وأطيلوا النظر فيما يحيط بكم! لقدّ حقّقتم ما تصبون إليه وبخطوات سريعة، سرعة فاقت كلّ التصوّرات، لطالما أثبتت قوانين الفيزياء والطبيعة بأنّها الحقّ الذي يسير وفق هداه هذا الكون، نعم وها هي شعوب الشرق الأوسط تثبت بأنّ الإنحدار أسرع من النهوض، بل والهدم أسرع من البناء بما لا مجال للشكّ فيه.

طالبت شعوب المنطقة بالحريّة، ولكنّ هذه الحريّة تحتاج إلى وقفة طويلة، وشرح مفصّل لمفهوم هذه الشعوب عن معنى هذه الكلمة، ففي زمن الفوضى قد يكون قصد "ثوّار الشرق" - مع كل الإعتذار لكل ثوّار العالم على إستعمال ذات اللفظ لوصفهم وخلطهم بكم يا أحرار العالم – حريّة القتل والنهب والسلب والسبي، حريّة أن تعود للقرون الوسطى وتنتهك أدنى حقوق الإنسان، أن تهدم كل إرث فلاسفة التنوير وما قدّموه من تضحيات جسام لنعيش حياة جعلتنا نتبجّح ونتباهى بإسم الإنسانيّة، فلاسفة طالبوا بحريّة الإنسان في الحياة والإعتقاد والعمل وكلّ شيء، فلاسفة ساهموا في إلغاء الرق، ونقلوا لنا خلاصة فكرهم في جرعات مركّزة من الحضارة أبان الإنتداب البريطاني والفرنسي. نعم أيّها السيّدات والسادة، أقولها لكم وأنا العلماني، إبن بابل وآشور، والفخور بأنّ بذرة الحضارة الأولى قد أتت من سومر، لكنّ كلّ شيء كان قد إنتهى وما كنّا نحياه من حياة آدميّة طوال القرن الماضي هو هبة الحضارة الأوروبيّة التي منحتنا ثمارها – لمصلحتنا أو لأنّها أرادت أن تحقّق أمنها في تمدين العالم الثالث. فمع قدوم المستعمرين تمّ إلغاء العبوديّة في العراق عام 1924 وإيران عام 1928 وبقيت الظاهرة في دول الخليج حتّى ستينيّات القرن الماضي، كما هو الحال في السعوديّة والإمارات وقطر، وعمان التي أبطلت الظاهرة عام 1970 بينما قرّرت موريتانيا تجريمها عام 2007. أيّها السادة، حان الوقت ليعترف الجميع بأنّ حقوق الإنسان بصيغتها الأسمى والتي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وليد الفكر العلماني التنويري وليس أبدا شيئا آخر، فلم تحرّر الأديان الإنسان بل كانت أهم الدول الدينيّة في العالم مركزا للنخاسة، تزدهر فيها أسواق العبيد، كما هو حال الغزوات الإسلاميّة التي كانت تجلب آلاف السبايا والمسترقّين ليبيعوهم في حواضرهم، وكذلك إحدى الحملات الصليبيّة التي باعت الأطفال في اسواق شمال أفريقيا، بالإضافة إلى إسترقاق الأفارقة ونقلهم بالملايين إلى أميركا الجنوبيّة.

قد يتساءل أحدهم ويقول ولماذا كلّ هذا السرد التاريخي الممل، والجواب هو أنّ هنالك من يريد إعادة الماضي بأبشع صوره، أن يحيي تراثا غابرا كان جديرا به أن ينقرض إلى غير رجعة، لكأنّهم يريدون أن يثبتوا لنا بأنّ "الحضارة طفرة نوعيّة وأنّ الهمجيّة هي أصل بني البشر"، وكأنّهم لم يطيقوا مئة عام من التحضّر ويريدون بعنف الرجوع لتلك الأيام البربريّة. ها نحن اليوم نشهد تدميرا للتراث والفن وحضارت الشعوب بإسم الأديان، لنتذكّر بدعة محطّمي الأيقونات و الطهريين في بريطانيا، ولكن بصورة أكثر بشاعة، وها نحن نشهد قتل الناس وتهجيرهم ونهب أموالهم ومنازلهم في تصرّفات نازيّة بكل ما للكلمة من معنى، فقط لأنّهم لا يشاركونهم المعتقد، ونشهد قتل الأطفال والنساء والرجال والشيوخ ومحاصرتهم بلا ماء ولا طعام فوق قمّة جبل أجدب في سنجار، فقط لأنّ دين هؤلاء غير مذكور في أحد الكتب المقدّسة، وإن صحّت الأخبار فإنّنا نشهد أيضا بيعا للنساء والأطفال في أسواق رقّ أقيمت في القرن الحادي والعشرين، قرن التكنولوجيا وإنحدار الإنسانيّة، وسط صمت عالميّ رهيب.

لن أطيل عليكم، فنحن في عصر السرعة ومعظم شعوب المنطقة لم تعد من أصدقاء الكتب، وهنا تكمن المأساة، أردت فقط أن أقول بأنّ مناقشة حق حياة الإنسان في مثل هذا القرن أمر في غاية البشاعة، فالطبيعة هي من وهبتنا حقّ الحياة، ولا يحقّ لأحد أن يسلبها من شخص آخر أيّا كان السبب، عدا الدول التي تقرّ عقوبة الإعدام – المختلف عليها في العالم الحر – ووفق قوانين ومحاكمات ونتيجة لجرم ما قد يكون إرتكبه ذلك الشخص. أمّا أن تحاكم شخصا وتقرّر قتله لأنّه يعتقد بدين آخر لا تعترف به أنت، أو مذهب آخر تعاديه حضرتك، أو لا يعتقد مطلقا بما تراه، فهو جريمة كبيرة ووصمة عار في جبين هذه المنطقة. يحقّ لنا هنا أن نقول لكل هؤلاء القتلة "من أنتم؟ ومن الذي نصّبكم آلهة تحاكمون الناس؟ وما ذنب أشخاص لم يذكر دينهم في كتاب ديني لسبب ما؟" إنّه منطق أجوف، لكل إنسان الحق في الحياة، فهي منّة الطبيعة وليست منّة منكم، هذه الأرض التي تمنح المياه للجميع، ونعيش على وجهها بسلام، وتمنحنا الطعام وتمتّعنا بما على سطحها من جمال هي الحاكم الحق، هل قطع النهر مياهه عن شخص لا يؤمن؟ هل رفضت الشمس أن تشرق على بلاد لا تعتقد ما تعتقدون به أنتم؟ لا، ولن تفعل لأنّ الطبيعة هي الأم وهي الأكثر عقلا وحكمة من تفكيركم الضيّق.

يدين جان جاك روسّو في كتابه "العقد الإجتماعي" من يبرّر نظام الرق في الحروب بناءا على أساس أن للمنتصر حق قتل المغلوب وبالتالي يعد نظام الرق تبادل منفعة، الحريّة مقابل الحياة. روسّو يرى أنّها مبادلة جائرة، بإنتفاء حق المنتصر في قتل المغلوب. نعم فالحياة لم يهبها أحد ولا يحقّ لأحد أن يأخذها وخصوصا إذا كانت الأسباب من التفاهة بمكان، لتحاكي أسباب قتل زمر الإرهابيين للمواطنين في العراق بإختلاف أعراقهم وأديانهم، هم يشنّون حملة إبادة وتصفيّة دينيّة وإثنيّة قادمة من مجاهل القرون الوسطى.
ليس من ينكر تلك الأفعال بأقل بشاعة ممّن يقوم بها، فترى البعض من المؤمنين الإيجابيّين الطيّبين – وهم مشكورون بكل الأحوال – ينكرون هذه الأفعال ويأتون بنصوص دينيّة أخرى تؤكّد على "الذميّة" وغيرها، وآيات تمنع القتل، ولكن أيّها السادة، نحن ننشد عالما جديدا، عالما يكون فيه حقّ الحياة والحريّة للأفراد مكفولا بإسم المواطنة والإنسانيّة والفطرة الطبيعيّة، وهي أنّنا خلقنا لنحيا لا لأن يقوم أحدهم بقتلنا، لا نريد أن يبرّر عدم قتلكم لأخيكم الإنسان وفقا لنص ديني، نريد أن نستأصل فكرة منح أحدهم حقّ قتل الآخر. لو فرضتم أنّكم ستنقذون البعض ببعض النصوص، فما هو مصير أديان كثيرة لم تعرف عنها الأديان الإبراهيميّة ولم تورد ذكرها في كتبها؟ هل سيكون من حقّكم أن تقتلوا هؤلاء؟ هل ستتكرّر مأساة المانويّين، الذين عوملوا كدين سماوي في البداية ومن ثمّ تمّت إبادتهم أبان العصر العبّاسي؟ نريد لشعوب الشرق الأوسط أن تخرج من القمقم الذي تعيش فيها، أن تتحرّر وتتعايش مع الآخر أيّا كان، وتترك الحكم عليه، ألاّ تصنّف الآخر إلى جزء مقبول وآخر غير مقبول، كيف ستتعاملون مع مليارات من بني البشر من البوذيّين والهندوس والملحدين وشهود يهوه والبهائيّين وغيرهم؟ كل هؤلاء لم يذكروا في الكتب الدينيّة الشرق أوسطيّة؟ نريد فكرا جديدا يتناسى نهائيّا أن لأحدهم حق قتل الآخر بسبب الإعتقاد أو الإلحاد. نريد شرقا لا تسمع فيه كلمة "كافر" مرّة أخرى. لا نريد تبريرات مقتضبة تمنع القتل تواجهها مبررات أخرى تجيزه في أماكن أخرى من ذات الكتب، نريد أن نصفّي عقل الإنسان الشرق الأوسطي، نخلّصه من فكرة أنّ هناك من منحه حق قتل الآخر.

أرجو أن تفكّروا في هذا الكلام، ودائما ضعوا أنفسكم مكان الضحيّة لتروا بعين الحق والإنصاف، الإنسانيّة هي ما يجمعنا وعليكم أن توقنوا بذلك لنحقّق عالما جديدا يسوده السلم والوئام والمحبّة، يحتاج الشرق إلى إصلاح بل وقلب للكثير من المفاهيم التي كوّنت ثقافته على مدى قرون طوال، إنّها أزمنة عصيبة هذه التي نمرّ بها الآن، ولكن لها إيجابيّاتها الكثيرة التي ستثمر في المستقبل، ربّما ستولد العلمانيّة من جديد من رحم المنطقة هذه المرّة وعلى يد أبناءها، بعد كل هذه الفضائع التي تقوم بها المجاميع الإرهابيّة، ستكون ردّة فعل عنيفة – إذا كانت هنالك عقول فاعلة في الشرق وهي موجودة بالتأكيد – مماثلة لما حصل في أوروبا أبان عصور النهضة. لقد إنتهى زمن جرعة الحضارة الاوروبية التي منحت للمنطقة في القرن الغابر، ومع إنّها كانت فرصة مواتية لنهضة سريعة، ولكن مصير كل شيء جاهز هو الزوال، ولهذا ستكون العلمانيّة القويّة في الشرق الأوسط دائمة عندما تولد على يد أبناء المنطقة وبعد معاناة شديدة على يد قوى الظلام والرجعيّة.

ألقاكم بخير في شرق أوسط يؤمن بالإنسانيّة، وحق الحياة والحريّة، ويكفل حريّة الإعتقاد والضمير ولا يحاسب أبناءه إلاّ وفق قوانين مدنيّة على أسس المواطنة والمساواة، وإنّي واثق بأنّ بذرة الحضارة لا تزال موجودة في العراق وسوريا ولبنان ومصر، ومن هذه الدول ستولد الحضارة الإنسانيّة من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 8 / 15 - 22:46 )
أولاً : عند الكاتب مغالطات كثيره , الإسلام قام بدعم تحرير الرق , تابع :
- تحرير العبيد .. ولماذا لم يُعلِن الإسْلام صراحةً إلغاء الرق من حيث المبدأ؟ :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=46236
- شبهات ملحد .. حول الإسلام والرق :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=10272
- مناظرة حول الرِِق والعبودية مع الزميل شهاب تنتهي بإفلاس المُلحد :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?55325-مناظرة-حول-الرِِق-والعبودية-مع-الزميل-شهاب-تنتهي-بإفلاس-المُلحد-!!

ثانياً : يتحدث الكاتب -بإعجاب!- عن الحضاره الغربيّه , لا بأس , سأهديه جرائم هذه الحضاره , تابع :
فضائح الدروانيه وفضائح اخلاق الملاحده الاجراميه (متجدد) :
http://antishobhat.blogspot.com/2012/11/blog-post_2522.html

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah