الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام المعتدل!

فلورنس غزلان

2014 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإسلام المعتدل!

يتحدثون عن " الإسلام المعتدل"!، وكثيراً ما نقرأ عبارات تصف هذا الداعية وذاك الشيخ بالاعتدال، ويكتفون من المعنى بأنه على الأقل ليس " داعشي الأيديولوجيا ولا نصراوي/ قاعدي التابعية"..إذن هو معتدل !...هذا هو مقياس الاعتدال اليوم...أن يكون المرء أقل تطرفاً ببوصة من البغدادي أو الجولاني...فنضعه في سلم " الإعتدال"، فأن يكون سلفي التفكير ، غيبي الرؤيا، حاكمي العقيدة، لاضير في ذلك... إنه أقل تطرفاً! ...يقبل بوجودنا ، يُكَّفِرنا...بالطبع ، يكتب ويستجلب آلاف الأحاديث مشفعة بآيات فُسِرت خطأً واختلف عليها العلماء ، كل حسب معلمه وسيده ودافع راتبه ، فاتح أبواب ارتزاقه،أو تتطابق سياسته مع قناعاته " الدنيوية" ، التي يريد من خلالها الوصول للسلطة ، لأن هذا الهم هو الأول والأساس في تسخير الدين لخدمة السياسة.
هذه الفئة وغيرها من الفئات " الإسلامانية"، كانت مقموعة مثلها مثل كل تركيبات المجتمع السوري والمحيط، كنا ومازلنا نرى فيهم شركاء لنا، أبناء وطن واحد، هَم واحد، نضعهم على نفس السياق الوطني...مواطنون يريدون الخروج من الاستبداد إلى الحرية...معاً نسعى لتقاسم حياة عامة ، لحل معضلات اقتصادية ــ مجتمعية ولبناء وطن حر ديمقراطي تعددي تتساوى فيه كل تكوينات المجتمع دون استثناء ودون إقصاء، يجمعنا وطن واحد نعيش فيه وتحت سقفه على أساس المواطنة، لا الدين أو المذهب، بعضهم توافق معنا مرحلياً وتقبل فكرة الديمقراطية..." الأخوان المسلمين مثلاً"!، لكن تحول الثورة وانزلاق قرارها وانفلات خيوطها من يد الرعيل الأول ـ السلمي الذي قام بها، إلى يد رعيل العنف المتأسلم المصادر للقرار، والمرتبط بأجندات ومصالح مناطقية خارجية، لم يفلح الرعيل الإسلاماني في الامساك بالخيوط الهامة، ولا في استمرار التوافق مع الآخر في المواطنة، بل ترك الحبل على غاربه للرابط الاسلامي...وجعله يعلو على الرابط الوطني، فانسحبت بالتالي كل الخيوط من يده وتناسلت لكتائب وفصائل وبِدَع جديدة تدخل على الأرض وتعيث بها إفساداً وأسلمة غريبة الأطوار جديدة الطرح ...قديمة المعتقد مغرقة في السلفية والنقل دون عقل والتفسير حسب الهوى السلطوي، وها نراها تستقر في هذه الأيدي ويصبح معها المواطن محشوراً بين فكي كماشة ، النظام من جهة وهذه الحركات المتمثلة بداعش والنصرة وحتى الجبهة الإسلامية بمشتقاتها السلفية من زهران علوش وغيره، وراحت هذه الطغم تسلب المواطن حريته وتستعبده تحت اسم " تحريره"! ، وتمارس عليه مامورس عليها وعلينا باستبداد ديني مذهبي أسود وأحول الرؤيا ...هذه الفِرق لاتؤمن إلا بالسيف وسيلة وطريقاً لفرض قناعتها وشرعها وشرعيتها...فبماذا اختلفت عن النظام؟ واي اعتدال يمكننا أن نطلق على بعضها؟، وصرنا نرى ثراء طريفاً متطرفاً ...لامصلحة له في تحرير ولا حرية، مصلحته في السيطرة على بقعة تدر عليه مالاً ونفطاً وتشعره بأنه أمير سلطة يدير ويحكم ويفرض ويُشَرِع...وإن قاتل فمن أجل بقاء الحرب مضرمة النار ...لأن في اشتعالها استمراره وبقاءه!، وإلا ماتفسيركم لكل أعداد المعتقلين والمعتقلات في سجون هذه الفئات المسماة " معتدلة" مع استبعادنا لداعش والنصرة...واكتفاءنا بجند الشام وجبهتهم ...؟! .
بعد ثلاث سنوات ونيف من ثورة بدأت تحريرية وتحولت إلى حرب طائفية لم نر ولم نقرأ أو نسمع من الطرف " المعتدل"!... تصريحاً أو بياناً يدين هذه الممارسات وهذه الاعتقالات، والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان ، والتي تطال خير شبابنا وثوارنا السلميين ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ" رزان زيتونة ، سميرة الخليل، وائل ونظام مازن درويش، وخليل معتوق وفراس الحاج صالح."...القائمة طويلة"!ــ ...ويطالب رجال الدين وعلمائه للتصدي لهذه البدع المتغولة ، أهي الخشية، أم الاذعان ، أم التوافق الضمني؟.
بعد هذا السرد والوقائع، هل يمكننا الثقة بشركاء أساءوا للثورة أكثر مما قدموا لها؟ ، وكيف نفسر من قبلوا البارحة بالديمقراطية...ويغرقون اليوم أنفسهم ومن حولهم في تفاصيل الطائفية ؟
كيف نثق باعتدالهم وشراكتهم لنا في الوطن..طالما أن سعينا لايتطابق مع سعيهم تحت سقف المواطنة لا الدين، فقد غدت الوطنية والمواطنة كفراً وسبة لدى الطغم السلفية المنتشرة كالفطر ، وقفنا مع المعتدل سابقاً انطلاقاً من ضمير وطني تشاركي ، وهاهم يتخلوا عن الوطن بضمير ديني مذهبي...
كيف يمكن للعلاقة الإنسانية ــ المجتمعية في وطن واحد أن تستمر مع هذا الانفصام الثقافي ــ الوطني؟
لابد من إعادة النظر في السائد دينياً وسياسياً، إعادة النظر في علاقات الناس فيما بينهم ، وبينهم وبين الدولة، إما أن تصبح الدولة دينية، أو تنتمي للجميع وتحدد علاقاتها بالجميع على أساس المواطنة لا الدين، أي أن يبقى الدين على مسافة من الجميع ،وعلى مسافة من السياسة، لكن الوصول لهذا الوضع بعيد المنال، ويحتاج لعمل دؤوب ومثابرة من المثقفين والسياسيين المعنيين بالوطن ومصيره، الصامتين أو المبعدين حتى اليوم ، وعليهم أن يلعبوا الدور المناط والمفروض أن يلعبوه...لأنهم وحدهم من يمتلك قدرات تطوير الوعي المجتمعي ، وعليهم تقع مسؤولية الاصلاح ، السياسي والديني ..بدفع علماء الدين وتحريكهم لتحديث هذا الدين والفشل سيكون كارثياً على الوطن والدين والمحيط ...وعلاقتنا بالعالم.
فأن ننتمي لمذهب الأكثرية لايعطينا الحق في التسلط والسيادة وإعادة انتاج الاستعباد، الإصلاح يجب أن يطول الإسلام ويبعد المسلمين الناطقين باسمه عن اعتباره سلطة تميزهم وتخصهم ويعتبرونها حقهم، فكل مواطن سوري عاش ويعيش فوق أرض سوريا ...مضطهد ومهضوم الحق ومتضرر من الاستبداد سواء كان ممثلا بالنظام أم بداعش والنصرة وغيرها.
أعتقد ان عملية جذرية إصلاحية للدين والسياسة، واجبة على كل من يدعي الحرص على الإسلام، واجبة على العالم ورجل الدين الفاضل، كما المثقف والسياسي المعني بمستقبل الوطن.
الوضع السوري يعيش اضطراباً لامثيل ولا سابق له، وهو بمثابة تحدي للمثقف والسياسي ، فإما أن ننجح في الامتحان الفكري العملي أو نسقط ويسقط معنا الوطن في هاوية لاقرار لها...
الاعتدال هو القبول بواقع التنوع والتلون في مجتمع واحد، يعيش عصر التطور البَرقي السريع، وعلينا أن نحرر الوطن كما العقل من براثن عقود وعقول وجدت في الاستبداد العسكري، والتخلف المتجذر في التقليد كما الشكل الديني ضالتها لتعيش، وتكبر وتنمو، المواطن مسلماً كان أم غير مسلم يحتاج لرعاية، لحياة طبيعية آمنة، لمدرسة وجامعة، لعدالة وكرامة، لمساواة وعدالة ، لصحة ومسكن لائق، لقانون يحميه ، يدفع عنه الظلم ويساويه مع أخيه المواطن ، لايكفره ولا يقصيه، يحترم حريته الفردية والمجتمعية....إن توفرت هذه العوامل في حياته ، وكان الاسلام رديفاً لها مشجعاً عليها نستطيع حينها أن نقول أن الاصلاح في الإسلام وصل لغايته...وأن الاعتدال طرق بابه...ودخل.
ــ باريس 16/8/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تعتدي على مصلين حاولوا الوصول إلى المسجد الأقص


.. أسوياء مع مصطفى حسني - نفسي فداك يا رسول الله ..وتعرض أبو بك




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها


.. 92-Al-Aanaam




.. تُسع ثقافات أنجبت سومر، ماهي ؟