الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقادُ الدينِ ومِحَنُهُم (4)

مبارك أباعزي

2014 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


4- في تلازم الوعظ والسلطة: هكذا تكلم علي الوردي:
كان من سوء حظ علي الوردي –أو من حسنه- أنه فكك مبكرا، خلافا لمجايليه الذين يربتون على كتف السلطة تزلفا وتقربا، خيوط العلاقة الرابطة بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية، فكان نقده موجها لطائفتين نافذتين في المجتمع العراقي؛ الطائفة الأولى هي المؤسسة الدينية، والطائفة الثانية هي مؤسسة الدولة، وقد لمح عنوان كتابه "وعاظ السلاطين" إلى هاتين الطائفتين. ومنذ أن نشر كتابه أصبح غصة للسلطة يجب ابتلاعها دون إحداث الكثير من الضجيج، كما اعتبرته المؤسسة الدينية خارجا عن الملة وذا نية في تدمير الرسالة السماوية.
ولعل الخطوة الانتقامية الأولى التي بادرت السلطة السياسية إلى القيام بها هي جمع كتبه من مكتبات العراق وحرقُها. ومنذ ذلك الحين، بدأت أمراض خريف العمر تتفاقم، وازدادت معاناته وخوفه المستمر، كما انفض عنه الأصدقاء والأحباب الذين اعتبرهم في ما مضى غذاءَ الروح والعقل.
وقد كان علي الوردي عارفا بخطورة ما اجترأ عليه، فقد لامس السلوك الانحرافي لطائفة من المسلمين في فترة من الفترات، وانتقد بشكل صريح أنماط تفكير الإنسان العراقي التي تحتاج في نظره إلى التغيير. يقول في هذا الصدد: "لقد آن الأوان لكي نحدث انقلابا في أسلوب تفكيرنا. فقد ذهب زمان السلاطين، وحل محله زمان الشعوب. وليس من الجدير بنا، ونحن نعيش في القرن العشرين، أن نفكر على نمط ما كان يفكر به أسلافنا من وعاظ السلاطين" .
لهذا عاش في صراع دائم مع السلطة، وحتى عندما تم الاستيلاء على المنزل الذي نشأ فيه، بعد انتقاله إلى منزل جديد، لم يبادر إلى الدفاع عن حقه، لمعرفته السابقة بأنه سيخسر القضية لأن لا أحد سيقف بجانبه، وهكذا كانت كل أمور حياته تمر بهذا الشكل، خاسرا ووحيدا وغريبا وممقوتا إلا من بعض الذين فهموا مقاصده وأفكاره.
وبعد موته، تذكره الوطن الذي خدمه بكل ما أوتي من ضمير ومسؤولية. تذكره الوطن بعد أن أدرك هول الفضيحة التي قام بها في حق رجل ما اقترف سوى الكتابة عن سلوك الإنسان وتأثير السلطة الدينية على تبرير الاستبداد عن طريق استغلال كلمة القرآن. وقد خُصص له مسلسل من ثلاثين حلقة –رغم أن عائلته لم ترض عن هذا المسلسل- تكريما لذكراه واعتذارا عن خطأ ما كان له أن يرتكب، فضلا عن عشرات البرامج التي أفردت للتذكير به ومناقشه فكره. ولو تأسى العراقيون بأفكاره التي تدعو مثلا إلى اعتبار الخلاف بين علي وعاوية خلافا تاريخيا يجب أن يُتجاوز لما وقعوا في هذه الحرب الدموية التي تحدث اليوم بين الشيعة والسنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ